تونس”مستباحة” سياسيّا و أمنيّا من قبل السفارات الأجنبية
شهارة نت – تحقيق :
يمثّل نشاط السّفراء في العالم عملا ديبلوماسيّا يعزّز العلاقات بين الدول في مختلف المجالات لاسيما منها السّياسية والأمنيّة. ولئن كان نشاط السّفراء الأجانب في تونس تمثيلا لبُلدانهم والدّفاع عن مصالحهم، فإنّ ارتفاع وتيرة نشاط بعضهم مؤخّرًا، أسال الكثير من الحبر و لفت النّظر أكثر من أيّ وقت مضى..
ويلاحظ أغلب المتابعين للشأن التونسي تنامي نشاط بعض السفراء بعد ثورة 14 جانفي خصوصا إذا ما قارناه بفترة ما قبل الإطاحة ببن علي، عندما كان نشاطهم يتّسم بطابع سرّي وغير ظاهر للرأي العام في حين أصبح بعد ذلك مُعلنا وخرج من الأماكن المغلقة وتحوّل إلى مقرات الأحزاب والمنشآت الخاصة والعامة على حدّ السواء.
وفي الحديث عن نشاط عدد من السّفراء في تونس وما أثاره من ردُود أفعال قُمنا بإعداد ملفّ للبحث في خبايا الموضوع في محاولة منّا لإماطة اللّثام عن كل الأسئلة التي تحُوم حوله، وتقديم تفسير بمقومات منطقيّة تُلامس الواقع.
إلى أيّ مدى تطوّر نشاط بعض السّفراء الأجانب في تونس؟ و هل هناك أطراف سياسيّة تحرّكه ؟و ماهي الأسباب التي جعلته يتنامى في هذه الفترة خصوصًا ؟ كلها أسئلة نحاول الإجابة عنها من خلال التطرّق إلى أنشطة بعض السفراء المثيرة للجدل واستخلاص مواقف وآراء بعض الشخصيات العامة التونسية منها ..
الحقوقي صالح الزغيدي: “تونس مُرتهنة و التّبعيّة الخارجيّة واضحة”
يصف الناشط السياسي والحقوقي “صالح الزغيدي” في معرض حديثه لتونس الرقمية نشاط بعض السفراء الأجانب ببلادنا بـ”المشكل الكبير” ويعتبره تدخّلا يغذّي تبعيّة تونس للسّياسات الخارجيّة و منها خصوصًا الفرنسيّة و الأمريكيّة في القطاعات الإقتصاديّة و السياسيّة و حتى في ميزانيّة الدولة و مواردها…
كما يؤكد محدّثنا أنّ بعض سفراء الدول العظمى في تونس يعملون وفق سياسة تجعل من الإقتصاد الوطني مرتبطا بصندوق النقد الدولي و بعض المنظّمات الأجنبيّة الأخرى على حدّ تعبيره.
و اعتبر الزغيدي أنّ نشاط السّفير الفرنسي الحالي على سبيل الذكر لا الحصر هو “جزئيّة صغيرة” من جملة قرارات كبيرة للتّدخّل الفرنسي في تونس، مضيفا أنّ بلادنا “مُرتهنة” في جميع الجوانب لدى الدّول الأوروبيّة خاصة، واصفا التّدخّل بـ”الواضح”، وهو ما يطرح استفهامات عن مدى استقلالية القرار الوطني حسب قوله.
من اللاّفت للنّظر أنّ تواتر أنشطة بعض السّفراء الأجانب بتونس بشكل مكثّف وتتالي زياراتهم إلى مُختلف الأماكن على تنوّع طبيعتها و أدوارها، أثار نفورًا واضحًا في صُفُوف التّونسييّن، وقد حدث أن تم طرد بعضهم على سبيل المثال من مكاتب اقتراع .. و منعهم من زيارة مؤسسات تربوية … ،و الأمثلة على ذلك كثيرة و متعدّدة، ويمكن من خلال جولة وجيزة على محركات البحث العثور على مقاطع الفيديو والأخبار التي توثق هذه الأحداث..
