هُم رحلوا وبقي بشار الأسد: منهم مَن بات مِن الماضي والرجل يصنع المستقبل!
شهارة نت – تقرير :
سنوات وما يزال الرئيس السوري بشار الأسد على رأس الدولة السورية. كلامٌ كثير قيل وتحليلاتٌ كثيرة خرجت. في حين تبدو الحقائق واضحة.
بقي الرئيس الأسد، فيما رحل منهم من تآمر على الشعب والدولة السورية. تغيَّرت الإدارة الأمريكية والسعودية والقطرية، وتبدَّلت اللهجة التركية وأصبح الغرب بأسره رهن تطورات الأزمة. الأسباب لذلك كثيرة لكنها لا تتعدى في مجموعها حقيقة أن المؤامرة الكبرى على سوريا سقطت. فيما لم يكن إسقاط النظام هدفاً بعيداً عن المؤامرة لما له من علاقة بضرب محور المقاومة ومحاصرة إيران. واليوم، نجد المشهد السياسي في المنطقة، مشهداً آخر. حيث يتربع الرئيس الأسد كطرفٍ لا يمكن تجاوزه في أي حلٍ سوري حيث يُحدد وإدارته السياسية معالم المستقبل السوري. في حين نجد أن عدداً من الزعماء بات من الماضي. فما هي قصة هذا التراجع؟ وكيف سقطت المؤامرة؟
التغيُّر في الموقف الأمريكي: براغماتية لا تخجل أمام المصالح!
خلال شهر آذار من العام 2015، بدأ التغيُّر في الموقف الأمريكي. فخرج “جون براينان” مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية ليقول أن واشنطن لا تريد انهيار الدولة السورية وذلك خشية سيطرة الجماعات الإرهابية على الحكم. تناغم معه وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” حين أكمل مشهد التراجع مُصرحاً بأنه على أمريكا وحلفائها التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تأمين الإنتقال السياسي في سوريا. ولم يكتف كيري بذلك بل أعلن استعداد بلاده للتفاوض مع الأسد معتبراً أن هذا هو ما سيحصل في نهاية المطاف.
منذ ذلك الوقت غابت صفة “فاقد الشرعية” عن الرئيس بشار الأسد في القاموس الأمريكي. وهو ما انسحب على الموقف الغربي بأسره. ليُحدث هذا التحوُّل صدمة في السياسة الدولية، لم تكن أقل أثراً من التراجع الذي خلفته لدى الكثير من الأطراف، والتي لحقت بسرعة بلغة الخطاب الأمريكي.
الموقف القطري: صمتٌ تجاه رحيل الأسد!
حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق. رحل في حزيران 2013 عن الحكم، دون أن يشهد أياً من أهدافه التي وضعها نظامه للأزمة السورية. بل تنحى الرجل بإنقلابٍ أبيض، قام به الأقربون. وجاء بعده ولده تميم ليخلُفه. مضى على ركب والده، لكنه سرعان ما خفَّف من خطاب التصعيد. وخلال شهر كانون الثاني من العام 2016، زار أمير دولة قطر الجديد تميم بن حمد آل ثاني روسيا. حينها سادت الكرملين أجواء إيجابية حيث جاءت زيارة الأمير بعد تأخيرٍ بموعدها طال سنة ونصف. والسبب كان موقف قطر من الأزمة السورية والرئيس الأسد.
فقد طالبت الدوحة منذ بدايات الأزمة السورية برحيل الأسد، ودعمت معارضيه سياسياً ومالياً وإعلامياً، ولم تبخل على الساحة السورية بأي نوعٍ من الإرهاب حيث كان لها الفضل الكبير في تمويل وتسليح “جبهة النصرة”.
يوم القمة الروسية القطرية في موسكو، لم يأت المسؤولون القطريون على ذكر الأسد، بل اكتفوا حينها بدعوة الطرف الروسي إلى إيجاد حل لما اسموه معاناة الشعب السوري. فيما كان موقفهم من دعم الحلول السياسية والتي كانت حينها تدعم إشراك الأسد، إعترافاً ضمنياً بالواقع الجديد للأزمة السورية. على الرغم من أنه وقبل شهرٍ واحدٍ فقد من الزيارة، أكد وزير خارجيتها ومن موسكو أن الأسد فاقد للشرعية وهو ونظامه الراعيان الرئيسيان للإرهاب.
الموقف السعودي: بين إرضاء الأمريكي والرضوخ للواقع!
في كانون الثاني من العام 2015 استلم الملك سلمان بن عبد العزيز عرش السعودية. وورث عن سلفه الملك عبد الله حُلم إسقاط النظام السوري وإزاحة الرئيس الأسد. وما يزال الرجل حالماً، دون أي نتائج، لا سيما بعد أن تبدَّلت الظروف وغرقت السعودية في أزماتها الداخلية.
وفي نهاية العام 2016 خرج مسؤولون سعوديون ليُبلغوا موفدين أمريكيين أن الرياض لا تُعارض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد خصوصاً إذا كان هذا هو رأي واشنطن. لكنها تتمنى أن توضح واشنطن رغبتها بعيداً عن براغماتيتها، دون أن تترك السعودية في الواجهة الإقليمية مُنفردة. هذا ما تناقله الإعلام الروسي. والمُبرر السعودي لذلك كان انشغال الرياض بملفات أخرى، حيث لم تعد الأزمة السورية من أولوياتها لكن حقيقة الأمر هي تبدُّل الموازين في سوريا والإنعطافة التركية، وعدم وضوح الموقف الأمريكي خصوصاً مع وصول إدارة جديدة للبيت الأبيض.
التغير في الموقف التركي: تراجع في اللهجة ومراعاةٌ لضرورات الجغرافيا السياسية!
خلال العام 2016، بدأ التغيُّر في الموقف التركي. حيث تراجع الرئيس أردوغان عن موقفه بعد أن فرضت روسيا بحراكها العسكري معادلاتٍ جديدة. وتحولت مجريات الأحداث في الميدان السوري الى واقعٍ لم يعد يستطيع معه التركي المخاطرة. في حين كان تراجعه متزامناً مع تراجع أمريكا والدول الأوروبية. لكن تغير الموقف التركي لم يكن بنتائجه كالتغُّير في المواقف الأخرى لأسباب جيوسياسية معروفة.
ومن عبارة “لا يمكن أن يضطلع بشار الأسد بأي دور في مستقبل بلاده” والتي رددها دوماً الرئيس التركي، الى تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم خلال شهر آب 2016، حول أن الأسد هو أحد الفاعلين في النزاع، وأن الحوار معه قد يساعد في إنهاء الحرب في سوريا، تغيَّر الموقف التركي. فيما يمكن القول أن الرئيس التركي اختلف عن حلفاءه الظرفيين تحديداً قطر والسعودية حيث لا مشكلة لأردوغان البراغماتي، من تغيير موقفه في حال وجد مصلحةً لتركيا في ذلك.
إذن، تبدَّلت الظروف وتغير المشهد. وكثيرٌ من الذين حاكوا مؤامرة إسقاط النظام سقطوا وباتوا من الماضي الذي لن يعود إليه أحد. في حين بقي الرئيس الأسد على رأس السلطة في سوريا، كما أراد الشعب السوري. وهو اليوم يُخطط للمستقبل!