احتمالات
في الفترة الأخيرة? لم تكن أحوال مصطفى المسعد السعداوي تبشر بالخير.. والعارفون بالأمر يقولون: مصطفى المسعد السعداوي كان مسكونا بالهم حتى العظم.. المسكين خرج من الخمارة وهو لا يرى ولا يسمع.. في البداية جلس قرب حاوية القمامة الكبيرة? وأخذ يغني أغنية حزينة كادت تبكي القطط التي أوقفت البحث عن طعامها إلى حين ..?
بعدها? وقف مصطفى المسعد السعداوي بصعوبة? ثم مضى ساحبا?ٍ جسده إلى الفندق الذي كان يعرف فيه من بنات الهوى الكثيرات… خطوات مشى.. ثم استدعى الجدار بإشارة آمرة من إصبعه? وأخذ يسير إلى جانبه سيرا?ٍ غريبا?ٍ مدهشا?ٍ? حيث وضع بطنه وصدره ويديه على الجدار? وأخذ يحرك قدميه بالعرض.. وقتها ظن? أن فندق” الشرفة” أصبح أبعد من ذي قبل بآلاف المرات.. وحين وصل لاهثا?ٍ ممزقا?ٍ مبعثرا?ٍ? جلس على الرصيف? أمام الفندق تماما?ٍ? محاولا?ٍ أن يلتقط شيئا?ٍ من أنفاسه الهاربة..?
عندما مد?? أو حاول أن يمد? قامته مرة بعد مرة? وأبت أن تتجاوب مع محاولاته? زحف نحو الفندق معلنا استسلامه الأخير أمام قامته اللعينة.. ولأنه دخل الفندق على هذه الحال المزرية? فقد لفت الأنظار وأرسل القهقهات? قهقهات النزلاء طبعا?ٍ… ثم حين ألقى خطبة عصماء لا بداية لها ولا نهاية? عن إفلاسه بعد أن ضيع آخر قرش كان معه في خمارة” السعادة” رمي رميا?ٍ خارج الفندق…?
العارفون بالأمر قالوا: على الرصيف الذي تلقفه مثل الأم الرؤوم? أخذ مصطفى المسعد السعداوي يبكي? بعدها – هكذا دون مقد?مات – انفجر في ضحك ملعون لم يتوقف.. كان يضحك ويضحك.. يقف.. يتمايل مثل شر?ابة الخرج ثم يضحك.. يقع على الأرض ثم يرفع نصف قامته? ويضحك.. ثم لا أحد يعرف ماذا حدث…?
***?
نشر الخبر في سطرين.. واحدة من الصحف التي تهتم بالفضائح نشرته.. لكن ما لف? الموضوع من غياب تام في المعلومات? جعل الخبر منزويا?ٍ لا يؤبه له ..كل ما جاء في الخبر يقول: على الرصيف الواقع قرب أحد الفنادق المشبوهة في المدينة? وجدت جثة رجل مجهول الهوية… يظن أن? في الأمر جريمة” بعدها وعدت الصحيفة قراءها أن تنشر كل جديد يمكن التوصل إليه… ولاشيء آخر…?
***?
المعلومات المتوفرة لدى الضابط المناوب في المخفر اعتبرت سرية للغاية? وقد أوصى الرقيب وشدد على ضرورة حفظ السر? لا حاجة لتسريب أي خبر.. وكان الرقيب أحمد الرعشان يقرأ باستغراب ودهشة بعد ذهاب الضابط المناوب إلى بيته لينام هناك???
كان المسكين الرعشان يحاول أن يجد معلومة واحدة مفيدة يمكن أن تشكل سرا?ٍ.. ولأنه كان معروفا?ٍ بالغباء من قبل عناصر المخفر? والمخافر الأخرى في المدينة? وبشكل جعله يقتنع ويسلم بأنه غبي? فقد قام إلى المغسلة الوحيدة في المخفر وفتح الصنبور? ووضع رأسه الكبير تحت الماء المندلق ليغسل الغباء? أو ليصحو على أقل تقدير? لعله يفهم شيئا?ٍ من المكتوب في السطور? أو خلفها كما يقولون…?
بعدها? عاد الرقيب أحمد الرعشان وأخذ يقرأ تاركا?ٍ للماء حرية الانزلاق بهدوء فوق الصفحة.. وكل ما فهمه? وهو ما كان مكتوبا?ٍ على كل حال? إن الجثة وجدت على الرصيف قريبا?ٍ من فندق” الشرفة” وإن معاينة الجثة لم تصل إلى تحديد سبب الوفاة? وإن صاحب الجثة غير معروف الهوية. وقد قام أحد عناصر المخفر? وهو الشرطي نايف أسعد الشمندوري? بتفتيش جيوب المتوفى? ولم يجد أي شيء… وقد نقلت الجثة? لتحفظ في براد من برادات أحد المشافي? إلى حين الوصول إلى معرفة هوية المتوفى? ومكان إقامته? لإبلاغ أهله.. وقام الرقيب أحمد الرعشان مرة أخرى? بالذهاب إلى الصنبور? ووضع رأسه تحت الماء المندلق..?
***?
حين هبط الليل? أو حسب رأي أم عدنان صاحبة البيت: عندما بدأ الناس يستريحون من ضجيج الأولاد العفاريت.. كان الشعور الذي سيطر عليها غريبا?ٍ? إذ ما تعودت أن يغيب مصطفى المسعد السعداوي كل هذا الوقت.. الرجل كما تعرف? مقطوع من شجرة? وليس له أحد في هذه الدنيا . وهو مثلها تماما?ٍ? لا يخالط أحدا?ٍ? ولا يخالطه أحد… أم عدنان هذه? وهي في الخمسين من عمرها كما تدعي? كانت تسر? إلى حد كبير? حين تكتشف أن مصطفى المسعد السعداوي كان يراقب كل حركاتها وسكناتها من ثقب الباب في غرفته… وكانت تتقصد? ربما دون سوء نية? القيام بحركات تجعله يشتعل وراء بابه المغلق.. وكانت في سرها تضحك? وتشفق على هذا المسكين الذي يعيش – مثلها تماما?ٍ – في وحدة قاتلة..?
أم عدنان التي شغلها غياب مصطفى المسعد السعداوي? فكرت أن تذهب إلى المخفر? كانت قد خططت ورسمت في ذهنها أن تقول: إن مصطفى المسعد السعداوي الذي أستأجر غرفة في بيتها منذ خمس سنوات? إلى جانب مستأجرين آخرين في الغرف الأخرى طبعا?ٍ? كان يدفع الأجرة الشهرية بانتظام? لكنه في المدة الأخيرة? لم يعد كما كان? حيث أخذت أحواله المادية تتغير.. هذا التغير ظهر جليا?ٍ واضحا?ٍ في أمور كثيرة…?
من هذه الأمور? على سبيل المثال لا الحصر? أن مصطفى المسعد السعداوي? لم يعد يحمل لها أكياس الفاكهة كما كان يفعل من قبل.. كما أنه ل