عمّار عمرُوسية: تحركات السفراء الأجانب تُثير الغضب و الاستفزاز و تونس”مستباحة” سياسيّا و أمنيّا..
إنّ المتأمّل للمشهد التّونسي ينتهي إلى الإقرار بمُلاحظة، أنّ أنشطة البعض من السّفراء الأجانب ببلادنا ”تجاوزت” الأنشطة المُتعارف عليها دُوليًّا وهو ما أكده لنا النّائب بمجلس نوّاب الشّعب عن الجبهة الشعبيّة “عمار عمروسيّة”.
يضيف عمروسية أنّ “تحرّكات كل من السّفير الفرنسي وسفيرة كندا والسفير الأمريكي لفتت الانتباه مؤخّرا و طرحت عدّة استفهامات و فيها نوع من التّدخّل في الشّأن الوطني الذي أثار أحيانا نوعًا من السّخط و الغضب في صُفوف التّونسييّن.
كما أشار محدّثنا في سياق متّصل أنّ سياسة الإرتجالية وعدم الأخذ بزمام الأمور من طرف الدولة التونسية ساهمت كذلك في فتح باب الإغتيالات السّياسيّة على مصراعيه حيث شهدت تونس 3 اغتيالات سياسية في أقل من 3 سنوات: شكري بلعيد ومحمد البراهمي (2013) ومحمد الزّواري (2016)، وهو ما سلّط الضّوء حسب قوله على حقيقة الموساد “الرّاتع” في تونس و امكانية ارتباطه بمصالح دول عظمى أخرى..
صولات “أوليفيي بوافر دارفور” و جولاته في المُدن و الأحياء التّونسيّة بمقرّاتها العُموميّة والخاصّة، وتعدّد أنشطته من قبيل “زار،تحدّث،التقى و دشّن..” من المؤكد أنّ سفيرنا بباريس لن يستطيع إليها سبيلا ..
مما لاشكّ فيه أنّ وجود أيّ سفير أجنبي على التراب التونسي الهدف منه خدمة مصلحة بلاده وهو أمر طبيعي إلاّ أن أنشطتهم لايجب أن لا تتجاوز الطّابع الديبلوماسي وهو ما تمّ خرقه خلال اجتماع بعض السفراء برؤساء وقادة أحزاب في الحكم و المعارضة على حد السواء ..
المسؤُولية الكبرى عن وجود بعض التجاوزات يحمّلها عمروسية للإئتلاف الحاكم حيث يؤكد أنّ هذا “الشرخ” كان نتيجة لاضطراب في السّياسة الخارجيّة التونسية التي تتّسم بالتّبعيّة والتشتّت والتضارب بين مصالح السياسيين الحزبية الضيقة مشيرا في السياق ذاته إلى ما يسمى بالديبلوماسية الشعبية التي يمارسها راشد الغنوشي و الذي تجاوزت زياراته وتحركاته خارج الوطن زيارات وزير الخارجية .. كما شدّد عمروسية على أنّ حركة النّهضة لعبت و لا تزال دورًا كبيرًا في السّياسة الخارجيّة وهو ما رجع بالوبال على تونس في عديد المناسبات و جعلها “مُستباحة”سياسيّا و دبلوماسيّا.. على حد تعبيره.
أبولبابة سالم: تحرّكات السفراء الأجانب بتونس يترجم هشاشة السلطة وضعف الدّولة.
يصف المُحلّل السّياسي “أبولبابة سالم” في حديثه إلى تونس الرّقميّة، نشاط بعض السفراء الأجانب ببلادنا بـ”الانفلات” و “التسيّب” وبأنه تجاوز الحُدود على جميع المُستويات..
