البطالة تهد?د بتحويل «الربيع العربي» إلى شتاء بائس
خلال الربع الأول من القرن الماضي درج الزعماء العرب على تنسيب حركاتهم للقومية العربية? وعلى تأكيد سعيهم لتحقيق الاستقلال العربي منطلقا?ٍ لشرعيتهم. بعض الزعماء ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما تنبأوا بالوحدة العربية? من دون يضعوا في اعتبارهم? حتى ولو للحظة واحدة? التنافس والخلافات والمصالح المشتركة التي ميزت وظلت تميز لوقت طويل الممارسات السياسية العربية? بيد ان الشعوب العربية فقدت الثقة قبل فترة طويلة بمثل هذه الشعارات.
واليوم استبدل الشارع العربي هتاف «القومية» الذي حدا به الركب الرعيل الأول من العرب بشعار أكثر تواضعا وهو «التضامن العربي»? الذي يمكن ان نسميه «الحلقة الاضعف» في القومية العربية. ولكن ينبغي ألا نطلق عليه شعارا أجوف? إذا كان مثل هذا «التضامن العربي» يعني مساعدة العرب لبعضهم بعضا?ٍ والوقوف في وجه التهديدات الخارجية والاعتراف بالقول والفعل بأن لدى العرب مصالح مشتركة يجب الدفاع عنها لمصلحة الجميع. ومن الناحية العملية? لاسيما خلال وقت الأزمات? مثلما هي الحال في الوقت الراهن? ينبغي ان تترجم الدول العربية الغنية هذا التضامن الى مساعدات تقدمها لشقيقاتها الاكثر حاجة وأشد فقرا.
ونشير هنا الى احد الزعماء العرب? الذي هب للمساعدة في العمل العربي المشترك? وهو رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني? ففي حديث له الشهر الماضي في مركز اوكسفورد للدراسات الاسلامية? دعا الى تأسيس بنك الشرق الاوسط للتنمية من اجل ارسال المساعدة للدول العربية التي تعاني انهيارا?ٍ اقتصاديا?ٍ وشيكا?ٍ? وذكر أن قطر تسعى الى استقطاب الدعم من السعودية والكويت ودولة الامارات? من اجل تأسيس هذا المشروع.
ويقول «يمكننا من خلال هذا المصرف ارسال الموارد المحلية والقدرات واستجلاب الخبرات الخارجية». وركز حديثه ايضا على البطالة بين الشباب والتي يعتقد كثير من المراقبين أنها احد اهم اسباب محركات موجة الثورة التي تعتري العالم العربي في الوقت الراهن? وهي مشكلة تنبغي معالجتها بالسرعة الضرورية وبالموارد الكافية والا فإن الربيع العربي سيتحول الى شتاء من الوهم والبؤس.
وأبدت الدول العربية الغنية قبل ذلك استعدادها? ولنذكر على سبيل المثال انه في أواخر مارس الماضي? أعلنت دول مجلس التعاون (لدول الخليج العربية)? تدابير لدعم سلطنة عمان ومملكة البحرين بمساعدة قيمتها 10 مليارات دولار لكل منهما لتحسين البنية الاساسية والاسكان خلال السنوات الـ10 المقبلة? كما وافقت السعودية على اقراض مصر أربعة مليارات دولار إجراء طارئا?ٍ على شكل قروض ميسرة وايداعات ومنح? ووافق الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية برئاسة عبداللطيف الحمد على إقراض اليمن 329 مليون دولار لتمويل تعبيد الطرق ومصنع للغاز الطبيعي ولترميم المسجد الكبير في صنعاء? بيد ان هذا القرض سينتظر الى ان تهدا الامور في البلاد.
ووقع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية اتفاقية لتوفير قرض بقيمة 50 مليون دولار لشرق السودان لتمويل مشروعات الصحة والتعليم.
مثل هذه المساعدات وغيرها تعتبر مقدرة في حد ذاتها إلا ان المتطلبات تتخطى حدود هذه المساعدات? وعلى وجه الدقة فإن اعادة الاعمار والتنمية ينبغي ان يتم التخطيط لها على اسس اقليمية? إذ إن النموذج الذي اقترحه رئيس وزراء قطر سيكون في وسعه ان يجمع ويدير الاموال ويوزعها على الجهات التي تحتاجها اكثر? ويستطيع ان يعمل بالشفافية اللازمة وعلى اسس الخبرات الفنية.
مستقبل أفضل
يحتاج الثوريون العرب في مصر وتونس واليمن وليبيا وسورية وفي كل مكان من العالم العربي? الى حريات سياسية وإلى تخفيف القبضة الحديدية التي تمارسها عليهم الاجهزة الامنية? لكنهم ايضا بحاجة الى مستقبل اقتصادي افضل لأنفسهم ولأبنائهم? فإذا لم يتم استيفاء هذه المتطلبات فإن أي دولة عربية مهما كانت ثرية لن تنجو من اعاصير الثورة المحتومة.
عندما انهار الاتحاد السوفييتي اثر سقوط حائط برلين تم تأسيس البنك الاوربي لإعادة الاعمار والتنمية عام 1991 لمساعدة الدول الشيوعية السابقة للعبور إلى الديمقراطية والرفاهية? وحقق هذا البنك نجاحا كبيرا خلال تمويله الكثير من المشروعات الكبيرة في شرق ووسط اوروبا وفي روسيا نفسها.
وعندما التقى زعماء مجموعة الثمانية في دوفيل بفرنسا بقيادة الولايات المتحدة في مايو الماضي وعدوا بتقديم 20 مليار دولار على شكل قرض دولي لمصر وتونس. وهي في الاساس ليست هبات وانما قروض ينبغي ان يتم سدادها في الوقت المحدد? إذ ستزيد هذه الاموال من حجم القروض الثقيلة الملقاة على كاهل هذه الدول? ما سيزيد الضغط بالتالي على الميزانيات التي هي تعاني نفسها الانهاك للحد الذي وصلت فيه الى نقطة الانكسار? اضافة إلى ذلك فإن القروض الغربية تأتي مشروطة دائما. والحقيقة هي انه ينبغي ان يهتم العرب ببعضهم بعضا? وألا يلقوا بالمسؤولية على دول اخرى ليست من جنسهم سواء كانت الولايات المتحدة او اوروبا او ا