تدمير 14 قرن من التراث الإسلامي لمدينة مكة المكرمة
شهارة نت – تقرير :
نشرت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير، تقريرا عن عمليات إعمار الحرم المكي وتوسعته، التي تقوم بها السلطات السعودية، مشيرة إلى أن أكبر مشروع بناء في الشرق الأوسط يقوم بمحو 1400 عام من التاريخ الإسلامي.
وأضافت الصحيفة: اليوم في مكة المعروفة ببيوتها القديمة، ذات الشرف والأقواس، يدأ أمير منطقة مكة خالد بن فيصل آل سعود في تنفيذ أكبر مشروع تنموي في الشرق الأوسط، لتتحول بذلك مدينة مكة العتيقة بشرفاتها وأقواسها وأرواقتها إلى مدينة لناطحات السحاب ترتفع فوق أقدس مدينة في الإسلام،ما يجعلها تخيم على الكعبة ذاتها.
وفي إطار هذا المشروع، بدأت الحفارات بتسوية التلال والجبال التي كانت تنتشر عليها يوما بيوت زوجات النبي وأصحابه والخلفاء الراشدين،ناهيك عن وجود الطرق السريعة التي أصبحت من معالم مكة الحديثة. وعلى ضوء هذه المشاريع التنموية، أصبحت الأقطاب المحلية حريصة أكثر من الحكومة على أشغال البناء.
وفي هذا الصدد، تستثمر شركة «جبل عمر للتطوير» والتي تعود ملكيتها لمجموعة من الأسر المكية القديمة، مئات الملايين من الدولارات لتشييد برجين يتكوّن كلّ منها من 50 طابقاً تحلّ محلّ موقع بيت الخليفة الثالث. وفي خضم هذه المشاريع، أصبح المشهد الطاغي في المدينة يتمثل في منظر الجرافات.
تبعاً لهذه المعطيات، قال المسؤولون السعوديون إنّ الهدم هو ضريبة التوسّع الحتمية. ففي سنة 1950، قبل أن تبدأ كل ّعمليات توسيع المدينة المقدّسة، طاف بالكعبة ما لا يقلّ عن 50 ألف حاج. أما خلال السنة الماضية، فقد وصل عددهم إلى 7.5 مليون، لذلك فإنّ السلطات السعودية تخطط لمضاعفة هذا العدد المهول في غضون ثلاث سنوات. وعلى ضوء هذه الأرقام، أشار المهندس والعضو في شركة «جبل عمر للتطوير» أنس صيرفي إلى أنّه «لا يوجد أي حلّ بديل لاستيعاب الحُجّاج الذين أصبح عددهم يُقدَّر بالملايين».
وبالتالي، كلما زاد عدد الحُجّاج ارتفع عدد الضحايا. ففي أيلول سنة 2015، سقطت أكبر رافعة في العالم على المسجد الحرام لتُسفر عن مقتل حوالي 107 أشخاص في صفوف الحُجّاج. في المقابل، وبعد مرور أسبوعين فقط، أسفر التدافع في مكة عن مقتل 2000 شخص، ولعلّ هذه الوقائع سلّطت الضوء على مدى الخطر الذي يشكله ضيق المساحة مقارنة بارتفاع عدد الحجاج.
من ناحية أخرى، تساور أطرافاً عدة شكوك حول عملية محو العائلة الملكية لملامح المدينة العتيقة، واستئناف مهمة بدأت منذ القرن الثامن عشر عندما ثارت كلّ من القبائل البدوية وآل سعود على العثمانيين. وباسم الجهاد، حرّضت السلالة المالكة المروجة للمذهب المعروف بالوهابية، على الإطاحة بالإمبراطورية العثمانية متعدّدة الديانات في شبه الجزيرة العربية. وإثر سقوط الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى، تمّ إعلان الحرب ضدّ بقية المذاهب الإسلامية في شبه الجزيرة العربية. وكجزء من حملة التوحيد الروحي للإقليم، غزت هذه القبائل مكة سنة 1924 وسيطروا عليها.
وبناءاً على هذه المعطيات التاريخية، يصف النقاد هذه الحركة «بالماوية الإسلامية» التي انتقلت بسببها المدينة من هيئتها غير المتجانسة التي كانت تحتضن المذهب المالكي والشافعي والزيدي، لتغدو مدينة متجانسة تحت مذهب الوهابية. وبعد فرض هذا المذهب على أهالي المنطقة، أضحى اللونان الأسود والأبيض من الألوان الإجبارية المميّزة بين الرجال والنساء. ولم تكتفِ القبيلة الحاكمة الجديدة بفرض أحكامها على السكان فقط، بل عملت أيضاً على إعادة تشكيل مشهد المدينة لتمحو بذلك آثار الماضي.
في الواقع، عملت العائلة الحاكمة في تلك الحقبة على استبدال المنابر الأربعة في مكة التي كانت تشير إلى المذاهب والمدارس الإسلامية، إلى منبر واحد يحتكره الوهابيون. وبالتالي، حرص آل سعود في تلك الفترة على «تطهير» الإسلام من خلال هدم الأضرحة المقدسة لدى الشيعة والسنة. وفي ظلّ حملة الهدم التي طالت مختلف الأماكن المقدسة في مكة، وحدها الكعبة ظلت صامدة.