المخابرات الجزائرية وثقافة الوعي المسبق
المخابرات الجزائرية كانت تعلم بأدلّة لا يرقى إليها الشك أنه كان يخطّط للجزائر في إطار الربيع المشؤوم
وقد قالها “ساركوزي” لرئيس المجلس الوطني الليبي سابقاً، وهو في الطائرة التي كانت تقلّه من باريس إلى ليبيا،قال بالحرف الواحد “بعد ليبيا السنة المقبلة ستكون الجزائر” و قالها من قبل لوزير خارجيتنا وزير قطر المعزول بالحرف الواحد في اجتماع القمة العربية الذي حوّل بعدها مباشرة ملف سوريا إلى مجلس الأمن الدولي قال: “الدور قادم عليكم وتحتاجوننا…( :!! (” إن المعلومات لكل ما جرى في قطر، وفي حلف الناتو، وفرنسا ، ضدّ الجزائر كلها تعرفه بدقّة المخابرات الجزائرية، كيف لا وهي الوحيدة التي استطاعت وقتها أن تفكّك شفرة “الناتو” وبواسطة هذه المعرفة وغيرها حمت الجزائر نفسها من الفوضى المبرمجة لها، وحمت دولاً أخرى حتى إن مقتل السفير الأمريكي في ليبيا.
أعود إلى حيث انتهيت في مقالي السابق، وأؤكّد على أن أجهزة المخابرات الفرنسية ومند بدعة الجنرال ” لاندو” صاحب الظهير البربري(فرّق تسُد) والذي كان يقود المعارك الفرنسية في الجزائر، والجزائر تواجه المؤامرة تلو الأخرى باسم التفرقة بين بلاد القبائل الأحرار وبين غيرها من المناطق الجزائرية الأخرى، لكن ظلّ الكل متمسكاً بالمقاومة وحدة موحّدة بالإسلام كمبدأ ثابت وحامي الوحدة الوطنية، مثلاً في ولاية بجّاية الآن وحدها أربعمائة مسجد وأكثر من ثلاثين زاوية لتحفيظ القرآن الكريم.. وتؤكّد دراسات أكاديمية أعدّها باحثون جزائريون أن تسعين بالمائة من علماء الجزائر(في اللغة العربية والفقه والتفسير وعلوم الحديث) هم من بلاد القبائل(بجّاية وتيزي وزو)..
هذا الرصيد الثقافي والعلمي لا يمكن تجاوزه في الظروف العادية أو في الظروف المتآكلة في أية بقعة من الجزائر، لكن مع الأسف الشديد كانت الوهّابية لحُسن ظننا بها سابقاً سبباً في ما أصاب الجزائر في العشرية السوداء، وفي موجها العاصف تدخل الغرب من وراء الفتنة بمحاولة تدمير الجزائر وجرّها إلى صندوق النقد الدولي ، بمديونية فاقت أربعين مليار دولار، على أن لا تقوم لها القيامة بعد ذلك، من وجهة نظرهم، هكذا خطّطوا ..لكن، كل ذلك سوّي في بضع سنين بحكمة ساستها.. لم يصدّق الغرب إلى اليوم كيف تمّت التسوية.. كانت المخابرات الجزائرية تجمع نقاط الضعف ونقاط القوة عند أعدائها ليل نهار، وتؤّمّن بكليهما لمؤسسات الدولة منهج السير، وفق بصائر المستقبل، كان هذا واضحاً ومهماً بالمقارنة مع من سبقونا في الأزمات العاصفة، كان أيضاً مهماً أن يتعلّم من أساؤوا الفهم لمواقف الجزائر كيف يتراجعون إلى الخلف عن توصيفهم السيئ للأحداث فيها و يتناسون غدرهم، أكيد أن “فرانسوا هولاند” كان لا يشك في إن الجزائر لم تدخل في حرب ضدّ جيرانها، وخاصة ضدّ دولة مالي وهي حرب في التخطيط الفرنسي ضدّ الجيش الجزائري وقد طلبت فرنسا دخول الجيش الجزائري الحرب على أساس أنه جيش قوي..؟ وكان لدى المخابرات الجزائرية ومنها مخابرات الجيش أن الأمر غير ذلك، وأن تدخّل فرنسا هذا ليس حباً في دولة وشعب مالي أو في الجزائر، و لكن القصد منه دفع الجيش الجزائري صوب الانسياق في لعبة الانهيار وبالتالي الدخول في “الربيع العربي”وقد زار “فرانسوا هولاند”الجزائر في زيارة دولة لهذا الغرض ورفضت الجزائر اللعبة بقوة بل حتى مناقشة الفكرة رغم الضغوط الفرنسية والأمريكية..
بعدها عاد “فرانسوا هولاند “وفريقه السياسي إلى الواقع وحاول أن يمسح ما كان عليه من أوهام، ودخل المغامرة وحده في مالي وهُزم، حتى أنه طلب من أمريكا المساعدة لكن أمريكا طلبت منه مقابلاً مادياً ثمن نقل معدّاته بطائراتها.. بالتأكيد، لسنا من الذين يكتبون من أجل الكتابة، وليس لنا رؤية خارج الرؤية التحليلية التي نحاول خلالها توصيف الأحداث وفق وقائعها وما ترمز إليه، هناك دائماً أشياء غامضة تلاحق الإنسان، و يودّ أن يكون كاشفاً لها،لأنها في أغلب الأحيان تمثّل جزءاً من واقعه أو على الأقل جزءاً مما يحسّ به، لكن هناك أيضاً من يتصوّر خارج الأحداث أن صنع الواقع يشبه صنم الحكي في الروايات الخيالية، وهذا هو أهم خطأ يرتكبه الإنسان خاصة ونحن نعيش عصر التشابك المُطلق بين مصالح الدول، والتضارب المُطلق في هذا التشابك، وحتى للأفراد وقد أخذ شكلاً من الحرب الباردة، حرب تلعب المخابرات فيها دور الأساس،..
لقد أسقطت الجزائر بواسطتها أخطاراً ربما لو لم يتم إسقاطها لكانت اليوم مثل ليبيا،أو تونس،أو واليمن –مع أسفنا الشديد لما هم عليه من بؤس- نحن لسنا عيوناً بريئة من الفوضى في نظر الكثير من الدول، ولسنا مجرّد دولة تؤمّن الحياة لأمّة ذات جذور عميقة في التاريخ والحضارة، ولسنا أيضاً بعيدين عن الحقد الأعمى لبعض الدول بما فيها دول عربية، ومنها تلك التي لا تزال تحلم بالعودة إلى ماضيها الاستعماري، ذلك أن جوهر الصراع اليوم هو صراع المصالح الاقتصادية وأغلب البلدان الأوروبية ومنها فرنسا تعاني وتريد أن تكون من جديد ضمن أسطول البحث عن حلول خارجية لها قصد الإنهاض باقتصادها المتردّي وبناء قوّتها الاجتماعية المتدنّية، وفضلاً عن كل أحقادها فإن ظاهرة الإرهاب الأعمى، بشكل متطوّر -إرهاب تكفيري وإرهاب سياسي- إرهاب لا يعرف حداً لجرائمه ولا تقف أمامه لا دموع البشر ولا الأرض الخضراء، ولا البني التحتية، ولا ما بناه الآباء والأجداد بلحمهم وعرق جبينهم، وإذا لم يكن هناك عِلم مُسبق بما عليه الأمر فإن الكارثة لا يمكن توصيفها بل وربما تتحوّل البلاد معه إلى كومة رماد .. لنتصوّر لو أن جهاز المخابرات لم يتمكّن مُسبقاً من معرفة ما كانت ترمي إليه أجهزة المخابرات لدول عدّة تحت غطاء الإرهاب من احتلال منابع الغاز في “عين أميناس” وتفجيرها أكيد فإن الكارثة لن تكون بحجم المكان والزمان، بل بحجم الوطن كله..لكن إفشال العملية بسرعة وبدقّة عالية أدّى إلى بناء الذات الوطنية وفق منطق التصوّر الصلب للمستقبل السياسي، وللاقتصاد الوطني ..
لم تكن المؤامرة كما قد يفهم البعض مجرّد إرهاب عابر أو قادم من مكان تمزّقه الحروب في دول عدّة ، بل خطّط له في الخارج ومن دول عدّة أهمها فرنسا وإسرائيل وأميركا..؟ وهي التي مدّت المجموعة الإرهابية بالمعلومات وبالمال، وتم تجهيزها بأجهزة الاتصال الحديثة.. وقد كشفت المخابرات الجزائرية ذلك كله قبل حدوث الواقعة، ونفّذت الأمر بحرفية عالية وضربت المجموعة ضربة قاضية ، قد يسأل واحد ويقول لماذا كل هذا كله والجزائر لم تتدخّل في شؤون هذه الدول، بل تتعامل معها في شراكة، وتبادل مصالح.. ؟ ذلك أن حرب الإجرام في “الربيع العربي ” ليست مجرّد خطط جهنمية لدولة دون الأخرى أو كما قيل لبناء سقف من الديمقراطية في دول” ديكتاتورية”، المخطّط بعيد عن كل هذه الأبجديات هو مخطّط استعماري بالأساس، ذلك أن المواجهات اليوم بين الدول هي مواجهات اقتصادية، وأن الحرب اليوم هي حروب الكترونية وقد قال هذا عن إيران قائد القوات الأمريكية “إننا أمام حروب الكترونية ” و جاء قوله هذا بعد أن أنزلت إيران الطائرة الأمريكية من دون طيّار، هذه التقنية ومعها تقنية الصواريخ المدمّرة أضحت بيد الكثير من الدول الموصوفة بدول العالم الثالث..
الأكيد أن المخابرات الجزائرية كانت تعلم بأدلّة لا يرقى إليها الشك أنه كان يخطّط للجزائر في إطار الربيع المشؤوم، وقد قالها “ساركوزي” لرئيس المجلس الوطني الليبي سابقاً، وهو في الطائرة التي كانت تقلّه من باريس إلى ليبيا،قال بالحرف الواحد “بعد ليبيا السنة المقبلة ستكون الجزائر” و قالها من قبل لوزير خارجيتنا وزير قطر المعزول بالحرف الواحد في اجتماع القمة العربية الذي حوّل بعدها مباشرة ملف سوريا إلى مجلس الأمن الدولي قال: “الدور قادم عليكم وتحتاجوننا…( :!! (” إن المعلومات لكل ما جرى في قطر، وفي حلف الناتو، وفرنسا ، ضدّ الجزائر كلها تعرفه بدقّة المخابرات الجزائرية، كيف لا وهي الوحيدة التي استطاعت وقتها أن تفكّك شفرة “الناتو” وبواسطة هذه المعرفة وغيرها حمت الجزائر نفسها من الفوضى المبرمجة لها، وحمت دولاً أخرى حتى إن مقتل السفير الأمريكي في ليبيا.
كانت المخابرات الجزائرية من ضمن المخابرات المهمة التي أخذت بتحاليلها المخابرات الأمريكية، رغم أن هذه الأخيرة كانت ترصد الواقع الجزائري وتحرّض عليه، في انتظار الانفجار، ولما لم يقع الانفجار أساءت الخارجية الأمريكية تقديرات مخابراتها في المنطقة واتهمتها بالتخلّف عن الفهم مما عليه المخابرات الجزائرية، ما الذي كان قد يُصيب الجزائر لو أن المخابرات الوطنية نائمة كما يحاول اليوم بعض المشوّهين ذهنياً وصفها بالتخلّف أو بالصراع بينها وبين المؤسسات الأخرى ..؟
لقد نسوا ما أدّته هذه المخابرات في جنوب لبنان وإن احد أبنائها وقع جريحاً في الأسر الإسرائيلي من دون أن تعلم إسرائيل بذلك، وأطلق سراحه في دفعة تبادل فلسطيني إسرائيلي ..وماذا قامت به في مواجهة “الكومندوس” الإسرائيلي الذي حاول التسلّل من البحر من ساحل ولاية عنّابة (شرق العاصمة) ليغير على القاعدة الفلسطينية في ولاية تبسه التي استقر بها الجنود الفلسطينيون بعد خروجهم من لبنان في بداية الثمانينات.. و ماذا قدّمت الجزائر بهذا الجهاز من الأمن والأمان لرعايا السفارة الأمريكية في طهران بعد أن استولى عليها الطلبة الإيرانيون وأطلق سراحهم ووصلوا إلى الجزائر ومنها إلى بلدهم، بل إنها البلد الوحيد الذي أعاد للبنان مقاوماً مطلوباً من الأجهزة الأمنية في أكثر من بلد وهو من المقاومين في حرب الطائرات المدنية، وقتها تحت حراستها ومن دون أن تعلم بذلك الأجهزة الاستخباراتية لا الأمريكية، ولا الفرنسية، إذن، نحن أمام حالات هي أشبه بحالات من أصيب بالهوَس للبعض من الذين يحاولون جرّها إلى قواعدهم ، وكأنهم أمناء عليها أو أنهم يريدونها خارج الحدث، وخارج المنطق، أليس منطق التطوّر يضع الكل أمام التفكير الجدّي في ما يناسب هذا التطوّر، أليس التغيير مبني على أهداف وطنية وليس على أهداف تجزيئية..؟ إن رفوف الأحداث هي فوق رفوف المصالح وإلا كان المستقبل مجرّد ظلّ لأوهام تسكن الذات في انتظار مجيء الحفظ في الكلام لإنقاذ ما سكن أو توارى خلف الأحداث، أكيد ليس ثمة دعاية أسوأ من أن تكون على حساب الكل لصالح الواحد…
إن الإعلام الغربي، رغم ما لديه من حرية العمل والقول (طبعاً في إطار مصالح بلده) يرفض تلقائياً الخوض في ما هو خاص بالمؤسسات ذات الطابع السرّي، و إن تعامل معها تعامل بما يفيدها وليس بما يدمّرها لنراجع سوياً حرب الخليج وما جرى فيها للإعلام الأميركي والفرنسي، ولنراجع اليوم ما يجري في ما يتصل بالأحداث في سوريا لقد ذهب الإجرام إلى حد تزوير صوَر القتلى الذين تمت تصفيتهم في إسرائيل أو على يدي الجيش الأمريكي في العراق وألحقت بجيش سوريا !!، بل إني أتذكّر أنه في أحداث 5 أكتوبر في الجزائر(1988) قام كلّ (وأقول كلّ ) الإعلام الفرنسي بنشر صوَر للجيش الفرنسي وهو يقتل ويدمّر في الجزائر ونسبها إلى الجيش الوطني الشعبي- وقد تم إحراق كل تلك الصحف الفرنسية التي تدخل الجزائر قبل توزيعها.. – يتم هذا كله حفاظاً على الدولة الفرنسية، لأن الشعب الفرنسي رغم تاريخه السيئ أهم من نشر الحقائق كما هي، فهل نحن أقل احتراماً من هؤلاء لمؤسساتنا ونحن لدينا من التاريخ في مجال الدفاع عن مبادئنا أكثر مما لديهم، سؤال نتركه لمن يريد الإجابة عليه.