ما سر التكالب على زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الجزائر؟
بمجرّد أن أعلن السفير الإيراني في الجزائر رضا عامري، الخميس 9 فبراير الجاري، أنه من المنتظر أن يقوم الرئيس الإيراني حسن روحاني بزيارة إلى الجزائر، أقام البعض الدنيا ولم يقعدوها، وشنّوا حملة شعواء تطالب برفض هذه الزيارة، بدعوى أنها تضر بمصالح الجزائر
وتمس بعلاقاتها مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة السعودية، التي تقود حربا سياسية ومذهبية ضدّ إيران.
ومن غرائب ما قرأته من انتقادات لزيارة الرئيس روحاني إلى الجزائر، تلك التي أطلقها مؤخرا من يدعي أنه كاتب ومحلل سياسي، المدعو أنور مالك، والتي قال فيها: -إن الهدف الاستراتيجي لإيران من زياراتها لدولة مثل الجزائر أن تجعل صراعها لا مع الدول العربية والعرب، بل مع الخليج، والسعودية تحديداً لأسباب مذهبية-، وأضاف في تغريدة يوم الثلاثاء 14 فيفري يقول: -سنبقى نردد دائماً..لا لروحاني في الجزائر-، -نريد الرفض يستمر مع كل زيارة لأي دولة عربية، بل لكل العالم، فنحن نُطالب بإسقاط الملالي، وليس استقبالهم-، تعمّدت أن أورد تصريحات أنور مالك، على اعتبار أن غالبية وسائل الإعلام التي تكنّ العداء لإيران ولمحور المقاومة، تفتح له المجال واسعا لنفث سمومه وأحقاده المدفوعة الأجر مسبقا، فهذا البيدق المأجور يستعمل صيغة الجمع في حديثه، وكأنه تحصل على توكيل من الجزائريين ليتكلّم باسمهم، وبالتالي يُقحم أنفه المزكوم بالخيانة لبلده، في قضايا سيادية، لا يحق لا له ولا لغيره أن يُدلي بدلوه فيها، فالجزائر السيّدة في قرارها، تعرف بشكل دقيق كيف تتعامل مع مُحيطها الإقليمي والدولي، وقد أكّدت الوقائع أنّ الدبلوماسية الجزائرية قد نجحت دائما في التعامل مع كبريات الأزمات الإقليمية والدولية، ويكفي أن نشير إلى أنّ الجزائر التي عارضت التدخل الأجنبي في ليبيا وسوريا على وجه التحديد، قد أنصفها الزمن، فقد تبيّن للقاصي والداني، أن الأعراب قد نكّلوا بالوطن العربي وقدّموا عديد بلدانه على طبق من ذهب لقوى الشر الصهيوأمريكية، بذريعة دعم -الربيع العربي-، وهم أي الأعراب يكفرون أشدّ الكفر بشعارات هذا الربيع، التي تُطالب بالحريات والديمقراطية التي لا نجد لها أي محلّ من الإعراب في فكر الأعراب، وهنا أودّ أن أعيد القارئ الكريم إلى الدور الشيطاني الذي لعبه البيدق أنور مالك عندما كان عضوا في لجنة مراقبي الجامعة العربية إلى سوريا التي ترأسها -الدّابي-، فهذا البيدق كان أول من غادر سوريا، وأدلى بتصريحات ملفقة وكاذبة عن الوضع فيها لقناة الجزيرة القطرية، وقبض مقابل ذلك مبلغ 500 ألف دولار، وبالتالي لا أستبعد اليوم أن يكون هذا البيدق قد قبض مُقابل شنّ حملة هستيرية على الزيارة المُرتقبة للرئيس الإيراني إلى الجزائر، ومن الجهات نفسها التي عوّدته على الأكل على مائدة اللئام، وبالمناسبة أتحدى هذا البيدق أن يتوجه بأي كلمة جارحة إلى دولتي سلطنة عمان والكويت -العضوين في مجلس التعاون الخليجي-، اللتين وجهتا دعوتين رسميتين للرئيس الإيراني حسن روحاني ليزورهما يوم الأربعاء 15 فيفري الجاري، فهل ما هو حلال على الخليجيين حرام على الجزائر؟
