السعودية والإمارات والحدث الذي يسبق الكارثة!
بقلم / فراس النعماني
دارت يوم ألاسبوع الماضي إشتباكات داخل حرم مطار عدن الدولي الخاضع لسيطرة قوات إماراتية، وقوات يمنية موالية للإمارات، من جانب، وأخرى يمنية موالية للسعودية، من جانب آخر. الإشتباكات التي عادة ما تدور في مطار عدن الدولي بشكل متكرر تجري بين حين وآخر، وسط متابعة دائمة، من قبل السكان المحليين، الذين ينصاعون تماما، وبصورة تلقائية، للأخبار الكثيرة الواردة من على منصات مواقع التواصل الإجتماعي الممتلئة جميعها بالأخبار التي دأبت على وصف أصوات تلك الإشتباكات، من وقت إلى آخر، بأنها ليست إلا عمليات إختبار للأسلحة، داخل المطار، تجريها القوات المرابطة هناك، دون أن تكون ثمة هناك تصريحات رسمية تؤكد صحة تلك الأخبار.
تمتلك الإمارات المتحدة حق المبادرة في هذا الجزء من الأرض اليمنية؛ وهو الجزء الجنوبي. تعرف الإمارات بأنها تواجه مجاميع مسلحة مدعومة من هادي، وبالضرورة، من المملكة السعودية، الأمر الذي يظهر بوضوح إنقسام مفضوح بين الحلفاء الذين دخلوا الحرب، مثلما اليمنيين جنوبا، موحدين، قبل تقاسم النفوذ والسلطة التي يبدو وأنها لن تكون سببا مثاليا للإستمرار في الحلف، ذلك لأن الأرض، في شكلها الحالي، لا تقبل القسمة على إثنين، وهو ما يحاول كل حليف إثباته للآخر على استحياء، وليكن ذلك من خلال إختلاق أي مشكلة، مهما كان حجمها، في المطار، دائما، وليس ميناء المدينة الإستراتيجي الذي هو تحت سلطة الإمارات، منذ يوليو/تموز 2015م، حتى اللحظة، ولا أي مرفق مهم آخر.
ميناء عدن، الذي تحاول، كل دول العالم الكبرى، إظهار عدم إكتراثها به، رغم أن جوهرية وجوده، بموقعه الإستراتيجي، خصوصا، في مثل هكذا ظروف، إقليمية ودولية، يعد سببا دافعا يحرك كل العالم نحوه، للتواجد فيه، حثيثا، كما للبقاء على مقربة منه بصورة دائمة. وفي حين أن العالم، كل العالم، لا يظهر إهتماما بميناء عدن، ولا بموقعه، وكذلك تفعل دول الإقليم، تجري حاليا عملية تمويه هي الأكبر من نوعها في التاريخ المعاصر: التفاوض بشأن تسليم ميناء الحديدة الواقع اصلا تحت الرقابة والحصار والقصف، منذ سنتين وشهرين، وحتى اللحظة! بينما ميناء عدن تسيطر عليه، بالكامل، قوات دولة أجنبية هي الإمارات ويتدفق عبره السلاح بكثافة دون أن يكون هناك ثمة جهة رقابية تقوم برصد ومتابعة تسليم ذلك السلاح للمنتفعين به! وهي غالبا جهات لا تتبع وحدات الجيش المحسوبة على هادي.
يعرف اليمنيون المتصارعون على السلطة، والمنقسمون، حول طرفي الصراع الخليجي، الغير معلن بشكل رسمي، والدائر في عدن، أن الأمور تجري وفقا لما جاء في السطور أعلاه. فقط بعض المواطنون اليمنيون، في عدن بالذات، هم وحدهم من لا يعرفون ماذا يجري في المدينة الجنوبية الساحلية الصغيرة التي شبهتها إليزابيث الثانية لزوجها، دوق إدنبرة، الأمير فيليب، في مذكراتها، بأنها تشبه الدجاجة الصغيرة عديمة القيمة، لكنها تظل الدجاجة الصغيرة عديمة القيمة التي باضت ذهبا. لم يكن الذهب، الذي تحدثت عنه إليزابيث لفيليب، هو المطار، بالطبع؛ كان مصدر الذهب هو الميناء الذي لمعت له عينا الملكة الأم، من قبل، وكذلك فعلت عينا الملكة الشابه التي قدمت حينئذ إلى المدينة الصغيرة في زيارة خاطفة.
شهدت سوريا – منذ العام 2011م وصولا للعام 2015م – حربا أشبه ببروفة تحضيرية للحرب العالمية الثالثة شارك فيها حكام الدول وضباط المخابرات ورجال شركات الحرب من العالم أجمع. في سوريا قدم العالم، كل العالم، تعريفه الخاص لمعنى النصرة. كانت “النصرة” هي الوصف الذي تحولت من خلاله سوريا والسوريون إلى شركة مساهمة عالمية الإدارة يدعي الكل فيها حرصه على مكانتها وأسهمها ومصالحها وموظفيها “شعبها” قبل الإفلاس والخسارة! بعد الإفلاس والخسارة ثمة أشياء كثيرة إختلفت، وتختلف، بما فيها معاني نصرة المظلوم ونصرة الدين ونصرة الدماء العربية، بل وحتى جبهة النصرة!
