الأغلبية صامتة ولكن !!!!
ظلت الأغلبية في اليمن على صمتها رغم تصاعد الأحداث , حرصا على تجنيب البلاد المزيد من أسباب التمزق في ظل تركيبة اجتماعية محكومة بالتحالفات والمعاهدات القبلية الملزمة التي قد تتجاوز كل القناعات والعلاقات, وقد نخطي إن اعتقدنا أن الشباب المرابط في ساحات التغيير سيكون بمنآي عن تأثيراتها في ظل أي استنفار غير محسوب .
ففي اليمن يصعب الفصل بين النظامين الاجتماعي والسياسي بما فيهما من أعراف وأحكام أو التفريق بين أدواتها وأجهزتها من قبيلة وجيش وأمن ومساجد ومدارس وخلافه , كما يصعب الفصل بين مصالح وعلاقات المتظاهرين في الساحة الذين وان كرهوا بقاء النظام فأنهم يكرهون أيضا خروجه مكسور الجناح لما في ذلك من خروج على الدستور والنظام والتحالفات والأعراف , ومن هنا تأتي صعوبة الخروج بمواقف الإدانة لأي طرف لأنها قد تزيد الأمور تعقيدا, ولا يمكن لأي عاقل الإفتاء برحيل النظام ما لم يكن عن طريق الحوار وفي أطار مؤسسي مرجعيته الواقع الاجتماعي والسياسي معا في اليمن
ولعل البعض يتساءل الآن وقد زاد الوضع عن حده وإذا لماذا الصمت: هل لان ما يحدث هو تحرك مدعوم من قبل قوى خارجية تتنازع الريادة في المنطقة ? ام لان ما يحدث في الساحة مجرد استعراض للقوة بين “المشتركين” التي تغلغلت بين شباب التغيير?, ام لان التغيير حراك شبابي له مطالبه المشروعة التي انطلقت دون تخطيط مسبق او رابط بينها وبين مطالب المشترك إلا إسقاط النظام ?, ام.?? وهل يمكن قراءة المشهد القائم في اليمن بدون معرفة خلفياته المتشابكة خارج إطار محيطه الخليجي على الأقل? !!!.
لكن يبدو المحيط الخليجي الذي تخلى عن اليمن اقتصاديا طوال عقدين يتخلى عنه الآن سياسيا بقصد تجنب وصول القلاقل اليه, خصوصا فيما يتعلق منه بالإرهاب وربما الخوف من عدوى المطالبة بتغييرات في نظمه التي عرفت الاستقرار حتى الان , ومع ذلك فان الوضع اليمني قد فرض نفسه بقوة على دول الخليج التي وان أيدت بعضها رحيل النظام فان الغالبية منها ترى ضرورة ان يكون ذلك مصحوبا بعملية سياسية ما , لتجنيب اليمن مخاطر التمزق والفوضى التي ستلحق به وبجيرانه الضرر.
من هنا, اعتبرت المبادرة الخليجية اقرب البدائل لرؤية مستقبل ما بعد الأزمة , التي قد توفر الحد الأدنى من الضمانات لحل مشكلة تداول السلطة للجميع في وضع أصبح لا يقبل الآن حلا إلا التغيير السلمي , وبانتظار ذلك تصل المواقف اليمنية المتباينة حد الاشتعال مع تأنى بعض دول الخليج في اتخاذ موقف مناسب وواضح منها قبل معرفة ردود أفعال الدول الكبرى وبحيث لا تتجاوز واقع اليمن الذي أسس مبكرا لما صار يعرف “الديمقراطية الناشئة “في المنطقة .
وأخيرا وبعد ان دفعت الدول الكبرى بدول الخليج لتقديم مبادرة لأحداث التوافق الممكن بين الأطراف, فان الشارع اليمني قد استقبلها بعضه بتفاؤل حذر وأخر رآها متأخرة ولا تمثل الا وجهة نظر طرف خليجي متهم يمنيا بان تدخله بين أطراف النزاع كان سببا في تعقيد أزماته, اما المشترك فيبدو زاهدا بالمبادرات الخليجية وراغبا بالتدخل الدولي وربما العسكري منه أيضا الذي “ينتزع” الرئيس من قصر الرئاسة الذي لا بديل له إلا الرحيل دون اعتبار لأصوات المعارضين لهذا الأسلوب من المعتصمين الشباب ومن المنادين بالشرعية التي تمثل شارع عريض له أنصاره .
ومع ان المبادرة الخليجية تعتبر طوق نجاة لجميع الأطراف السياسية ولشارع عريض يحدوه الأمل في إن تكون الأخيرة التي تحفظ الأمن والسلم الاجتماعي والتي قد تمكن من التبادل السلمي للسلطة بما يمنع التصعيد والانجراف نحو العنف , فأن من الواضح ان هناك أطراف أخرى لا تريد للأزمة أن تحل ولا تريد للمبادرات أن تنجح لأنها تعيش على أزمات اليمن وقد سنح لها الفرصة بمصادرة آراء الشباب والمفاوضة نيابة عنهم لخلق أزمة مستقبلية جديدة لأنها تؤمن بأنها المصدر الوحيد للتغيير والقادر على تحريك الشارع سلما أو عنفا .
من هنا يتضح للمتابعين للوضع في اليمن, ان الأزمة هنا هي نتاج سنوات من التآزيم المصطنع الذي لم يكن لمصلحة البلاد وإنما لمصالح أشخاص معروفين بولائهم للخارج وبفسادهم, والذين فشلت معهم سياسة الاحتواء من اجل استقرار النظام “ديمقراطيا”, بل ان سياسة الاسترضاء معهم أدت إلى تعميم الفساد في أوساط المؤسسات المدنية والعسكرية بطريقة ممنهجة , ومن ثم الى اتجاه من أتخمتهم المكاسب للبحث عن السلطة ولو على جماجم الشهداء
ومع مسلسل الانقلابات الموجع امنيا وعسكريا وامتداده إلى الإعلام المحلي وظهوره بصورة مزرية أمام مؤسسات إعلامية متمرسة في الإعداد للانقلابات قي المنطقة, تفردت قنوات بدعم وتحريض الشارع اليمني وتهيئته للتغيير “المنتظر” الذي تلقفه الشباب بعفوية ورغبة شديدة بتغيير النظام كونه “العقبة” التي تقف في طريق طموحاهم دون تصور مسبق لبدائل “الإسقاط”, وهو ما حصل منذ نجاح حركة الشباب العربي التي دقت ساعة التغيير فأيقظ رنينها للأسف عجائز السياسة للتقافز لاحتواء واستلاب حركات التغيير منهم ,