جهود مصرية كبيرة للم الشمل الليبي
شهارة نت – تقرير :
أكثر من 6 سنوات مرت على بداية دخول ليبيا فى نفق الصراعات الداخلية والانقسامات التى هيأت مناخا مناسبا للتنظيمات والكيانات الارهابية حتى تحولت إلى دولة حاضنة للإرهاب برعاية العديد من الأطراف الخارجية التى أججت نيران الصراع بالمنطقة العربية وأشعلت الفتنة بين أبنائها بهدف تقسيمها وتفتيتها تحت شعارات زائفة.
وأن الأمن القومى المصرى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى الليبى لعدد من الاعتبارات التاريخية والجغرافية والاجتماعية، فقد سعت مصر على مدار أكثر من عامين متتاليين إلى لم الشمل الليبى نجحت خلالهما فى إقناع جميع أطراف الصراع فى الدولة الليبية بأن الحل السياسى هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الانسداد والانقسام الشديد التى تشهدها وباتت تهدد وحدة أراضيها.
وينطلق التحرك المصرى تجاه الأزمة التى تشهدها ليبيا من ثوابت استراتيجية راسخة وهى الحفاظ على وحدة الدولة، ويحكمها فى الأزمة الليبية محددات وركائز مهمة وهى تقديم كافة أشكال الدعم لمؤسسات الدولة الليبية من أجل ضمان أمن واستقرار ليبيا والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها مع التركيز على أهمية دعم الجيش الليبى فى معركته ضد الإرهاب.
وقد عملت مصر على حل الأزمة الليبية من منطلق أن الشعب الليبى هو الوحيد صاحب القرار فى تقرير مصيره، وانطلقت مساعيها لحل الأزمة من خلال ترسيخ مبدأ مهم وهو أن يكون الحل ليبيا – ليبيا، ولذلك لم تقدم مصر أى مبادرات فى هذا الخصوص ولم ترسل لها خارطة طريق، واقتصر دورها على جمع الفرقاء على أرض واحدة وطاولة واحدة لرعاية اتفاقهم على أن يتفقوا أولا.
وخلال عشرات الاجتماعات التى عقدت بالقاهرة بين الأطراف الليبية مع اللجنة المصرية المعنية بهذا الملف لم تمارس مصر أى إملاءات على أى طرف ولم تمارس ضغوطا من أى نوع، بل كانت تتواصل مع الجميع وتعمل على تقريب وجهات النظر وتتابع عن كثب تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وذلك فى الوقت الذى لم تتوقف فيه المحاولات الخارجية والداخلية لإفشال تلك الجهود، وجر الجيش الليبى والقبائل الى التناحر والحروب الأهلية من خلال تمويل المجموعات المسلحة ومدها بالسلاح والعمل بدأب على «شرعنة» وجودها على الأرض، أو التقاتل على مصادر النفوذ والبترول، ولعل الهجوم الأخير الذى شنته ما تسمى قوات «سرايا الدفاع عن بنغازي» منذ أيام على أهم موانئ تصدير البترول فى منطقة الهلال النفطى يعتبر دليلا دامغا على أن محاولات إفشال تلك الجهود لا تتوقف.
إن الجهود المصرية الكبيرة التى تتم للتقريب بين الأطراف الليبية والتى تحظى بدعم عربى ودولى كبير، لن تؤتى ثمارها ولن يتوقف نزيف الدم فى ليبيا إلا بالتزام جميع الأطراف الليبية (الجيش الليبى ومجلس النواب الليبى والمجلس الأعلى للدولة الليبية) على ما تم الاتفاق عليه، ويجب أن يعلم الشعب الليبى أن الكرة الآن فى ملعب الأطراف الليبية التى تمثله، وأن تلك الأطراف يجب أن تتحمل مسئولياتها تجاه بلدها وشعبها وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية، واستغلال تلك الفرصة الذهبية للخروج من النفق المظلم وتجنيب الليبيين شبح التشرذم والانقسام والحروب الأهلية.