هكذا، وببساطة، رأى العالم سوريا الأرض، وتعامل مع سوريا الإنسان، منذ ست سنوات. بذات الطريقة تتعامل دول مجلس التعاون الخليجي – في ظل وضع خاص لعمان عطفا على مواقفها تجاه كل الأزمات العربية – مع اليمن، بغطاء أمريكي الصنع، إسرائيلي الفكرة، عربي التنفيذ، كما هو معتاد دائما.
إندلعت الحرب السعودية على اليمن نهاية مارس/آذار 2015م بزخم متعالي. حتى اليوم، وبعد مضي سنتين وشهرين، على الحرب السعودية في اليمن، وهي الحرب التي دشنت من واشنطن، وشاركت فيها قرابة (18) دولة، شكلت حلفا إقليميا، بغطاء دولي واسع، بدعوى مواجهة ومجابهة المد الصفوي المجوسي الفارسي “الإيراني”.
لم تحقق السعودية غرضها، ولن تحققه، بإفتعالها الأزمات داخل الأزمة نفسها، وهو كما يبدو، الشعار الذي وضعه سلمان نصب عينيه، منذ تسلم كرسي الملك الذي انتظره طويلا، ومعه ذريته ونسله، ولكم الحكم بالنظر إلى ما تشهده المنطقة من توتر لم يسبق وأن عاشته بلداننا.
شكلت الحرب اليمنية عاملا بالغ التأثير على الحرب الجارية في سوريا، وتجاوزتها بإضفائها نوعا من إمتداد التأثير على الحرب التي يشنها الجيش العراقي على الجماعات الإرهابية، وعملت على ترجيح كفة موازين بعض اللاعبين الدوليين، خصوصا وأن ممولي الحربين (السورية/العراقية) كانوا وما يزالون ضمن دول الإقليم والعالم التي تدعم الحرب (المكلفة) في اليمن، ولم تنتهي لعنة الحرب على اليمن عند التكاليف المالية الباهضة، بل تجاوزتها، حينما تسببت بشرخ عميق في علاقات زعيمة الحلف العسكري “السعودية” وعدد من شركائها، وكذا في بعض القضايا الخطيرة “المصيرية” التي بدء النقاش حولها داخل الأسرة الحاكمة في السعودية وأبوظبي، وهما طرفا الحرب الأبرز.
مؤخرا، وبعد رفع جزء من الغطاء الأمريكي على الحرب في اليمن، بدأت الخلافات (الخليجية-الخليجية) تتجه نحو مزيد من التصعيد، قبل أن تتحول، ولو بالتدريج، إلى حرب كلامية وإعلامية وربما دبلوماسية، على نطاق أوسع، كما بدت الأفعال تشير إلى ذلك، بالعودة لما يحدث بين السعودية والإمارات وقطر اليوم.
اليوم تتجه السعودية – الدولة التي شكلت بضغط مكثف على دول مجلس التعاون الخليجي ومعها صف طويل من الدول العربية تحالف حربي ضد البلد الأفقر في شبه الجزيرة العربية – لممارسة حرب من نوع آخر، سياسيا وإعلاميا، تستهدف دولة قطر التي اكتشف محمد بن سلمان، فجأة، علاقتها المشبوهة بإيران، في الوقت الذي كان يخوض فيه حربا ضد إيران ذاتها في اليمن رفقة قطر! وبعيدا عن الأسباب التي أدت إلى توسع فجوة الخلافات بينهما، تطفو على السطح عدة بديهيات، غاية في الأهمية مجرد التعاطي معها، وربما هي أفضل طريقة لفهم ما يدور، ولا أظن الشاب، حديث العهد بالسياسة، محمد بن سلمان، قد تطرق لها، حتى في لحظات خلوته بنفسه، وهو الذي يتأهب لتولي الحكم، وذريته من بعده، في السعودية، الحدث الذي وإن تم، فأنه سيسبق الكارثة، لكل دول الخليج، والمنطقة، وفي مقدمتها الإمارات! وليس قطر التي أعلنت موقفها، وإن متأخرا، من الصراع الدائر بين قطبي المنطقة، إيران والسعودية.