وما دام أن هذا البيدق وأمثاله يعيبون على الجزائر تقاربها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فالسؤال الذي نطرحه عليهم، هو كالتالي: -أي موقف سجّلتموه عندما قرّر المغرب إعادة علاقاته مع إيران بعد قطيعة دامت سبع سنوات؟-، برأيي أن الجهات التي تُحرّك حملة الانتقاد والتنديد بزيارة الرئيس روحاني إلى الجزائر، لا تُقيم أي وزن للصراع المذهبي المُفبرك بين -الشيعة والسنة-، بقدر ما يُقلقها تمدد نفوذ إيران في إفريقيا عبر بوابة الجزائر، التي تمثل بموقعها الجيوسياسي والجغرافي واسطة العقد في القارة الإفريقية، وأنا على يقين تام أنه لو تعلّق الأمر بزيارة مسؤول صهيوني إلى الجزائر –وهذا من المستحيلات السبعة- لما سجّلنا أي موقف مُعارض من قبل هؤلاء المأجورين ومُشغّليهم، فالصراع اليوم ليس مذهبيا على الإطلاق، بل هو صراع من أجل اكتساب مناطق نفوذ بين محور المُقاومة ومحور التطبيع مع الصهاينة، لكن وللأسف الشديد أن محور -الإعتدال- المُطبّع والمُطبّل للتقارب مع الصهاينة، لا يزال إلى يومنا هذا يلعب على وتر الطائفية والمذهبية، الذي هو من صنع الصهاينة بكلّ تأكيد، لقطع الطريق أمام كل محاولات التقريب بين الدول العربية والإسلامية، بل وأكثر من ذلك كُلّه لتأجيج نيران الفتن في الجسد العربي والإسلامي، وهنا أستحضر وبمرارة ما كتبه بعض أدعياء الدفاع عن العروبة والإسلام، بحق الصحفية الجزائرية سميرة مواقي، التي أصابها طلق ناري من قنّاص داعشي في مدينة تلعفر العراقية، وهي تقوم بواجبها المهني، فبصراحة صُدمت أيما صدمة، عند قراءتي لما كُتب عنها من تعليقات في بعض صفحات من يُقدمون أنفسهم على أنهم صحفيون جزائريون، ويكفي أن أوافيكم بعينة صغيرة من هذه التعليقات، حتى يتبيّن لكم بجلاء مدى تقاطع الخطاب الداعشي الإرهابي، مع كتابات هؤلاء: –تستاهل ،،،جهنم وبئس المصير- وأضاف آخر: -نتمنى لها دوام الشلل-، وذهب أحدهم إلى القول: -تستااااهل اكثر. الله لا يردها. عميلة الشيعة المجوس-، بصراحة لم أجد أي فرق بين خطاب الإرهابيين وخطاب من يدعون الدفاع عن حرية التعبير وكرامة العرب، فأي كرامة هذه التي تُبيح لهؤلاء التشفي في صحفية جزائرية، أبت إلا أن تنتقل إلى ساحة الحرب مع الإرهاب في العراق، لتنقل الحقيقة كما هي؟
سميرة مواقي، ولمن لا يعرفها، انتقلت في بادئ الأمر إلى العراق في إطار مهمة رسمية كلفتها بها قناة الشروق الجزائرية، لكن تغطيات مواقي الإعلامية لم ترق لمسؤولي القناة التي قاولت ولا تزال من أجل تدمير بعض البلدان العربية خدمة للمشروع الإخواني الصهيوني، فقد طالبتها القناة بإنجاز تغطيات مُفبركة تُظهر بأن الصراع في العراق هو بين -السُّنة والشيعة-، لكن مواقي رفضت الانصياع لرغبة مسؤوليها، لأنها رأت بأم أعينها أن الصراع في العراق هو بين الإرهابيين والعراقيين -سنة وشيعة ومسيحيين وأزيديين…- وما كان منها إلا أن قدّمت استقالتها من قناة الشروق شهر نوفمبر 2016، وعادت إلى العراق على حسابها، لتمارس مهنتها بعيدا عن الضغط والتزييف، وغطت عمليات الجيش العراقي والشرطة الإتحادية والحشد الشعبي، في تلعفر، بإمكانياتها المحدودة للغاية، فكانت هي الصحفية والمصورة والمُركّبة…، وكلّ ذلك في سبيل نقل الحقائق كما هي دونما تزييف أو تحريف، فهذه الصحفية المُناضلة بحق، لم تسلم من سهام الحقد الطائفي حتى وهي تُصارع الموت، فما كُتب عنها لا يمكنني أن أُصنفه إلا في خانة الخطاب الإرهابي الداعشي، الذي يسعى اليوم عبر ارتداء عباءة -السُّنة- بالباطل، إلى قطع الطريق في وجه كل الرافضين لهيمنة الصهاينة واغتصابهم لفلسطين، والمسجد الأقصى، ولذلك نرى اليوم كيف تتكالب الجهات نفسها على الجزائر التي تتحضّر لاستقبال الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد انتهاء زيارته لكل من سلطنة عمان والكويت، فشخصيا أرى أنّ هذه الزيارة ستكون لها نتائج في غاية الأهمية ليس بالنسبة للعلاقات الجزائرية الإيرانية، وإنما لمستقبل المنطقة العربية والإسلامية، فالجزائر ستتحول إلى محور للتوازن في العلاقات العربية الإيرانية، وهذا ما تخشاه قوى الشّر التي لا تريد لوطننا العربي الإسلامي أن يُغادر دائرة الصراعات المذهبية والطائفية المُصطنعة.