إلى أي مدى أصبحت طرق الحل مسدودة في مباحثات جنيف؟!
شهارة نت – وكالات :
انطلقت يوم الثلاثاء الماضي في مدينة جنيف السويسرية، جولة جديدة من مباحثات جنيف لوضع حل للصراع الدائر في سوريا منذ ما يقارب السبع سنوات.
وتأتي هذه الجولة بعد أن فشلت كل الجهود المبذولة في الاجتماعات السابقة بسبب النهج الغير بناء الذي تعامل به الغرب وخاصة أمريكا ووفد المعارضة ووضع عراقيل للحل عبر إطلاق شائعات وتوجيه اتهامات للحكومة السورية ، ما عرقل وجود أفاق للحل وجعل نسبة نجاح المفاوضات ضئيلة، يضاف إلى ذلك مطالبة وفد المعارضة الدائم بأشياء تعتبرها الحكومة السورية خط أحمر ولا يمكن حتى مناقشتها.
وتركزت محادثات جنيف على محاور أربعة : مكافحة الإرهاب، نظام الحكم، الدستور الجديد، وتنظيم انتخابات. لكن لم يتحقق أيّ تقدّم في هذه المجالات منذ تحديد هذه المواضيع الاربعة في الجولة السابقة التي عقدت في آذار.
وتكمن أهمية هذه المباحثات أنها تأتي بعد ختام اجتماعات الجولة الرابعة من محادثات العاصمة الكازاخية “أستانة 4″، والتي خرجت بمذكرة تفاهم لإنشاء ما سُمّي “مناطق وقف التصعيد” أو”مناطق خفض التوتر” في سوريا، وقّعتها كل من إيران روسيا وتركيا، بديلاً عن الحكومة السورية والمعارضة، وبصفتها “الدول الضامنة” لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا المتفق عليه نهاية عام 2016.
وفي أعقاب التوافق الذي تم برعاية الدول الضامنة للحكومة والمعارضة، لوحظ تراجع كبير للعنف على الأرض، إلا أن ما حدث في محادثات “أستانة 4” لم يأمن أرضية للتفاهم وإيجاد سبل لنجاح محادثات “جنيف 6” على عكس الآمال التي كانت تسعى إليها كل من طهران وموسكو، ومن يراقب ما حدث على الأرض السورية خلال الفترة التي سبقت مباحثات جنيف يعلم أن واشنطن تضع عراقيل في وجه نجاح المفاوضات من خلال ما تفعله في السياسة والميدان.
وللتوضيح أكثر قامت واشنطن باختلاق قضية سجن صيدنايا قبل جنيف متدعية وجود محرقة سرية للسجناء في بلدة صيدنايا السورية، وهذا ما نفته وزارة الخارجية السورية جملة وتفصيلا، وقال مصدر مسؤول في الوزارة ” أن هذه الادعاءات عارية عن الصحة جملة وتفصيلا وهي من نسج خيال الإدارة وعملائها، لا تستغرب سوريا مثل هذه التصريحات التي اعتادت الولايات المتحدة على إطلاقها قبيل أي جولة سياسية سواء في جنيف أو أستانا حيث باتت مكشوفة الأهداف والنوايا بشكلها ومضمونها وتوقيتها”.
أما الغريب في تصريحات البيت الأبيض أنه لا يعير أي أهمية للجرائم التي ترتكبها الجماعات الإرهابية المسلحة بحق المدنيين والمعالم الأثرية والثقافية، والأغرب من ذلك أن واشنطن لاتزال وعلى مدى فترة الأعوام الستة الأخيرة، تقدم الدعم الدبلوماسي، التنظيمي وأحيانا العسكري للتشكيلات الإرهابية، التي تحارب الجيش السوري، بهدف نزع الشرعية عن الرئيس السوري وبشار الأسد والقول أن حلفاء سوريا ينتهكون حقوق الإنسان.
طبعا هذا الإسلوب ليس بالجديد على أمريكا فقد اتبعته في العراق وليبيا وغيرها من الدول ، حيث اعتادت واشنطن أن تنتهج أسلوب التضخيم الإعلامي لتتبعه بأعمال استفزازية ومن ثم اعتداء حقيقي على الأرض كما تفعل حاليا في الشمال الشرقي لسوريا متدعية محاربة تنظيم “داعش” بالإضافة إلى القيام بأعمال استفزازية في الجنوب بالقرب من الحدود الأردنية لتوسيع دائرة سيطرتها هناك ومنع إمداد أي خط بري أو عسكري يربط بغداد بدمشق.
وبالعودة إلى آخر مستجدات محادثات جنيف، فقد سحب المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، وثيقته التي تتعلق بتشكيل آلية التشاور حول الدستور التي وزعها على وفدي النظام والمعارضة السورية، وكانت تنص الوثيقة على “آلية تشاورية تستند إلى بيان جنيف، وقرارات الأمم المتحدة” يشارك فيها جميع الأطراف وتعمل على صياغة “رؤى قانونية محددة، تضمن عدم وجود فراغ دستوري أو قانوني في أي وقت خلال عملية الانتقال السياسي الذي يتم التفاوض عليه”، واقترح دي ميستورا لتحقيق بنود هذه الوثيقة تشكيل فريق من الناشطين في المجتمع المدني والتكنوقراط لتمهيد الطريق أمام إعداد دستور جديد.
وشهدت هذه الجولة من المفاوضات جوا من التوتر خيم على القاعات المغلقة التي منع الصحفيون من دخولها، وجاءت هذه المحادثات في ظل غياب الولايات المتحدة المعرقل الأكبر لحل الأزمة السورية، وهذا ما أشار إليه عضو مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف في معرض رده أمس على توجيه اتهامات جديدة للرئيس الأسد قائلاً إن هذه التصريحات في هذا الوقت هدفها إعاقة محادثات جنيف ومحاولات أمريكية لتخريب اللقاء وجعله فاشلاً.
في النهاية يمكن القول أن جميع المؤشرات تشير إلى أن جولة المفاوضات التي تجري الآن في جنيف أصبحت أمام طريق مسدود بسبب تعنت بعض الأطراف لاسيما وفد المعارضة وداعميه ووضعهم عراقيل أمام أي مشروع حل يتم طرحه داخل قاعة المباحثات، وكان لافتا هذه المرة أن جميع الأطراف المشاركة وجهت الانتقادات إلى السيد ديمستورا، وانتقدت الآلية التي يتعامل بها من خلال تقديم سلة على أخرى ومحاولاته الانحياز وعدم تقديم مبادرات ذات قيمة أو من شأنها تغيير الوضع نحو الأفضل، وظهر هذا الانتقاد حتى في التصريحات الروسية بشكل غير مباشر.