فلسطين لا تخضع للمحاور
كان في السباق الكل يتغنى بالقضية الفلسطينية ويتدثَّر برايتها كلما همَّ بفعل مشين اتجاه شعبه أو ضدّ الأمة ، فقد توسّط أحدهم للإفراج عن أحد كبار قادة المقاومة الإسلامية من السجون الأردنية لكي يعلن عن علاقته بالكيان الصهيوني.
إلا أن اليوم لم تعد تلك الراية كافية لتغطية جرائم الأنظمة التي سكتت بل ساهمت في استمرار الكيان الصهيوني في اغتصابه للأرض المقدسة أرض الأنبياء وأرض الإسراء، وبعد انكشاف مخططاتهم خلعوا ما عليهم من كلمات باردة ميتة عن فلسطين ، وأظهروا عيبهم للعلن بمدهم جسور المحبة والمودة للكيان الصهيوني الذي يهوِّد الأقصى والأرض ، وهنا ظهرت مرحلة جديدة أصبحت الكلمات عن فلسطين تُكلّف أثماناً باهضة ، ولم يعد التدثُر بالراية الفلسطينية من أصناف التغطية أمراً سهلاً ، بل أصبح خطاً أحمرأً لا يقوى على تجاوزه إلى المؤمنون حقاً بفلسطين ومستقبلها.
وقد قدمت الثورة الجزائرية من خلال شعبها ودولتها وأحزابها نموذجاً يُحتفى به في التعامل مع القضية الفلسطينية وشعبها الأبي ، فقد قدمت لها-القضية الفلسطنينة- الدعم الغير المحدود والغير المشروط حتى وأنها أعفتها من أي موقف سياسي مقابل ذلك ، وقد اكتفى الجزائريون بالقيام بواجبهم اتجاه الشعب الفلسطيني بلا مَنٍّ وأذى ، رغم أن الفلسطينيين لم يتفقوا في منظمة التحرير مع كل المواقف الجزائرية ، لكن الجزائر حكومة وشعباً وافقتهم في كل مواقفهم لأنها تدرك خصوصيات الحالة الفلسطينية ، وأنه يصعب عليهم التمحوّر والتخندق في أي جهة حتى لو كانت صواباً ، فمن الحكمة في هذه الحالة جمع الطاقات وعدم فتح جبهات ثانوية وتفرّغ للمعركة الأساسية معركة التحرير ، فوضعت الجزائر بذلك حجر الأساس في السلوك السياسي الذي كان لابدّ أن يتبناه العرب والمسلمون اتجاه فلسطين وشعبها.
فإن اعلان بوليفيا ونيكاراغوا والبرازيل وكوبا وفنزويلا عن مواقفهم الثابتة اتجاه فلسطين ، وتصريح رئيسة برلمان بوليفيا : “لن نتنازل عن حبة تراب من فلسطين.. ولن نقبل بأي تصالح مع الكيان الغاصب العنصري على أرض فلسطين” في حقيقة الأمر فهو يكشف الغطاء عن عبث الأنظمة العربية في أكثر من مكان وهي تتقرّب زلفة للكيان الصهيوني ، وتُرسل وفودها سراً وعلانيةً للتنسيق معه ، وتشكيل التحالفات ضد الأمة ومقدَّراتها وقوتها ، وعندما يرتفع الخطاب : ” أن يا شعب فلسطين لاتتخندّقوا ولا تدخلوا المحاور وأن ليس لأحد أن يطلب من الفلسطينيين موقفا ضد أحد آخر في الأمة” فهذا يدل على أن وعياً سياسياً متطوراً يلوح في أفق الأمة مهما كان ضعيفاُ ومحاصراً.
فلسطين أكبر من المحاور ويجب أن تلتقي على أرضها كل الجهود المخلصة مهما تكن إتجاهاتها ، لأن خوض المعركة يحتاج إلى مقدَّرات ضخمة ومتتالية ، ثم إن هذه تعتبر الفرصة التاريخية لإلتقاء أصحاب وجهات النظر المختلفون على قاعدة متينة ، وهي الإتجاه نحو تفكيك الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين.
فقد كان هذا الموقف يتيماً ، وكانت الجزائر وحدها تتبناه في التعامل مع فلسطين ، إلا أنَّ هناك بوادر ظهرت في المؤتمر الأخير في طهران لهذا الموقف اليتيم ، فهل للعرب أن يرسخوه سلوكاً عملياً في المستقبل؟ .