اقنع الدجاجة اولا
يحكي ان رجلا جاء الى طبيب نفسي وقال له
– ساعدني يادكتور فأنا اشعر اني حبة قمح وهناك دجاجة تترصد بي كي تأكلني
شرع الطبيب بعلاجه وبعد اشهر قال له :
– ها قد شفيت والحمد لله من حالتك ولم تعد تحسب نفسك حبة ويمكنك الان الذهاب الى البيت
رفض الرجل الخروج وقال للطبيب :
– يادكتور لقد شفيتني وانا شاكر لك ولكنك لم تعالج الدجاجة وهي مازالت تحسبني حبة قمح !!!
عندما قامت المصالحة الفلسطينية المباركة بين حركتي فتح وحماس منهية الانقسام المرير في الشارع الفلسطيني الذي انهك كلا الفريقيين في صراعات جانبية لاتغني ولاتسمن من جوع ولاتخدم اي طرف سوى العدو الصهيوني فرحنا واستبشرنا خيرا بأن مريضنا قد شفي من مرض الوهم الذي كان يصور له انه قادر على الاستئثار بالقرار الفلسطيني منفردا ودون مشاركة الاطراف الاخرى وان زوال هذا الوهم سيساعد في تسريع عجلة تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
ولكن يبدو ان الدجاجة التي تلاحقه لم تشفى ومازالت تحسب ان الشارع الفلسطيني حبة قمح ويجب التهامها ولذا بدأ الكيان الصهيوني ومباركة امريكية باجرائات عقابية تطال السلطة الفلسطينية ماديا واقتصاديا مرورا وبالتهديد بالغاء كافة الاتفاقات الدولية الموقعة بين الجانبين انتهاء وكل هذا تقوم به اسرائيل كمحاولة لمنع اعلان الدولة الفلسطينية عن طريق الامم المتحدة بعد ان كانت نتيجة سنوات من المفاوضات صفرا على الشمال خصوصا بعد اعلان اسرائيل رفضها العودة الى حدود 67 ورفضها اعادة اللاجئين ورفضها سيادة الدولة الفلسطينية على حدودها مع الدول الاخرى وبعبارة اخرى تريدها ان اعلنت ان تكون دولة ديكورية مثل امارة موناكو في فرنسا لاجيش لديها ولا سلطة وتبلغ مساحتها كيلومترين ونصف تقريبا !!!
أن كلا من الرجل والدجاجة هنا مصابان بالوهم من النوع الثقيل فالسلطة الفلسطينية لم تستطع ان تستوعب لحد الان ماتخططه اسرائيل لها من مد المفاوضات الى مالا نهاية حتى يتسنى لها قضم اخر شبر من الضفة الغربية وضم للمستوطنات الصهيونية ومازالت تعيش الوهم بأن هذه الدجاجة قد تتركها لحالها وتنصرف , بينما الدجاجة الاسرائيلية مازالت تعيش وهم ان الشعب الفلسطيني لن يقوم ضدها وانها قادرة على لجمه الى الابد والتحكم بمصيره كيفما تشاء دون حسيب او رقيب من المجتمع الدولي الذي يرقص عادة على اي موسيقى تعزفها اسرائيل دون تفكير او تمحص ولكن الواقع ان كلا السلطة واسرائيل مخطئان فاالسلطة يجب ان تتخذ موقفا حازما لاعلان الدولة الفلسطينية باي ثمن حتى لو كان عودة الاحتلال المباشر للضفة الغربية والذي لن يفرق كثيرا عما هو عليه الحال الان , فالجيش الاسرائيلي يصول ويجول في كل انحاء الضفة ويقتل ويعتقل من يشاء في اي وقت يحلو له .
واسرائيل مخطئة في تصورها ان معادلة اسرائيل دوما على حق مازالت بنفس القوة التي كانت عليها فتغيير النظام المصري وانهاك امريكا في افغانستان والعراق ودخول تركيا في لعبة الشرق الاوسط بغض النظر عن دوافعها الحقيقية وانتهاء الانقسام بين الفلسطينيين ناهيك عن الاصوات التي بدأت ترتفع في اوروبا مطالبة بمحاسبة اسرائيل ونبذ سياسة الطفل المدلل الذي لايجرؤ احد على الحديث معه , عوامل تضعف الموقف الاسرائيلي على الارض .
لكن الموهوم الاخير هنا هو الطبيب الذي يفترض به ان يكون المجتمع العربي فهو بدلا من علاج الحالة الفلسطينية اصبح مصابا بوهم امكانية ان تتصالح الدجاجة مع حبة القمح ويعيشان سوية بسعادة بدلا من مطاردة الدجاجة للحبة طوال الوقت ناسين ان اكل القمح هو طبع الدجاج ولايمكن تغييره باي مبادرات مهما كان شكلها او لونها .