الأمن الدوائي … ضرورة غيبتها الانظمة واستحضرتها الكوليرا
بقلم / حمير العزكي
استطاعت الانظمة القمعية والاستبدادية وحكوماتها البوليسية التي تعاقبت على الشعوب العربية عموما أن تجعل الحديث عن مفهوم الأمن مقترن فقط بأجهزة السلطة الامنية و المحصورة في الجوانب الجنائية والمقصورة على الجوانب السياسية ، فشاع استخدام مفردة الامن مع تشكيلات تلك الاجهزة المختلفة مسمياتها من بلد الى اخر والمتطابقة مهاما تماما في كل البلدان .
فمن الامن العام الى الامن الخاص الى الامن المركزي والامن السياسي و امن الدولة والامن القومي وووو الخ وبذلك احتجز العقل العربي خلف قضبان هذه المفردات وغاب عنه تماما التفكير في جوانب الامن الاخرى الاكثر أهمية في بعض حالاتها مما عبئت به ذاكرته الجمعية وعقله الباطن من جوانب تخدم الأنظمة في اساسها .
فمن النادر جدا الحديث عن الأمن الثقافي كعنوان عام للحفاظ على الهوية الثقافية العربية وحماية القارئ والدارس العربي من الهجمات الثقافية الممنهجة والموجهة ضده ومن النادر أيضا الحديث عن الأمن الغذائي في غير الظروف الاستثنائية كالازمات الاقتصادية والسياسية والصراعات المسلحة والحروب الداخلية او الخارجية .
والأكثر ندرة في هذا المجال الحديث عن الأمن الدوائي والذي ربما لاتظهر الحاجة الماسة اليه ولا تبرز اهميته للعامة واحيانا للسلطات الا عند التعرض لعدوان خارجي وحصار مطبق يجعل من وصول الواردات اجمالا والادوية خصوصا أمرا بالغ الصعوبة وباهض التكلفة ، بالاضافة الى ما تتسبب به الحروب من تفشي للامراض والأوبئة نتيجة التلوث البيئي وسوء التغذية وتعطيل المرافق الصحية ، ومن أشهر تلك الأوبئة الملازمة للحروب وباء الكوليرا .
بالنسبة لبلادنا تنبهت السلطات لموضوع الامن الدوائي في وقت مبكر حيث قامت وفي خطوة تشكر عليها في بداية الستينات بتأسيس الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الأدوية (يدكو ) بالشراكة مع القطاع الخاص والتي ظلت حتى منتصف السبعينات تمارس النشاط التجاري حتى تم إنشاء المصنع التابع لها وبخطوط انتاج مختلفة استطاعت خلال تلك الفترة ان تغطي بمنتجاتها وتوكيلاتها تغطية السوق المحلية وضبطها والرقابة عليها بموجب الصلاحيات التي منحت فيما بعد للهيئة العليا للادوية عند انشائها .
لم تلبث الشركة طويلا حتى وصلت اليها أيادي العبث وأمتدت نحوها اطماع الفاسدين حتى وصل بها الحال ان يكون تعيين قيادتها على سبيل الترضية بدون اعتبار للتخصص والكفاءة ، ونتيجة لغياب مفهوم الامن الدوائي انعدام الشعور بأهميته استمرت الشركة في الانحسار وبدات الخسائر تتزايد والالتزامات تتراكم والمديونيات تتضاعف وتثقل كاهلها ، لتأتي احداث 2011 صراعاته السياسية لتمثل القشة التي قصمت ظهر البعير فتتوقف الشركة عن العمل وتخرج عن الخدمة .
ما يهمنا في الموضوع وما دفع للكتابة عنه ما تعانيه البلاد من انتشار مخيف لوباء الكوليرا لم تحرك النداءات والمناشدات المؤسسات الدولية للتحرك بالمستوى المطلوب في المساعدة على مواجهته ، وما قدمته وتقدمه من المحاليل الوريدية يتم شراؤه من السوق المحلية ومن المخزون الاستراتيجي للبلاد والذي اوشك او كاد يوشك على النفاذ ، وان مسألة استيراد تلك المحاليل من الخارج يحتاج الى وقت كبير نتيجة اجراءات الحصار والى تكلفة باهضة تتفاوت حسب وسائل النقل ، وقد يأتي اليوم الذي يموت الناس فيه من الكوليرا لإنعدام تلك المحاليل او لارتفاع سعرها نتيجة ندرتها .
وماذا لو علمنا ان هناك مصنع وحيد داخل اليمن لديه خط انتاج خاص بإنتاج المحاليل الوريدية ؟؟ وان هذا المصنع تملكه شركة من شركات القطاع المختلط التابعة للحكومة ؟؟ وأنه لايحتاج لمليارات ولا لمئات او عشرات ملايين الدولارات بل لبضع ملايين منها فقط ليعاود نشاطه بإنتاج مايغطي احتياجات السوق المحلية ؟؟ وماذا لوعلمنا ان هذا الامر مطروح منذ فترة على قيادة الدولة ؟؟ وعلى الجهات الرسمية المختصة ؟؟ ولكن دون تجاوب يذكر او أثر يشكر .
ختاما نجدد الدعوة الى المجلس السياسي وحكومة الانقاذ الى الاهتمام الجاد والمسؤول بإحياء الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الادوية (يدكو) وتقديم الدعم العاجل والسريع لاعادة تشغيل مصنعها بكل خطوطه الانتاجية وفي المقدمة خط انتاج المحاليل الوريدية انطلاقا من الحفاظ على الامن الدوائي والذي يعتبر جزءا لايتجزأ من الامن القومي الوطني.
كما اتوجه بالدعوة الى رأس المال الوطني ورجال الاعمال الشرفاء الى الدخول في شراكة انتاج جادة ومتكافئة مع الشركة بإعتبارها احد حصون وقلاع الامن الذاتي لهذه البلاد التي غمرت الجميع بخيراتها .