المؤتمر الذي فشل
تعد الأزمة الراهنة التي تمر بها بلادنا هذه الفترة معيار الاختبار الحقيقي للأحزاب والتنظيمات السياسية منذ نشأتها وإعلان التعددية كثمرة من ثمار الوحدة اليمنية المباركة كقوى فاعلة ومؤثرة في الساحة وصاحبة رصيد جماهيري وشعبي .
بدأت التعددية بزخم كبير وطافح من الأحزاب والتنظيمات بلغ الذروة ثم انحصر على ثلاثة أحزاب رئيسية :
1- المؤتمر الشعبي العام : باعتباره حزب السلطة الحاكم والمنبثق عن الميثاق الوطني الذي تم وضعه بأيادي الكبار من صناع القرار والفكر في اليمن الحديث . جمع المؤتمر بين صفوفه كبار القادة والسياسيين ونخبة المجتمع فالمحافظ والليبرالي , التقليدي والبراجماتي متجاوزا?ٍ في مسيرته التحديات والصعاب , لا للتنظيم الذي يتمتع به ولا للكوادر المخلصة في صفوفه ولكن لكونه الحزب الحاكم الذي يرأسه رئيس الجمهورية , ويسيطر على مقاليد الحكم من مطلع الثمانينيات وحتى اليوم ومن دورتين انتخابيتين يتمتع بأغلبية مريحة في البرلمان تمكنه من الإستفراد بتمرير ما يشاء من السياسات والقوانين والتشريعات والإتفاقيات وغيرها . 2
– الحزب الإشتراكي اليمني : باعتباره الحزب الحاكم فيما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة , وباعتباره شريك الوحدة الحصري مع المؤتمر الشعبي العام , والحزب يجمع بين صفوفه الصفوة من القادة المدنيين الليبراليين والحداثيين , وقد تعرض للعديد من المؤامرات وواجه خطورة التحديات وخصوصا?ٍ بعد حرب صيف العام 94م , ومع كل ذلك فقد حافظ على جزء كبير من تماسكه وثباته في أحلك الظروف وأقساها واستطاع أمينه العام السابق / علي عباد مقبل بحكمته وحنكته الوصول به إلى بر الأمان وواصل المسيرة بحصافة واقتدار أمينه الحالي الدكتور ياسين سعيد نعمان .
3-حزب الإصلاح : باعتباره حزبا?ٍ إسلاميا?ٍ يتمتع بحضور شعبي واسع ودعم رسمي كان عاملا?ٍ أساسيا?ٍ في نشوئه ل?م?ِا كان يعتقده صانع القرار هدفا?ٍ استراتيجيا?ٍ للتطرف الديني في مواجهة الحزب الإشتراكي , وبحسب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله فإن الرئيس طلب منه أن ينشئ له حزبا?ٍ , ولمكانة الشيخ عبدالله فقد جذب الحزب الشخصيات العلمائية والقبلية والإجتماعية والشعبية , وللتبشير بالوهابية ومقارعة المذهبين الأصيلين الزيدي والشافعي فقد حظي الحزب بدعم إقليمي وخصوصا?ٍ من الشقيقة الكبرى السعودية .
تراوحت علاقة الإصلاح بالسلطة ما بين مد??ُ وجذر واتسمت في أغلب الوقت بالتزاوج المصلحي ولأن الشيخ عبدالله كان يمثل صمام الأمان للطرفين وكابحا?ٍ لجماح الإصلاح فلم تحدث أي? مواجهة بينهما , وحين غي??ِب الموت الشيخ يرحمه الله بدأت الخلافات تد?ْب??ْ وعادت للإصلاح أحلام السيطرة والحكم وآذ?ِن?ِ موسم الإنسجام بالرحيل والتزاوج بالطلاق البائن . الإصلاح / التنظيم والإدارة : من خلال الأزمة التي تمر بها البلاد أثبت الإصلاح أنه حزب منظم وتكتيكي وعلى درجة عالية من الوعي والإدارة والتنظيم لم تكن تخطر على بال المتابعين والمحللين السياسيين , فمن واقع الأزمة يدير الحزب معركة التغيير إعلاميا?ٍ وجماهيريا?ٍ بتقدير ممتاز مما يعني امتلاكه قيادات واعية وقدرات فائقة الجدارة . لقد سو??ِق المعركة محليا?ٍ ودوليا?ٍ واستقطب الجماهير ونفذ إلى عمق المشاعر ودغدغ عواطف المجتمع وأوصل رسالة المظلومية , فاستقطب الكثير من الجماهير وحصل على المشاركة والتأييد والإلتفاف والدعم والمساندة . وبقدر نجاحه في هذا الجانب إلا أنه فشل فشلا?ٍ ذريعا?ٍ في طمأنة الحلفاء والشركاء بأن لديه الإستعداد للشراكة والقبول بالآخر والتعايش معه والتخلي عن عقلية الإستفراد بالقرار والإستئثار بالساحات والتطرف في الرؤى وعدم القبول بالآخر , وبرغم بروز الأصوات المتخوفة والمتأذية والمنزعجة والمتبرمة من هذه التصرفات وخروجها للعلن إلا أن الحزب لم يتحسن بالشكل المطلوب وهذا في اعتقادي من معوقات النجاح وعامل تأخير لحسم الأمر . المؤتمر الذي فشل : كما يدير الإصلاح وشركاؤه المعركة إعلاميا?ٍ وجماهيريا?ٍ بنجاح مبهر فإن المؤتمر فشل فشلا?ٍ ذريعا?ٍ في الإدارة رغم امتلاكه ماكينة إعلامية ضخمة , ومنظومة صحفية هائلة أبرزها الإعلام الرسمي بكل تنوعاته والحزبي بكل أصنافه والموالي بكل توجهاته . فما الذي قد??ِمه المؤتمر حتى اللحظة ? لا يكاد يقارن على الإطلاق ولولا الإلتفاف الجماهيري والشعبي العفوي النابع من حب اليمن والخوف عليه من الإنزلاق نحو الفتنة , وكذا المحبة الصادقة لدى الكثير للرئيس – وذلك ما ألمسه من لقائي بهؤلاء – , مضافا?ٍ إلى ذلك الخوف من وصول السلطة إلى الإصلاح المعروف بتطرفه وقمعه , لولا كل ذلك لتغيرت موازين القوى لصالح الطرف الآخر .
وهذا الدليل على فشل المؤتمر :
• القنوات الرسمية لم تستطع تقديم مادة تمتص الغضب وت?ْظهر الإدعاء المبالغ فيه والزائف في بعض مواده , وكل ما تقدمه عبارة عن حوارات وبرامج تزيد الطين بلة , الضيوف ه?ْم? ه?ْم? وكأن اليمن خ?ِل?ِت? من العقلاء والحكماء والعلم