هنالك العديد من التقاطعات السياسية بين إيران والسعودية وقطر والإمارات. تتقاطع مصالح الدول المذكورة بدعمها للجماعات الدينية المسلحة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، بإعترافات ضمنية، تحافظ، وسط حابل المنطقة، ونابلها، على مصالح دول لها مشاريعها الخاصة بها، بغض النظر عن صوابية الافعال أو شرعنتها، بدعوى المصالح، يجري ذلك في ظل أنها جميعها تنظر للأمر، كدول، على أن أي خسارة قد تلحق بهذه المشاريع، سترتد نحوها داخليا، وسينعكس ذلك على حال المنطقة من حولها، الأمر الذي يجري الآن، لدولتين خليجيتين، هما السعودية والإمارات، الدولتان اللتان فكرتا كثيرا بإيران، ونسيتا الجيران الأقرب لهما منها!
إيران التي وجدت لتكون نقيضا للسعودية، في مثل هذا التوقيت تماما، تعرف بأن مسألة تقاربها مع ولي ولي العهد السعودي، حديث السن سياسيا، لن يكون واقعا إلا بعد حسم ملفات سوريا واليمن والعراق، وقد يأتي ذلك ربما بعد توطيدها لعلاقاتها بقطر والإمارات التي تقوم الآن بتمهيد جنوب اليمن للإنفصال عن الشمال الذي يؤرق بال السعوديين، تماشيا مع المخطط الإيراني الأمثل الذي ما يزال يواجه معارضة قطرية شديدة في ظل ردود أفعال سعودية متوجسة وغير واضحة لا ترقى لدرجة المناوشات.
تصر إيران على تحجيم الدور السعودي في الدول المذكورة، وتنجح إيران، دائما، بمساعدة السعودية نفسها، على إتمام ذلك، كما حدث في لبنان، ليتسنى لها، فيما بعد، ممارسة السياسة مع من تصفها دولا صديقة، تمتلك قرارها، وهو ما صرح به وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، مطلع العام الجاري، في إشارة قرأها المراقبون بأنها موجهة للإمارات ودول خليجية أخرى تحافظ على الود معها. يجري كل ذلك في حين ترتبط السعودية بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعيب على قطر أمرا مماثلا، وذات الأمر ينطبق على الإمارات، وجميعها دول تمتلك قنوات إتصال مباشرة مع إسرائيل، وتشجع بعضها بعضا، للمضي قدما في ذلك، مدفوعة بالخوف على مستقبلها ووجودها في منطقة تغلي بمن فيها.
قطر الداعمة لوحدة اليمن أرضا وإنسانا، والرافضة لمحاولات الإمارات فصل جنوب البلاد عن شماله، بما يتوافق مع المشروع الإيراني، ولا يتوائم مع مشاريع السعودية الخاصة في حضرموت وشبوة، التي تسعى لإقتطاعهما، بالإضافة إلى الجوف ومأرب بمنحهما وضعا مستقلا. ذاتها قطر التي حاربت في مأرب جنبا إلى جنب مع السعودية والإمارات، وهي ذات قطر التي كانت أول ممول لجماعة الإخوان منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وحتى الآن، من تركت مأرب للسعودية والإمارات، كما هو حديث الصورة المرفقة بموضوعنا، رغم أن انتماء محافظ محافظة مأرب سلطان العرادة “إخواني” وهو القريب لمحمد بن زايد، قرب المسافة الفاصلة بينهما، كما يبدو في الصورة! ويحظى بتقديره، حد وصف بن زايد، عقب أحد اللقاءات التي جمعتهما، منذ أشهر.
قدمت اليمن، ومازالت تقدم، منذ سنتين وشهرين، صورة واضحة لتخبطات بعض أمراء وشيوخ دول الخليج، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، المتناقضتين قولا وفعلا، والمظهرتين لإيران، من خلال صناعة الأحداث التي تخدمها، بأنها “غول عملاق” مرعب لا يمكن ترويضه، وليس بالإمكان أن يخسر أمامهما، بالتالي، فهو يتسبب، غالبا، في تخبط دول الحلف الورقي. التخبط الذي تعود أسبابه الجوهرية لعدم امتلاك دول الحلف، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، مخيلة سياسية مستقلة، واستراتيجية واضحة ومنفصلة عن المخيلة والإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، التي وضعت للمنطقة برمتها، ولليمن بشكل خاص، وهي الإستراتيجية التي تقود المنطقة برمتها نحو التصادم والهلاك.
تتحاشى قطر التصادم مع جارتيها القريبتين، بذكاء ودهاء، مقارنة بالشاب الذي يسبق الكارثة دائما، محمد بن سلمان. أما الآخر، الذي يكره الإخوان، ولا يحب قطر، ويتهمهما بتأجيج ورعاية الإرهاب، في العالم، وليس المنطقة فحسب، فأنه يحب العرادة في اليمن، ويتهم قطر بدعمها له لزعزعة أمن وإستقرار المنطقة!؟
هل من الواضح الآن أن السعودية والإمارات قد وصلتا فعليا للمرحلة التي تسبق الكارثة؟ الأزمة السعودية القطرية الإماراتية ستقدم إجابات حاسمة فيما إذا استمرت وتصاعدت إنطلاقا من اليمن، وبلا نهاية.