في البيت الأبيض: صفحة جديدة من العلاقات.. بأي ثمن؟!
شهارة نت – تقرير :
جاءت زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض ولقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتطرح احتمالات كبيرة بعودة العلاقات الثنائية بين المملكة السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى سابق عهدها.
وذلك بعد أن شهدت فتورا وصل إلى حد التوتر في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لا سيما في نهاية ولايته الثانية.
كما أن زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن المتزعمة للعالم الغربي تتزامن مع زيارة والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى العديد من الدول في الشرق ممن لديهم التأثير الفاعل في العديد من الشؤون العالمية، ما يوحي أن دورا سعوديا كبيرا ينتشر في العالم ويمتد من الشرق إلى الغرب، بالإضافة إلى وجودها الفاعل في المنطقة حيث سيتوجه الملك سلمان بختام زيارته إلى المملكة الأردنية للمشاركة في القمة العربية في عمان.
البصم السعودي والابتزاز الأمريكي..
ولقاء محمد بن سلمان وترامب ناقش الاهتمامات المشتركة في مختلف المجالات لا سيما الشؤون السياسية والاقتصادية، والبيت الأبيض أعلن أن ترامب أبدى خلال الاجتماع دعمه لتطوير برنامج أمريكي – سعودي جديد يركز على الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وينطوي على استثمارات قد تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة، كما اتفق ترامب ومحمد بن سلمان على “مواصلة المشاورات في مجال الطاقة لدعم نمو الاقتصاد العالمي والحد من تعطل الإمدادات والتقلبات”.
لكن كيف يمكن تقييم هذه العلاقة السعودية الأمريكية في ظل كل ما أشيع عن ترامب أنه سيكون شديدا في تعاطيه مع المملكة وغيرها من الدول التي لا تدفع بدل الحماية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكلام ترامب كان واضحا خلال حملته الانتخابية بأن كل دولة لن تدفع هذه “الضريبة” لن تحصل على حماية واشنطن، فهل تكون زيارة ولي ولي العهد السعودي جزء من مسلسل دفع هذه الجزية؟ وهل ما نتج عن هذه الزيارة من “بصم” سياسي لما تقوم به الإدارة الأمريكية هو جزء من هذه الضريبة؟ وهل يمكن اعتبار ما اتفق عليه في المجالات الاقتصادية وبالأخص فتح أبواب الاستثمار بالأموال والإمكانات السعودية هو قسط من أقساط الجزية؟ وهل يمكن اعتبار كل كلام ترامب السابق هو تمهيد لمزيد من الابتزاز الأمريكي للطاقات السعودية؟
ولماذا تفتح الخيرات السعودية أمام مزيد من الشركات الأمريكية خاصة في مجال النفط؟ ولماذا الاستثمارات السعودية بمبالغ خيالية ستذهب إلى الأسواق الأمريكية؟ هل فرص العمل والمخططات التي وعد بها ترامب ستنفذ بالمال السعودي أم أن للمملكة فوائد من كل ذلك والأمر لا يقتصر فقط على تحقيق مصالح ترامب الرئاسية والمصالح الأمريكية الخاصة؟ ولماذا كُلف ولي ولي العهد بالتواصل مع الإدارة الأمريكية وبالأخص الرئيس ترامب دون غيره من المسؤولين السعوديين أو القيادات؟ ولماذا لم يكلف بذلك وزير الخارجية مثلا ولماذا لم يقم بذلك ولي العهد السعودي مباشرة كممثل عن الملك سلمان؟
نقطة تحول تاريخية.. والنتائج؟!
وفي السياق، نقل عن أحد كبار مستشاري ولي لي العهد السعودي قوله إن “اللقاء كان ناجحا للغاية ويعتبر نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين التي مرت بفترة من تباعد وجهات النظر في العديد من الملفات إلا أن اللقاء أعاد الأمور لمسارها الصحيح.”
ووصف مستشار ولي ولي العهد السعودي الاجتماع أنه “يشكل نقلة كبيرة للعلاقات بين البلدين في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وذلك بفضل الفهم الكبير للرئيس ترامب لأهمية العلاقات بين البلدين واستيعابه ورؤيته الواضحة لمشاكل المنطقة.”
