مرة ثانية: سوقطرة .. تتعرض للتغريب..!!
بقلم / د. عبد الوهاب الروحاني*
عندما كتبت الأسبوع الماضي تحت عنوان “سوقطرة .. تتعرض للتغريب” وأشرت إلى بعض صور انتهاك السيادة الوطنية للجزيرة, ومحاولات مسخ هويتها, لم أكتب بدافع التشنيع بهذا الطرف أو ذاك . . ولم اكتب جريا على مناكفاتهم السياسية والحزبية أو المناطقية والمذهبية إلتي غرقوا واغرقوا البلاد فيها .. ذلك ببساطة لأني لست منهم ولا علاقة لي بمطابخهم .. انا انطلق واتعامل فقط مع مطبخ الوطن الذي اثخنوا فيه الجراح وبالغوا في التفريط بكرامته وبكل شيء جميل ورائع فيه.
زملاء واصدقاء من أطياف واتجاهات مختلفة تفاعلوا مع القضية ولكن كل بطريقته وبحسب توجهه ..
البعض تفاعل, والبعض الآخر تواصل معاتبا .. ومتسائلا عن خليفة الموقف من نوع :
– لماذا تعارض أن تستفيد الجزيرة من الاستثمارات الاماراتية ..؟!
– لماذا تهاجم الإمارات وهي عوننا في الدفاع عن الشرعية ؟!
– هل توجد وثائق تؤكد حقيقة ما ذهبت إليه ؟!
– أي سيادة تتحدث عنها .. نحن في عصر لا سيادة وطنية فيه لأي بلد إلا بقدر قوته الاقتصادية .. وقوة حكومته وأجهزته ؟؟
اسئلة ووجهات نظر أخرى تسلمتها على بريدي الخاص .. رغم ما في بعضها من تجريح لكنها تمثل اراء وقناعات أصحابها .. وهي عندي محل احترام .
والمهم, القضية برأينا, ليست قضية حزب أو جماعة .. “شرعية” أو “انقلاب”, بل هي أكبر بكثير , هي قضية وطنية وسيادية بامتياز .
ودعوني هنا ابدأ من الآخر واقول, بأن هذا العصر هو عصر الحريات والحقوق, عصر سيادة الافراد, والجماعات, والشعوب والاوطان ولكن – بالتأكيد- لمن ينشد الحرية والسيادة.
ثم أن السيادة الوطنية لأي بلد لا تنتفي مطلقا لضعف اقتصاده وفقره أوغنائغه أو تفلت وفساد حكوماته .. بل السيادة هي تمثل مجموع قيم الأرض والإنتماء, ومجمل الحقوق والحريات العامة والخاصة, وهي جميعها بالضرورة مرتبطة بالإنسان .. أعني المواطن العادي والبسيط, الذي يرى في التعدي على إحدى هذه القيم تعديا على عرضه وكرامته الشخصية.
ومن هنا, فالسيادة الوطنية لا ترتبط بالقيادات والأفراد إلا بقدر تضحياتهم من أجل حمايتها والحفاظ عليها, وتعزيز قيمها.
ولعل من أهم الوثائق التي تثبت تعدي الاشقاء الإماراتيين على سيادة جزيرة سوقطري هي نبض الوطن وروح الانتماء, التي قرأتها في حروف وكلمات من تواصل معي من أبناء الجزيرة نفسها, ثم الإحساس والشعور بالانكسار والخيبة مما يجري من عبث واستهتار على أرض الارخبيل.
0 عسكر الإمارات يفرضون سيطرة تامة على الارخبيل اليمني (سوقطره, درسه, سمحة,وعبد الكوري) وبالتوازي يهيئون مع دولة اخرى لبناء قاعدة عسكرية فيه.
0 يتحكمون بقرار الجزيرة ويسيطرون على حركة الملاحة فيها, مع ان سوقطري على حد علم ومعرفة الجميع بعيدة جدا عن مناطق الحرب التي يقودها تحالف السعودية في اليمن .. ففي سوقطرة لا وجود لأي قوات يحاربوتها.. كان هناك معسكر حماية وطني تحت إشراف “الشرعية” ,أصبح معزولا تماما, وممنوعا حتى من الاقتراب من كل مواقع الجزيرة ..!!
0 الاماراتيون يفرضون سيطرة تامة على مطار سوقطرة .. ربطوا حركته بحركة الملاحه الجوية في أبوظبي .. ويمنعون الطائرات التي لا تحصل على ترخيص اماراتي من الهبوط في الجزيرة .. تماما كما منعوا طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن في 12 فبراير 2017, مع أنه الرئيس الشرعي الذي يقاتلون – كما يزعمون- في إطار التحالف لاعادة شرعيته .. !!
0 ربط الاماراتيون القرار الرسمي والاداري للجزيرة بأبو ظبي, ويرفضون ثم يلغون كل القرارات والتعيينات التي لا تتماشى مع توجهاتهم .
0 يعبثون بالاحياء النباتية والحيوانية النادرة في الجزيرة, ويخططون باسم الاستثمار لهدم مواقع ثقافية واثرية تاريخية, سبق ان توصلت بحوث علمية إلى نتائح اكولوجيه هامة فيها .. واسألوا البعثة الاثرية الروسية التي تبحث وتنقب في الجزيرة منذ أكثر من 20 عاما تقريبا.
0 سفن صيدهم التجارية تجرف الشعب المرجانية للجزيرة بصورة عبثية مخيفة.