نقطة الانطلاق
يمثل «بيان القاهرة» الصادر فى الرابع عشر من ديسمبر الماضى حجر الزاوية ونقطة الانطلاق الكبيرة فى طريق حل الأزمة الليبية، حيث تم الاتفاق على تعديل اتفاق الصخيرات الذى اتفقت عليه الأطراف الليبية عام 2015، فبعد نقاش مستفيض على مدى يومين كاملين وبحضور وإدارة الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة وسامح شكرى وزير الخارجية والذى تم من خلاله استعراض جميع مراحل الأزمة ومختنقاتها وصولاً للاتفاق السياسى الذى تم برعاية الأمم المتحدة وفريقها الداعم فى ليبيا اتفق الحاضرون على أن اتفاق الصخيرات يعتبر أساسا يصلح لحل الأزمة الليبية إذا ما تم ادخال بعض التعديلات على ما تضمنه من أحكام وملاحق ليكون من شأنه إنهاء حالة الانقسام التى تعيشها البلاد منذ العام 2014 ويضع حداً للأوضاع المتدهورة على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية التى تتخبط فيها البلاد وتطحن مواطنيها وتزيد فى معاناتهم.
واتفقت الأطراف الليبية على عدد من الثوابت التى لا يجوز المساس بها مستقبلا خلال النقاشات والاتفاقات التى تلت تعديل الاتفاق وهى وحدة التراب الليبى وحرمة الدم وأن ليبيا دولة واحدة لاتقبل التقسيم، وكذلك وحدة الجيش الليبى الى جانب شرطة وطنية لحماية الوطن والاضطلاع الحصرى بمسئولية الحفاظ على الأمن وسيادة الدولة، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية واحترام سيادة القانون وضمان الفصل بين السلطات وضمان تحقيق العدالة، وترسيخ مبدأ التوافق وقبول الآخر ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء، ورفض وإدانة التدخل الأجنبى وأن يكون الحل بتوافق ليبى – ليبي.
كما تكمن أهمية هذا الاجتماع فى أنه وضع الإطار العام ورسم خطوات جادة ومحددة بعد نقاشات مستفيضة حول أسباب الأزمة وبعد التطرق لمختلف الشواغل التى تعرقل تطور العملية السياسية وكذلك مختلف الحلول والبدائل المناسبة التى يمكن طرحها على الأطراف الليبية المختلفة دون إقصاء لأى طرف، حيث توصلوا إلى صياغة عدد من المقترحات كخطوة حقيقية تمثل الخطوط العريضة التى تحدد الإطار العام للخروج من حالة الانسداد السياسي، وأهم تلك المقترحات تمثلت فى تعديل لجنة الحوار بشكل يراعى التوازن الوطني، وتعديل الفقرة الأولى من البند الثانى من المادة الثامنة من الإتفاق السياسى من حيث إعادة النظر فى تولى مهام القائد الأعلى للجيش، ومعالجة المادة الثامنة من الأحكام الإضافية من الاتفاق السياسى بما يحفظ استمرار المؤسسة العسكرية وإستقلاليتها وإبعادها عن التجاذبات السياسية، وإعادة النظر فى تركيب مجلس الدولة ليضم أعضاء المؤتمر الوطنى العام المنتخبين فى 7/7/2012، وأيضا إعادة هيكلة المجلس الرئاسى وآليه إتخاذ القرار لتدارك ما ترتب على التوسعة من إشكاليات وتعطيل.
توافق قوى المجتمع
أعقب إصدار «بيان القاهرة» اجتماعا مهما فى السابع والعشرين من ديسمبر الماضى لمجموعة من الإعلاميين والحقوقيين والنشطاء والمثقفين وقادة الرأى بالقاهرة بحضور الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة وسفير مصر بليبيا محمد أبو بكر، وعبر الوفد الليبى عن رؤيته لما يدور على الأراضي الليبية من صراعات مدمرة تستدعى تكاتف الجهود الوطنية المخلصة لايقافها فوراً ونشر ثقافة الحوار وصولاً إلى توافق وطنى يعيد بناء هيكلة الدولة الليبية بإدارة مصالح المواطنين والدفاع عن استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه وتوافقوا على تبنى ما تم التوصل إليه فى بيان القاهرة، ووضع مشروع خطاب إعلامى يدعو إلى تكوين حاضنة شعبية داعمة وضاغطة تلزم المؤسسات الشرعية بالأخذ به وتطبيقه، وتطوير وسائل الاتصال بالرأى العام العالمى لتكون قوى ضاغطة على القرار فى المجتمع الدولى حتى يلتزم بالمخرجات الواردة فى لقاء القاهرة، والدعوة إلى التوافق والمصالحة الوطنية ووضع قانون وطنى للعدالة التصالحية.
كما أعلنوا اتفاقهم على دعم وسائل الإعلام الوطنية المهنية الجادة وإدانة وسائل وأجهزة الإعلام التى تتبنى خطاب الكراهية أوالتحريض على العنف والإرهاب والتأكيد على رفض هذه التوجهات والعمل على إيقافها وحرمانها من البث بالطرق القانونية، وتأكيد الانحياز لثقافة الحوار والالتزام الأخلاقى وحق الاختلاف فى إطار السعى للتوافق ورفض لغة التخوين، وتعزيز الثقة فى إختيارات الشعب الليبى والتأكيد على الشرعية التى يرتضيها الليبيين، وسبر أغوار الرأى العام الوطنى لتحديد النقاط الواردة ببيان لقاء القاهرة الأول ووضع آليات تطبيقه ومسميات تعبر عن إرادة الليبيين وإختياراتهم، وتكثيف الجهود الإعلامية للتوفيق بين المختلفين بشكل ثنائى أو جماعى ودفعهم للجلوس على مائدة الحوار.
كما اقترحوا تأسيس لجنة تنسيقية برئاسة محمود البوسيفى للإعلام والثقافة من أجل التواصل المفتوح مع اللجنة المصرية لدعم ليبيا فى متابعة تنفيذ ما تم التوافق عليه ووضع أسس ثقافة التنوير ومواجهة العنف السياسي، وأعلنوا عن تضامنهم مع الإعلاميين الذين يتعرضون للتنكيل ومتابعة ما يتعرضون له قضائياً والدفاع عن حرية إبداء الرأى وضمان عودة المهجرين منهم، وتعهدوا بالالتزام بما جاء فى هذا البيان والعمل به.
لقاءات مكثفة
وفى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز الأسبوعين شهدت القاهرة اجتماعات مكثفة مع عدد من الشخصيات المؤثرة داخل ليبيا، حيث عقد الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة وأعضاء اللجنة المعنية بليبيا لقاءات متتالية مع كل من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، وكذلك السيد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وأعضاء من مجلسى النواب، والأعلى للدولة، وممثلى أعيان وقبائل ليبيا، وممثلى المجتمع المدني، من كافة المناطق الليبية، واستمعت اللجنة للأفكار البناءة التى طرحها القادة الليبيون بروح إيجابية، واستخلصت وجود قواسم مشتركة بين القادة الليبيين للخروج من الانسداد الحالي، يمكن ترجمتها فى خطوات فعلية أبرزها تشكيل لجنة مشتركة مختارة من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبحد أقصى خمسة عشر عضوًا عن كل مجلس، للنظر فى القضايا التى سبق التوافق على تعديلها فى الاتفاق السياسي، والتوصل لصيغ توافقية لمعالجتها، ثم رفعها لمجلس النواب الليبى لاعتمادها وفقًا لما هو منصوص عليه فى الاتفاق السياسى الليبي، وقيام مجلس النواب الليبى بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسى فى الإعلان الدستوري، وذلك فى إطار معالجة كافة القضايا العالقة فى إطار صيغة توافقية شاملة تصدر عن مجلس النواب بعد الاتفاق عليها فى إطار اللجنة المشكلة من المجلسين، والعمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى موعد أقصاه فبراير 2018، اتساقًا مع ما نص عليه الاتفاق السياسى الليبي، واستمرار جميع شاغلى المناصب الرئيسية فى ليبيا، والتى سيتم الاتفاق عليها وفقًا للإجراءات المشار إليها أعلاه، ولحين انتهاء الفترة الانتقالية وتولى الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما فى 2018.
والتقى الفريق حجازى أيضا المبعوث الدولى لدى ليبيا «مارتن كوبلر»، حيث جرى إطلاعه على نتائج اللقاءات التى تمت بالقاهرة مع الأطراف الليبية الفاعلة، وبحث معه آليات العمل لتحقيق الوفاق الليبي.