فماذا ستكون نتائج كل هذا الأمر على مختلف الأصعدة سواء الدولية أو الإقليمية أو المحلية؟ وهل سيكون لها تداعيات معينة بخصوص ملفات المنطقة الساخنة من اليمن إلى سوريا وبخصوص التموضع السعودي بوجه إيران؟ وكيف تقبل المملكة بل كيف تصادق دون أي اعتراض على قرار ترامب بمنع مواطنين ست بلدان إسلامية بحجة الخطر الإرهابي؟ أليس ذلك موافقة على الرأي الأمريكي والغربي أن مواطني هذه الدول هم من الإرهابيين أو بالحد الأدنى يحملون الشبهات الإرهابية؟ هل يستوي هذا الأداء السعودي مع القول أن المملكة هي دولة قائدة في العالمين العربي والإسلامي؟ وإن كانت البداية السعودية في فتح صفحة جديدة من العلاقة مع واشنطن فكيف سيكون المستقبل على المنطقة ككل؟
تقديم أوراق الاعتماد..
فولي ولي العهد السعودي اعتبر القرار الأمريكي بحق مواطني هذه الدول العربية والإسلامية هو “قرار سيادي لمنع دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة”، وأشار إلى أن “المعلومات السعودية تفيد بالفعل بأن هناك مخططا ضد الولايات المتحدة تم الإعداد له في تلك الدول بشكل سري من هذه الجماعات مستغلين بذلك ما يظنونه ضعفا أمنيا فيها للقيام بعمليات ضد الولايات المتحدة”، وأبدى “تأييده وتفهمه لهذا الإجراء الاحترازي الهام والعاجل لحماية الولايات المتحدة من العمليات الإرهابية المتوقعة”.
وبالتحليل السياسي يمكن استنتاج بعض الملاحظات من وراء هذه الزيارة، منها:
-إن العلاقة الجديدة ونقطة التحول فيها، هو أن السوق السعودي في مختلف المجالات ولا سيما في مجال النفط سيكون مفتوحا على مصرعيه للأمريكيين حتى تفعل ما تريد وتحقق الأرباح التي تشاء.
-إن حصة الأسد من الاستثمارات السعودية في الخارج خاصة ما تمثله رؤية 2030 سيكون باتجاه الأسواق والقطاعات في الولايات المتحدة الأمريكية.
-تقديم أوراق اعتماد سعودية للولايات المتحدة أنها موافقة على كل ما تقرره في الشؤون الدولية والإقليمية باتجاه أي جهة أو دولة تحت حجج محاربة الإرهاب والتطرف.
-هناك بعض الشخصيات السعودية تقدم أوراق اعتمادها للإدارة الأمريكية بأنها جاهزة لإدارة الحكم في الداخل بما يتناسب مع الرغبات الأمريكية، فهل هذا يعني أن الدعم الأمريكي سيكون لتيارات على حساب تيارات أخرى في الحكم السعودي.
-هناك توجه نحو أمريكا والغرب أكثر فأكثر للوقوف بوجه بعض الدول الإقليمية والإسلامية، لا سيما إيران وكل من لا يتفق مع السياسات السعودية.
-شيطنة المزيد من التيارات الإسلامية والسياسية في المنطقة واعتبارها أنها مصدر الإرهاب وإبعاد التهم عن الإدارة السعودية والفكر الوهابي.
يبقى أنه من الضروري التذكير بأهمية العودة إلى الوطن والمواطنين وتقديم أوراق الاعتماد لهم لأن الشعب هو مصدر السلطة ومصدر القوة في أي تحرك أو عمل داخلي أو خارجي، وبناء العلاقات مع الدول في الشرق والغرب على أهميته في العلاقات الدولية إلا أن الأهم هو بناء علاقة سليمة ومتينة مع أبناء الوطن لأن هؤلاء هم من يهمهم مصلحة الوطن لا الدول الأجنبية التي لا تبحث إلا عن مصالحها فقط.