الأزمة السعودية القطرية.. بعد استنزاف الخيارات سعوديا وبداية المواجهة قطريا
شهارة نت – تحليل :
أتى القرار السعودي بقطع العلاقات مع دولة قطر والتصعيد الدراماتيكي للموقف والذي اعتمدته الأخيرة في مواجهة ما أسمته سياسة دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الخليجية الأخرى بمثابة صاعقة بداية الأمر على دولة قطر، وبالفعل تخوف البعض من قرار إعلان حرب سعودية لاحتلال قطر وضمها إلى أراضيها. إزاء هذا الأمر كانت ردة الفعل القطرية متزنة ومتروية في محاولة لسحب فتائل الانفجار وأسباب التأزيم.
إذا الصدمة التي ولدتها القرارات والإجراءات السعودية لم تقابل قطريا بإجراءات متسرعة ومتهورة بل ظلت الأخيرة تسعى للتهدئة وامتصاص الغضب السعودي وفتح أبواب التسوية دون الانبطاح للإرادة السعودية، على الرغم من أن قطر كانت تدرك حدود هذه القرارات وأنها لن تؤدي سوى إلى تورط سعودي في التزامات وتهويلات، قدراته أضعف من تحقيقها.
بداية الأمر اعتمد القطريون أسلوب التنفيس السلس للضغوط السعودية، فبالموازاة مع التفتيش عن سبل حل للأزمة بدأوا بهدوء استجماع أوراق قوتهم وإفشال مفاعيل الحصار الذي فرضته السعودية عليهم. وبالفعل تمكنوا خلال أيام معدودة وبمساعدة الدول الإقليمية الحليفة والقريبة من الدوحة من استبدال السعودية كمصدر لكثير من المواد الأساسية ومنها الغذائية بمصادر أكثر قوة.
وأقصد هنا كلا من إيران وتركيا، فإيران بادرت مباشرة لتأكيد جهوزيتها لتزويد قطر بالمواد الغذائية وبالفعل بدأت بتصدير مئات الأطنان يوميا من المواد الغذائية والخضار والفاكهة عبر خطوط جوية وبحرية.
وكذلك فعلت تركيا، التي أعلنت وقوفها إلى جانب قطر وبدأت فعليا بإرسال الصناعات المختلفة إلى قطر كسرا لمحاولة الإطباق عليها من قبل السعودية. كما سارعت تركيا أيضا للتصديق على قانون يسمح بنشر آلاف الجنود الأتراك في قواعد عسكرية قطرية تأكيدا على الجهوزية للدفاع عن الأخيرة بوجه التقدم السعودي عسكريا أيضا.
طبعا دول أخرى أعلنت جهوزيتها لتزويد قطر بالمواد الغذائية، وقرار محمد السادس ملك المغرب إرسال طائرات من المساعدات الغذائية إلى قطر يدخل في نفس الإطار. طبعا هذه الخطوة التي وضعها محمد السادس تحت عنوان وقوف المسلمين إلى جانب بعضهم في الملمات وخصيصا في أجواء شهر رمضان ليست بريئة لناحية دغدغة السعودية وإرسال إشارات بأن قطر ليست وحيدة في المواجهة.
وفي نفس السياق أُعلن فتح خطين بحريين جديدين مع سلطنة عُمان انطلاقا من ميناء حمد القطري باتجاه كل من ميناء صحار وصلالة العُمانيين، وهذا يؤكد من جهة على توفر الخيارات الكثيرة لتأمين مستلزمات الداخل القطري، كما يؤكد على الرفض العُماني الواضح لسياسات السعودية، وهذا مهم جدا كون عُمان هي عضو في مجلس التعاون الذي يضم إلى قطر السعودية الإمارات البحرين والكويت التي لا تزال تسعى لحل الأزمة عبر التوسط بين قطر والسعودية.
الحصار الجوي أيضا فشل منذ الساعات الأولى، حيث أعلنت طهران عن فتح الأجواء الإيرانية أمام الطيران القطري، وبالفعل لم يتم إلغاء أي رحلات سوى إلى البلدان الأربعة التي أعلنت مقاطعة قطر، وهذا الأمر يؤدي إلى تكبيد هذه الدول أضرار قد تكون أكبر من الأضرار القطرية نفسها.
الحصار المالي وبسبب الاحتياط القطري الضخم وشبكة العلاقات المالية والبنكية المنتشرة على امتداد المعمورة، لم يؤدي إلى ما صبا إليه آل سعود. فالبورصة القطرية لم تنهار والعملة تراجعت بشكل ضعيف لتعود إلى الاستقرار مجددا مدعومة بموقف دولي رافض للتأزيم السعودي.
إذا تمكنت قطر وبجدارة من تخطي هذه الأزمة والتي أرادت السعودية من خلال إخضاع القطريين وإعادتهم إلى بيت الطاعة السعودي، فكانت النتيجة معاكسة تماما.
قطر وبعد أيام قليلة على الأزمة تقف اليوم في موقف القوي المنتصر. فعلى الرغم من بعض الأضرار الاقتصادية التي حصلت إلا أنها بدأت بمرحلة جديدة من الهجوم المعاكس على السعودية. هجوم يعتمد على قوة الأوراق التي تمكنت قطر من استجماعها من جهة، ومن جهة أخرى فإن السعودية وبسبب خلو جعبتها من أي أوراق قوة باقية لديها باتت في موقف الضعيف الذي لا يعلم كيف يخرج من مستنقع أغرقت نفسها فيه.
وترجمة هذه القوة القطرية على الميدان يمكن قراءتها من مؤشرين أساسيين. الأول نبرة تصريحات المسؤولين القطريين. الذين هددوا بخطوات قوية في مواجهة من حاول العبث بأمنهم الغذائي. ومن هذه الخطوات ما تحدثت عنه تقارير عن نية قطرية بقطع الغاز عن الإمارات وما لذلك من آثار مدمرة على الطاقة الكهربائية والاقتصاد.
المؤشر الآخر الذي يؤكد الموقف القطري القوي، الفيديوهات التي تداولها ناشطون سعوديون وقطريون للقوات العسكرية القطرية مدعومة بمدرعات انتشرت في الجهة القطرية للحدود البرية الوحيدة التي تصل قطر بالسعودية أي معبر أبو سمرة. في دلالة واضحة على أن القطريين طووا مرحلة التريث والصبر في وجه الإجراءات السعودية ليدخلوا مرحلة جديدة من المواجهة والتحدي على كافة الأصعدة.