الثورات العربية : صعوبة القراءة وهاجس الحقيقة
ثم?ة سؤال حارق يحي?ر?ْ اليوم كل? قارىء عربي? حر? ونزيه أمام الثورات العربي?ة وما تفرزه من أحداث ووقائع وأقوال وردود أفعال…? يمكن تلخيصه فيما يلي : ” كيف يمكن?ْ قراءة?ْ ما يحدث وما نراه ونسمعه بطريقة موضوعية تسمح لنا أن نقف?ِ إلى جانب الحقيقة ” ?
إن? كل? إجابة عن هذا السؤال باستعمال عبارات من قبيل ” يكفي أن?… ” أو ” ما عليك إلا أن?…” تتعامل معه وكأن?ه واضح?َ وبي?ن?َ وسهل?ْ المتناو?ِل ? هي إجابة ليست فقط خاطئة ? بل هي بالخصوص م?ْضل?لة ويمكنها أن تقود القارىء?ِ الحائر المتسائل إلى اتخاذ مواقف?ِ من شأنها أن تقف إلى جانب من يتلاعبون بالحقائق ويسمحون لأنفسهم بتحريفها وتزييفها …
المسألة تتعلق بكيفية قراءة الثورات العربية بطريقة موضوعية ? وهي مسألة شائكة ومعقد?ة وتعترض طريقها العديد?ْ من الصعوبات ? ولا نساعد القارىء?ِ ? حين نقول له مثلا : ” ا?سمع صوت?ِ عقلك ولا تترك مجالا للقلب والعواطف ” ? على تجن?ب الوقوع في الخطأ واتخاذ موقفا لصالح الحقيقة. العقل وحده لا يكفي للتعامل بوضوح وصواب مع هذه الصعوبات ? وإلا فكيف سيمكنه معالجة الكم? الهائل من الأسئلة التي تنحدر من السؤال السابق ? ومنها على وجه التحديد : ” هل من الممكن التعامل?ْ مع ما يمر? به العالم?ْ العربي اليوم – من احتجاجات وانتفاضات وثورات ? وما يرافقها من قمع وإراقة للدماء ? والمآسي والفتن والانقسامات المترتبة عنهما – بموضوعية الإنسان الذي لا تحر?كه حوافز?َ سياسية وحزبية أو دوافع?َ إيديولوجية وفكرية أو نعرات?َ مذهبية وطائفية أو انتماءات?َ اجتماعية وطبقية أوميولات?َ غربي?ة… ? هل يوجد من هو قادر على تغييب كل? هذه العوامل وأخرى مثل المصالح الشخصية والمنافع العائلية أو القبلية والزبونية ? وعدم تفعيلها حين يتكلم?ْ عن الآخر أو يكتب?ْ عنه ? حين يتعامل?ْ معه أو ي?ْص?د?ر?ْ أحكاما?ٍ عليه ? ما العمل وكيف التعامل مع مبدأ ” اتخاذ المواقف ” وقد اختلطت الأشياء?ْ علينا ولم نعد قادرين على أن نفر?ق بين الصحيح والخاطىء منها ? بين الحقيقي والمزو?ر أو الكاذب منها ?
لاب?ْد? ? من أجل تناول هذا الموضوع بما يلزم من العقلانية والموضوعية ? من منهجية. لهذا من الضروري عدم إهمال الملاحظات الأساسية الآتية :
– صحيح أنه من المستحيل إقصاء الذاتية في اتخاذ المواقف من الأحداث وإصدار الأحكام على أفعال الناس ? لأن? الموضوعية لا تعني نفي?ِ الذات عن الموضوع أو تصور?ِ إمكانية? وجود? رأي أو تحليل?ُ يتحل?ى في معالجته لقضية من القضايا الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية أو غيرها بالعلمية المطلقة. فكما أن?ه لا وجود على الإطلاق لما يسم?ى بالطبيعة الإنسانية كماد?ة فطري?ة معطاة سلفا ? فكذلك لا وجود للإنسان ككائن علمي? أو عقلاني? صرف. وهذا يعني أن? الإنسان كائن?َ ذو طبيعة اجتماعية مكتسبة وأن? تكوين?ِه يخضع أساسا?ٍ لتأثير التاريخ. ( أنظر مثلا ما يقوله عالم النفس الاجتماعي لوسيان مالسون Lucien Malson في كتابه Les enfants sauvages )
– إن اشتغال?ِ العالم محكوم?َ بالضرورة بنفس القانون العام الذي ي?ْح?ِف?ز وينظ?م ويوج?ه كل? الخطابات اللغوية وغير اللغوية . وهذا القانون ي?ِظهر في اختباء أناة المخاط?ب أو ذاتية المتكلم في نص? الموضوع ? وتدخل إرادة المرس?ل وني?ت?ه في أداة ومادة ورسالة الخطاب. فكما أن? كل? خطاب هو في الحقيقة تعبير?َ عن ذاتية الفاعل المتكلم أي الكاتب والمبدع والمفس??روالصحافي والخطيب…? فكذلك العالم والقوى المتصارعة فيه فيما بينها ? كل? واحدة منها تحاول أوتريد إما? اقتراح وإما? فرض نوع السياسة أو الحكم أو النظام أوالقوانين التي تراها جديرة بالدفاع عن مصالحها ? وتحقيق مشاريعها الثقافية أو الإقتصادية أو السياسية أو العسكري?ة .
– انطلاقا من النقطة السابقة ? لا يخفى على أحد أن? علاقات? القوة بين الدول والأنظمة في العالم غير?ْ متوازنة ومتكافئة. فبمقدار ما تتوفر عليه دولة ما من كثرة وقو?ة الوسائل المادية والتكنولوجية والعلمية ? والأدوات الفكرية ? والقنوات الثقافية ? والعلاقات الديبلوماسية… ? يكون مقدار?ْ قدرتها على التدخل في الأحداث الخارجية وتوجيهها فيما من شأنه أن يساعد?ِها على إرساء الأرضيات المناسبة لخدمة مصالحها… وخير من يمثل هذا في الشرق الأدنى والأوسط خصوصا?ٍ هو دولة إسرائيل ? أم?ا عالميا فواضح للجميع أن? أمريكا تحضى بحص?ة الأسد.
– أمام هذا الواقع ? وفي عصر العولمة ? تزداد مشكلة القارىء العربي الحر? المتطلع إلى معرفة الحقيقة في التعقيد ? بفعل الاستغلال المكثف الشديد للإنترنت من طرف الدول والقوى المتنافسة فيما بينها قص?د?ِ الترويج لسياساتها الإقليمية والعالمية وصناعة ” الرأي ” المتفق معها أوالمساند لها. المشكلة تكمن بالأساس? إذن ? في كوننا نعيش عالما ف?ْت?ح?ِت? فيه أبواب?ْ الأخبارعلى مصراعي?ها إلى درجة?ُ أن أصبحنا يوميا?ٍ وباستمرارعرضة وا