الردع الاستراتيجي: من باب المندب إلى بوابة الرياض
شهارة نت – صنعاء :
بعد ركود ميداني لم يخلُ من الغارات والانتهاكات العسكرية السعودية التي ترافقت مع وضع إنساني حرج في ظل وجود أكثر من 2.2 مليون طفل يمني جائع،حاولت الرياض كسر جمودها الميداني عبر عملية الرمح الذهبي الذي ارتدّ إلى صدرها
فالمفاجآت اليمنية أوغلت برمحين ذهبيين من نوع آخر، الأول طال الفرقاطة العسكرية السعودية “مدينة”، والثاني تمثّل بصاروخ بركان-2 البالستي، استهدف العمق السعودي الاستراتيجي، وتحديداً العاصمة الرياض.
ومع عملية الإطلاق، تكتمل ملامح الفشل للعدوان خلال شهره الثالث والعشرين، الأمر الذي وضع السعودية في موقف مخجل بعد أن أرادت اللعب على الورقة الاقتصادية للشعب اليمني في ميناء الحديدة خصوصاً، والمنافذ البحريّة بشكل عام.
مراقبون اعتبروا أن اطلاق الصاروخ البالستي يحمل الكثير من الدلالات الكبيرة والمؤثرة على مسار العدوان، ووجدوا فيه ردّاً استراتيجياً يتجاوز حدود المواجهة بين الجيش اليمني وقوى العدوان السعودي، وهنا لا بد من الإشارة التالي:
أولاً: يعد الصاروخ اليمني إنجازاً لما يحمله من رسائل عدّة، تبدأ باعتبار الرياض في مرمى صواريخ اليمن الاستراتيجية، ولا تنتهي بمعادلات مماثلة قد تجعل الرياض مقابل صنعاء؛ مطار صنعاء الدولي مقابل مطار الملك خالد الدولي، الدفاع اليمنية مقابل الدفاع السعوديّة والمقر الرئاسي اليمني مقابل العديد من القصور الملكيّة السعوديّة، وكذلك العديد من المعادلات المماثلة باعتبار أن الرياض باتت في جيب اليمنيين.
ثانياً: إن الرسالة الأبرز لهذا الصاروخ تتعلّق بإسقاط المشروع السعودي الجديد لمحاصرة الشعب اليمني في شريان حياته المائي. في الحقيقة، إن ضربة الفرقاطة السعودية قبل أيّام، وبعدها الصاروخ البالستي بركان يتعلّق بشكل أساسي بالتصعيد الذي تنفّذه الرياض على الساحل اليمني، وتحديداً ميناء الحديدة في إطار عملية الرمح الذهبي. تؤكد العديد من المصادر اليمنية أن الحديدة اليوم تحظى بأهمية كبرى، ولن تتوانى الجهات اليمنية المخوّلة بالرد، عن استهداف المقرّات السعودية الاستراتيجية في حال قرّرت الأخيرة المضيّ في عدوانها.
ثالثاً: لا شكّ أن الرسالة اليمنيّة وصلت خاصّة أنّه لا يزال في جعبة الجيش اليمني الصاروخية (أرض –أرض وأرض-بحر و..) مزيد من المفاجآت والتي ستذهل العالم بأسره كما أذهلتهم هذه التجربة، وفق ما صرّح المتحدّث باسم الجيش اليمني العميد شرف غالب لقمان، الذي أكّد أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من المفاجآت. المفاجأة الجديدة تأتي في سياق عملية الردع والصبر الاستراتيجي خاصّة أنّها تتزامن مع تصعيد عسكري كبير تشهده الجبهات اليمنية خاصة في الساحل الغربي حيث سطرّت القوات اليمنية المشتركة معارك بطوليّة مكبّدة الجانب السعودي الذي يتّكأ على مرتزقة سودانيين وجنوبيين خسائر كبيرة.
رابعاً: السعودية التي لم تعلّق رسمياً على الحادث، وهو أمر مفتعل خشية إثارة قلق سكان العاصمة السعودية ومخاوفهم، إلا أنّها استنفرت وسائلها الإعلاميّة لنفي الحادث، وهو أمر بات معتمد من قبل الرياض. فمن حديث المتحدث باسم التحالف عسيري عن تدمير القوّة الصاروخيّة اليمنية بعد أيام على بدء العدوان، مروراً بنفي السعودي ابتداءً لجريمة الصالة الكبرى في العاصمة صنعاء، واعترافها لاحقاً عبر اتهامها مرتزقتها بإعطاء معلومات كاذبة، ووصولاً إلى حادثة الفرقاطة “مدينة” حيث نفت الحادث إلى أن نشر الجانب اليمني الفيديو، كل هذه الأمور تؤكد اعتماد الرياض على سياسة الخداع السياسي والعسكري للحد من فضائحها، وما خفي أعظم.
ماذا بعد الصاروخ
السؤال الأبرز الذي يدور في أذهان، أعداء الشعب اليمني قبل أصدقائه، ماذا بعد التجربة؟
لا شكّ أنه وإن كانت زمام الأمور العسكرية بيد الجانب اليمني، وتحديداً القوّة الصاروخيّة الاستراتيجيّة للجيش واللجان الشعبيّة، إلا أن ملامح المرحلة المقبلة تبقى بيد الرياض التي تستطيع تجنّب هذه الصواريخ عبر وفق عدوانها على الشعب اليمني، وعدم اللعب بالورقة الاقتصاديّة لهذا الشعب، لأن العواقب ستكون “أكثر من وخيمة”، وفق مصدر يمني.
بعد هذا الرد النوعي الذي يحمل في طياته رسائل ردع استراتيجي، تدرك الرياض أن جميع المطارات والقواعد العسكرية والمنشآت العسكرية والهامه في إحداثيات القوة الصاروخية اليمنية، وتعي جيّداً أن أي محاولة لضرب الاقتصاد اليمني قد تعرّض المرافق الاقتصاديّة السعودية لضربات مماثلة. في الحقيقة، نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية اليوم، في رمي الكرة مجدّداً في الملعب السعودي.
هنا، وقبل أن أختم، أرى لزاماً عليَّ أن أشير إلى نقطتيتن تتعلّق بالحكمة اليمنية التي تحدّث عنها الرسول الكريم محمد (ص). الأولى تتعلّق بقاعدة الصبر الاستراتيجي الذي أذهل الصديق قبل العدو، والأخرى تتعلّق بالحكمة الإنسانية للقوات اليمنية التي لا زالت حتّى الساعة تتجنّب استهداف المدنيين السعوديين وتقتصر ضرباتها على القواعد العسكريّة، رغم علمنا المسبق أن هكذا خطوة لها ما لها من تأثير على مسار العدوان.
مرّة أخرى، نذكر الجانب السعودي بما كتبناه قبل أيام تعليقاً على استهداف البارجة العسكرية السعوديّة، وهو ما كان تكراراً لما كتبنا منذ اليوم الأول للعدوان، أن صنعاء عصيّة على الغزاة، فكلّ الإمبراطوريات التي غزت اليمن منذ ثلاثة آلاف عام خرجت “غير منتصرة”، وهذا الأمر لن يكون عن العدوان السعودي ببعيد.