عاصمةُ الجرح و الصمود – صعدة
بقلم الشيخ / عبدالمنان السنبلي
بصراحةٍ أولئك الذين أصمّوا مسامعنا عن (تعز) وما حل بتعز في بكائياتٍ طويلةٍ لا تعدو أن تكون عملياتِ ابتزازٍ سياسيٍ واستثمارٍ رخيصٍ للدماء الغرض منها تحريك عواطف الناس وتهييجها بما ليس صحيحاً على الأرض، هم أشد الناس عداءً لها ولأبناءها وأكثرهم حقداً عليها وعلى اليمن عموماْ !
نحن وبأعلى صوتٍ قد قلناها أكثر من مائة مرة أننا ضد أن تُسفَك قطرة دمًٍ واحدةٍ في تعز أو غير تعز، إلا أننا لا نكاد نخفي موقفنا من أولئك الذين يريدون اختزال الجرح والألم اليمني كله في تعز وكأنما ليس ثمة مصابٌ على امتداد رقعة هذه الأرض اليمنية إلا تعز وكأنما أكثر من عشرة آلاف غارةٍ سعوديةٍ على تعز لم تُلقِ عليها سوى باقات الورود وعقود الفل والرياحين حتى لم نسمع من يشتكي أو يتذمر منها على بشاعة وهول ماخلفت وأحدثت .
أما صعدة في نظرهم فلتُسحق سحقا ولتُدمر تدميرا وكأنها ما خُلقت إلا لهذا فلا بواكيَ ولا مَرَاثٍ لها مع أنها تلقت من الغارات والصواريخ والقنابل بمختلف أنواعها الفسفورية والفراغية والعنقودية أضعاف أضعاف ما تلقته تعز أو أي محافظةٍ أخرى ليس آخرها المجزرة التي ارتكبتها طائرات الإثم والعدوان يوم أمس في مديرية (شدا)، فلم يبق في صعدة المدينة منزلاً ولا داراً إلا وأصابته نيران الحقد المتراكم والمزمن في صدور حثالات البشر من بني سعود وأعرابهم في الخليج .
ولم تبق قريةٌ في ريف صعدة ولا سهلٌ ولاجبلٌ ولا مزرعةٌ إلا وتم إزالتها من على وجه الأرض ومحوها من الوجود .
من يقف على أطلالها اليوم وينظر بتأمل، سيعتقد أنه أمام هيروشيما أو ناجازاكي أخرى، فلم يعد فيها بيتٌ قائمٌ على أساسه أومبنىً منتصبٌ على قواعده إلا ونال نصيبه من القصف والإجرام وكأنما كان له ثأرٌ قديمٌ جديدٌ مع تتار العصر من مستعربي الجزيرة والخليج .
ما تبقى من أهلها إما صامدون على حطام وأنقاض مدينتهم يواجهون بكل شجاعةٍ وصبرٍ وإصرارٍ مصيرهم وينتظرون دورهم من الموت، وإما نازحون بأطفالهم ونساءهم، ليس جبناً وهرباً من الموت، وإنما رأفةً وحناناً بأطفالهم الذين لاشك سيستلمون الرأية غداً لمواجهة البغي والظلم ويثأرون لمدينتهم وشعبهم من قوى الاستكبار والعدوان .
هكذا أصبحت صعدة عاصمةً للجرح وعنواناً للألم، فما سمعنا أن أحداً من أبناءها قد تباكى عليها أو أشتكى مما وقع بها احتراماً لما وقع وحل باليمن عموماً وتجلداً وصبراً على الظلم والبلوى منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، فكأنما يأبى أبناء صعدة إلا أن يعيشوا ويموتوا واقفين وهكذا هم الأحرار .
فلماذا لا يتعلم أولئك الناعقون والمتباكون على مصاب مدينةٍ يمنيةٍ هنا أو هناك والمستثمرون لأوجاع وآلام الناس ودماء الأبرياء من أبناء صعدة الشموخ والهدوء والصبر على البلوى ؟!
لماذا يصرون على الإيذاء بالوطن وإنزال الألم به في أكثر من مقامٍ ومكان والتباكي على أطلال وهمٍ وأنقاض سرابٍ إذا ما قارنَّا مصابهم بمصاب صعدة الصمود وقد غدت إنموذجاً واضحاً وعنواناً للألم وعاصمةً للجرح ومع ذلك لا تزال تنادي العالم من تحت أنقاضها وتهتف أنها مدينةٌ تأبى أن تموت !