الغريب أنه بعد كل هذا العبث يأتي البعض ليسأل عن وثائق .. ونحن بدورنا نتساءل أيضا ونفول:
– إلا يكفي تصريح المحافظ السقطري أن يكون وثيقة انتهاك للسيادة اليمنية, باعلانه مطلع أبريل الجاري 2017 ببدء تسيير ثلاث رحلات جوية اسبوعية مباشرة من سقطرة إلى أبوظبي, وربط الجزيرة بشبكة اتصالات اماراتية .. ؟!!
– لماذا يسيرون رحلات جوية مباشرة بين سوقطري وأبو ظبي دون أخذ أذن أو تصريح رسمي من الطيران المدني اليمني كجهة معنية ومسؤلة قانونيا ودستوريا أو من أي مؤسسه في الدولة في عدن أو في صنعاء أو في حتى في المريخ ..؟!!!
– ثم من منح شركة الاتصالات الاماراتية الترخيص بتغيير واستبدال الرمز الوطني
برمز اماراتي .. وماذا يعني ذلك ؟!
استخدام شرائح شبكة اتصالات اماراتيه برمز أو (كود) غير وطني بداخل سوقطرة يعني ببساطة اخراج الجزيرة عن السيطرة الوطنية وسلخها عن الجسد اليمني .. وهو بالتالي تعديا صريحا على السيادة الوطنية وفقا للأعراف والقوانين الدوليه السائدة ووفقا لقانون الاتحاد الدولي للاتصالا.
– هل تعرفون بأن (كود) شبكة الاتصالات الوطنية هو الذي يميز حدود الدول ببعضها في عصرنا الراهن ..؟!
أن أردتم مثلا لدلالة الرمز الوطني على السيادة الوطنية , فها هو الاتحاد الأوروبي حيث لا فيز, ولا شرطة, ولا حدود, ولا خطوط بينة وواضحة على الأرض تفصل بين دوله, يعتبر (كود) شبكات الاتصالات الوطنية هو المؤشر الوحيد الذي يبين حدود الدول ببعضها, وهو الذي يعرفك تلقائيا عبر هاتف المحمول بخروجك من بلد ودخولك في آخر .
لن أسرد بقية الانتهاكات للسيادية الوطنية التي تتعرض لها سوقطرة .. وساكتفي هنا بالتساؤل عن ماذا تعني هذه الانتهاكات بالنسبة للاشقاء ولمن يبحث من اليمنيين عن وثائق ؟!!
– اليس الاماراتيون يتواجدون في الجزيرة باسم حماية الشرعية ويقاتلون باسمها !! فلماذا اذا لا يحترمون القوانين التي تمثل جوهر الشرعية ..؟!!
انا هنا لا اهاجم الأمارأت, وليس لي مصلحة في ذلك, فقط انا اناقش قضية وطنية, وانطلق من ذات المشاعر ..
سوقطرة تتعرض لمحاولة مسخ حقيقية في هويتها .. وما أخشاه هو أن الامارات التي لا تسمح لليمنيين بدخول أراضيها, لن تسمح لهم ايضا بدخول سوقطرة .. جزيرتهم .. أرضهم .. وعرضهم !! ..
وصدقوني سيفعلها الاماراتيون – ان استقام لهم الامر – فإذا كانت البجاحة قد بلغت بهم حد منع طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن وهم يتواجدون فيه بمبرر الدفاع عن شرعيته .. فكيف سيتعاملون مع المواطن اليمني البسيط وقد حولوا جزيرة سوقطرة -وفق معاييرهم- إلى منتجع ترفيهي لشيوخهم وكبار رؤوس اموالهم ..؟!
فقط تخيلوا معي كيف ستكون الصوره !! ..
ربما سيسمحوا لخدمهم, لكن لا أتخيل أن الأمر في اليمن يمكن ان يستقم لهم أو لغيرهم ..!!
المهم هنا أن باب الاستثمارات في اليمن كان مفتوحا عبر كل المراحل, ولم نسمع أن أحدا من القيادات اليمنية سواء قبل الوحدة او بعدها قد اعترض على الاستثمارات الخليجية.
فاليمنيون, كل اليمنيين (يسار, ويمين , ووسط, واسلاميين, واشتراكيين وقوميين, ومؤتمريين واصلاحيين …الخ) كلهم مع وجود استثمارات اماراتية – سعودية خليجية في اليمن, وقد بحت أصواتهم منادات ودعوات للاستثمار في سوقطرة وغير سوقطرة .. ولكن وجهات الاشقاء وتوجهاتهم كانت ولا تزال تتعارض مع وجود دولة او حتى وجود نظام في اليمن .
صدقوني كل مؤشرات ودلائل ما تفعله الإمارات في سوقطرة بالذات لا علاقة له بأي عمل انساني او خيري .. وإنما هو يستهدف ابتلاع الجزيرة والسيطرة عليها وربطها بحلقة السيطرة على جزر أخرى في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والعين أيضا لا تزال على كمران وحنيش.
وخلاصة القول وبعيدا عن صراعات الاخوة الاعداء نقول لاشقائنا في الإمارات, ان اليمنيين في سوقطرة وفي كل انحاء اليمن ليسوا بحاجة للصدقات والمعونات .. هم بحاجة للعمل, لأنهم أدوات بناء وإنتاج وليسوا معاول هدم, ولو كنتم تركتموهم وشأنهم .. لكانوا قد بنوا اليمن وأنشأوا دولة مكتفية بذاتها وبما تملكه من انسان وثروة .
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية