كتابات

المؤتمر الشعبي العام – حكاية مولودٍ من رحمٍ وطنية

.
بقلم/ الشيخ عبدالمنان السنبلي
لم تكن مصادفةً أن يؤكد الرئيس صالح في خطابه الأول أمام مجلس الشعب التأسيسي الأعلى بعد إنتخابه رئيساً للجمهورية لأول مرة في صيف عام 1978 أنه سيسير على خطى حركة 13 يونيو التصحيحية ؛ الحركة التي جاءت بالشهيد الحمدي إلى السلطة في يونيو 1974، فالرجل كان يعي فعلاً ما يقول وفي نفس الوقت مدركاً للتحديات والصعوبات التي تواجهه كرئيسٍ ثلاثينيٍ شاب جاء والبلد كانت يومها تغلي على فوهة بركانٍ محتدم .
في الواقع لم تكن اليمن بشطريها في ذلك الوقت بمنأىً عن مناخ الحرب الباردة وما صاحبها من عملية استقطابات وتجاذبات سياسية وآيديولوجية أفرزت نشوء العديد من التيارات والحركات السياسية المتصادمة فكرياً وسياسياً في الداخل اليمني، فكان كل تيارٍ منها يحاول او يسعى إلى تعميم فكره ومنهجه وفرضه على الآخرين مما خلق جواً عاماً من الاحتقان الحاد والذي ينبئ بمستقبلٍ قاتمٍ ينتظر اليمن .
في المقابل بدأت تتبلور أمام ذلك الصراع الأجنبي المنشأ والمحلي الأدوات فكرة إنشاء كيانٍ وطنيٍ جامعٍ تستظل تحت مظلته كل القوى السياسية على إختلاف توجهاتها وانتماءتها السياسية والحزبية . كان ذلك بالطبع في نهاية حقبة الرئيس الحمدي والذي بإغتياله في إكتوبر 1977 اختفى الحديث عن تلك الفكرة أو الخطة السياسية وظلت كذلك طوال فترة حكم الرئيس الغشمي والتي بالتاكيد لم تتجاوز الثمانية أشهر ونيف .
وجاء الرئيس صالح بعد ذلك إلى الحكم وقد تأزمت الأمور أكثر وازدادت الأوضاع سوءاً لدرجة أنها وصلت في كثير من الأحيان إلى حد الإغتيالات ومحاولات الإنقلاب والتصادم المسلح بصورة لم يسبق لها مثيلٌ من قبل، إلا أن تلك الفكرة التي تبلورت في نهاية عهد الحمدي لم تغادر مخيلة صالح والتى كان يرى فيها مخرجاً سياسياً مناسباً وآمناً لليمن، وهذا بالطبع ما جعله يؤكد في خطابه الاول على تبنيه خطة السير على خطى الرئيس الحمدي .
بدأ صالح السير في هذا الإتجاه بخطىً متئدة وثابتة حيث دعى كل الأطراف إلى حوارٍ جديٍ جامعٍ أشرك فيه عموم الشعب من خلال اللجان التي نزلت إلى كل المناطق لأخذ آراء الناس ليتم بعد ذلك تجميع كل الرؤى و صياغتها في قالبٍ واحدٍ اتفق عليه الجميع هو (الميثاق الوطني)، ليدعو بعد ذلك الرئيس صالح إلى عقد المؤتمر التأسيسي للمؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس 1982 والذي فعلاً أخرج اليمن في ذلك الوقت من ذلك النفق المظلم الذي كانت تعيش فيه .
فعلاً لقد شكل إعلان المؤتمر الشعبي العام في ذلك الوقت حلاً سحرياً ووطنياً ذابت في بوتقته كل الصراعات والاحتكاكات السياسية كما أنه قطع الطريق على كل المؤثرات الآيديولوجية التي كانت تأتي من الخارج وتغذي الخصومة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فلم تعد كتب (لينين) و(ماركس) مرجعيات لهذا الطرف، ولا مولفات (آدم سميث) وصاحب نظرية البطالة (كينز) ملهماتٍ لذلك الطرف، فقد أصبح الميثاق الوطني هو المرجعية السياسية الوحيدة لكل الأطراف على اختلاف توجهاتها وتنوعاتها . حقاً لقد كان حلاً سحرياً حقيقياً ونابعاً من رحمٍ وطنيةٍ خالصة ما أحوجنا اليوم إلى مثله !
واليوم هاهو المؤتمر الشعبي العام وهو يستعد للاحتفال بإطفاء شمعته الخامسة والثلاثين يأبى إلا أن يكون كعادته في خنادق الدفاع عن الوطن والثورة والوحدة ومواجهة العدوان ليضيف إلى حسابه الوطني الضخم رصيداً مشرفاً جديداً يضاف إلى رصيده السابق المساهم في تحقيق الوحدة اليمنية والدفاع عنها ليؤكد من جديد أيضاً أنه الحزب الرائد فعلاً والمولود من رحمٍ يمنية خالصة .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com