إنهم ثو?ار حقيقيون
كثرت في الآونة الأخيرة الأصوات والأقلام التي تتهم ثو?ار ليبيا بالخيانة والعمالة للغربيين? وغيرها من الاتهامات? خاصة بعد طلب قيادتهم دول العالم للتدخ?ل من أجل حماية المدنيين من إجرام نظام القذافي. وبيد أن بعض الاد?عاءات تفتقر لمنطق سليم في تحليل الأحداث? فإن? كثير?ٍا منها تفتقر للحقائق على الأرض الليبية? إلى جانب الدروس التاريخية.
ذلك أنه منذ اندلاع الثورة الليبية بشكل سلمي وحضاري كما في باقي الدول العربية الثائرة? قوبلت برد? غير مسبوق بعنفه من قبل نظام القذ?افي. الترجمة على أرض الواقع كانت 6 آلاف قتيل خلال أو?ل 19 يوم?ٍا – وفق?ٍا للرابطة الليبية لحقوق الإنسان – وآلاف الجرحى والمفقودين (ألفا قتيل خلال 16 يوم?ٍا وفق?ٍا لمنظمة الصحة العالمية? ذات المنظمة التي قد?رت عدد قتلى حرب العراق بين عامي 2003-2006 بـ150 ألف قتيل? بينما أشارت إحصائيات موثوقة أخرى إلى أن عدد القتلى بلغ 600 ألف وأكثر خلال الفترة ذاتها) مع الذكر أن عدد سكان ليبيا 6.5 مليون نسمة.
للمقارنة? لو أن? ذات نسبة قتلى ليبيا (عدد القتلى مقابل عدد السكان) كانت في مصر? لكان عدد القتلى المصريين 80 ألف?ٍا? ولو قتل نظام مبارك 80 ألف مصري – أو أقل من ذلك بكثير – لما استمر?ت الثورة المصرية بالطريقة السلمية التي كانت عليها? ولتحو?لت الثورة – بتقديري – إلى بركان يشمل العنف المسل?ح. فقم?ة الحكمة والإنسانية حينئذ حماية الأرواح ووضع حد? للقتل والإجرام العشوائي? بكل الوسائل المتاحة والمشروعة. هذا لمن استغرب من الانزلاق السريع إلى معركة مسل?حة في ليبيا.
أم?ا ذهاب المجلس الوطني الانتقالي الليبي إلى الأمم المتحدة لطلب المساعدة? فطبيعي? إذ أن الأمم المتحدة العنوان الرئيسي والأول لحل النزاعات الدولية? بالرغم من هيمنة القوى العظمى ومن خلفها على قراراتها? وبالرغم من صدور قرارات غير منصفة ولا عادلة من خلالها? وبالرغم من اعتراف زبيغنيو برجينسكي أن الأمم المتحدة بمثابة الذراع الطويلة لأمريكا.
ومنظمة الأمم المتحدة? بالرغم من احتكامها إلى شرعي?ة القو?ة التي تحد?ثت عنها في مقال سابق? فإنها كذلك “منظمة المصالح المتحدة”? وهنا يأتي سر? التجاوب الغربي – النسبي – مع مطالب ثو?ار ليبيا.
ففي ليبيا نفط ممي?ز وسهل للإنتاج? تشك?ل ليبيا تاسع أكبر مصد?ر للنفط في العالم? وكلفة إنتاج برميل النفط لا تزيد عن دولار واحد فقط في بعض الحقول الليبية? كما تشك?ل ليبيا رابع أكبر مخزن للغاز في إفريقيا. وفي ليبيا مصالح شرقية وغربية تمتد? من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية? الصين تستثمر 18 مليار دولار في مشاريع بنى تحتية وهندسة وطاقة في ليبيا? الأمر مشابه مع روسيا وإن بنسب أقل? وقد كانت ليبيا سوق?ٍا قوي?ٍا للأسلحة الروسية. وكل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا مع دول غربية أخرى يريدون جزء?ٍا من الكعكة الليبية. كما إن إسرائيل قلقة للغاية على نفوذها المهترئ في أفريقيا عام?ة? بعد أن أسقط الشعب المصري وكيلها في القاهرة? وفي ليبيا خاص?ة? بعد أن فتحت قنوات اتصال سري?ة مع نظام القذافي.
من الواضح إذ?ٍا أن علاقة قيادة الثو?ار بالغرب ليست علاقة “حبايب”? إنما علاقة مصالح? وقد ظهرت أكثر من مر?ة خلافات حاد?ة بين الثو?ار والناتو. فالثو?ار الليبيون يسعون إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة الدولية? نظر?ٍا لقل?ة العد?ة والعتاد والخبرة? والغرب يسعى وراء مصالحه.
مثال قريب لما يحدث في ليبيا كانت أفغانستان إب?ان الغزو السوفييتي? حينها كان للمجاهدين الأفغان والعرب مصلحة مشتركة مع أمريكا ودول أخرى? وهي طرد السوفييت? بالرغم من اختلاف النوايا والمقاصد. عندها دعمت أمريكا المجاهدين والمقاومين? وكان الأمريكان يمدحونهم ويشي?دون بـ”إيمانهم العميق بالله”.
وإن كان من الظلم تخوين المجاهدين الأفغان والعرب? فإنه من الظلم تخوين ثو?ار ليبيا? فالمقاومة الأفغانية اليوم تسقط الطائرات الأمريكية بذات السلاح الأمريكي الذي أسقطت فيه طائرات السوفييت? وإن سو?لت للغربيين أنفسهم أن يقوموا بما لا يرضى به الليبيون? ستوج?ه بنادق الثو?ار إلى قو?ات التحالف الغربية? وهذا ما قد يفس?ر التباطؤ الغربي في تزويدهم بالسلاح.