ويفسّر سالم الأمر بهشاشة السّلطة التّونسيّة وتبعيّتها في آن واحد مبديا استغرابه من الإجتماعات واللقاءات المتبادلة بين السفراء ورؤساء الأحزاب السياسيّة وهو ما يكشف تشابكًا واضحًا لمصالح ضيقة وهو ما يمكن أن يؤدي بالتالي إلى تغييب إرادة الشعب وتغييرها برضا القوى الأجنبية عن الحاكم واختيارها لمن يمثلها ويرعى مصالحها في البلاد.
يقول محدثنا في معرض حديثه عن تحركات بعض السفراء الأجانب وخاصّة سفراء الدول الكبرى ببلادنا: عادة ما تُعطي الزيارات و اللقاءات السرية والعلنية المرفوقة بـ “مأدبات فاخرة” ، أكلها بُعيْد أيام ليست بالطويلة حتى تبرز أخبار مفادها تعيينات جديدة و تحويرات و أخرى تُطبخ على نار هادئة..
أبولبابة سالم: محلل سياسي
“تونس تنقُصُها الجُرأة و السّيادة” للتّدخّل، و وضع حدّ لهذا النّزيف واتّخاذ موقف حاسم في المسألة هكذا قال سالم مُطالبًا بضرورة التّفكير في المصلحة الوطنيّة قبل كل شيء..
نشاط السفراء لم يقتصر فقط على الشأن السياسي حيث حدث أن اجتمع “أوليفي بوفار دارفور” بأعضاء “الهيئة العُليَا المُستقلّة للاتّصال السمعي البصريّ”(الهايكا) وهو ما يطرح عديد الإستفهامات حسب تعبير المحلّل.
يبدو أنّ هناك توجّها واضحا من السّفير الفرنسي لتدعيم حضوره الشعبي والإعلامي بتونس حيث انتشرت صُوره مع مُختلف الفئات الاجتماعيّة من قبيل زيارة الوطن القبلي والتقاط الصّور مع بائعي البرتقال في الفترة الأخيرة ليجد نفسه في المقابل شخصا غير مرغوب فيه من طرف النقابة العامة للتعليم الثانوي التي منعت زيارة كان ينوي تأديتها للمعهد الثانوي برادس بداية الشهر الجاري. ليليها تصريح من لسعد اليعقوبي يؤكد فيه رفض طلب لقائه من السفير بعد تلقيه اتصالا من السفارة الفرنسية في الغرض…
في الإطار ذاته قام عدد من الناخبين بمركز الاقتراع بمدرسة نهج مرسيليا بالعاصمة سنة 2014 بطرد السفير الأمريكي “جاكوب والس” الذي حضر بمركز الاقتراع لمتابعة سير العملية الانتخابية.
وقد رفع الناخبون أنذاك شعار “ديقاج” في وجه السفير كما رفعوا شعار” شعب تونس شعب حر لا أمريكا و لا قطر”.
-وزارة الخارجية حاضرة في الأذهان..غائبة عن الميدان
في اتّصالنا بوزارة الخارجيّة- الطرف المباشر و الجهة الرّسميّة الأولى المخوّلة للحديث عن نشاط السّفراء ببلادنا سواء بإثبات ما أسلفنا ذكره أو دحضه- خرجنا بيد فارغة و الأخرى لا شيء فيها، مُماطلة و تهرّب من تقديم المعلُومة و إنارة الرّأي العام.
ومازلنا إلى حدّ كتابة هذه الأسطر ننتظر ردّ وزارة “خاريجيّتنا” الحاضرة الغائبة للأمانة و يبدُو أنّ انتظارنا سيطُول دون الإيفاء بما كنّا قد سألنا عنه أو الوصول إلى أجوبة رسمية شافية، لننتهي إلى حقيقة مفادُها “بقاء دار لقمان على حالها..”
تقاربت وجهات النّظر بين المُتحدثين على اختلاف مشاربهم السياسيّة بشأن نشاط عدد السّفراء الأجانب في بلادنا و اعتبره البعض مُثيرًا لـ”لاستفزاز” في حين فسّره البعض الآخر بهشاشة السّلطة المحليّة و تبعيّتها في أخذ القرارات السّياسيّة المفصليّة و المصيريّة.