الثورة الإسلامية الإيرانية تضيء شمعتها الثامنة والثلاثون
من طهران :
يحتفل الإيرانيون في مطلع كلّ شهر شباط من كلّ عام، بذكرى قيام وانطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية،
ومن يتابع مسار السياسة الخارجية والداخلية لإيران منذ ثمان وثلاثين عاماً، أيّ منذ أن أضاء الشعب الإيراني شعلة ثورته وإسقاطه نظام الشاه الفاسد الذي رسّخ تبعيّة الدولة الإيرانية للغرب لعقودطويلة، يُدرك أنّ الشهر نفسه من العام 1979 شكّل علامة فارقة في تاريخ الشعب الإيراني، وأعاد تشكيل وبناء وعيه الذي ظلّ لعقود قابعاً تحت حكم جائر، إلى أن جاءت ثورة الراحل الخميني لتخلّصه من ذلك النظام.
اليوم، وبعد مرور ثمان وثلاثين عاماً، نتلمّس بوضوح مدى حكمة ومنهجية عمل الثورة الإيرانية، وقد استطاعت إيران أن تبني نفسها من جديد بعيداً من التبعية للغرب، رغم حجم العقوبات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي فرضها عليها الغرب في محاولة لإخضاعها.
ورغم ثقل حجم الضغوطات الغربية على طهران، إلّا أنّ مسيرة البناء والإعمار والتعليم وتنمية القطاعات الزراعية والصناعية وتطويرها والبحث العلمي… مستمرة في كلّ أنحاء البلاد، فقد دارت عجلة الاقتصاد داخل الدولة بشكلٍ متسارع لتحقّق طفرة كبيرة في العقدين الأخيرين، رغم استمرار الإنفاق المالي كما هو، كما نمت نسبة المشاريع غير النفطية في الدولة بنسبة تجاوزت 36 %، وتوسّعت مشاريع تطوير البنية التحتية بشكلٍ كبير، وقد زادت نسبة الاستثمارات الإيرانية الداخلية والخارجية في قطّاعات مختلفة.
ورغم أنّ الحرب الاقتصادية الأخيرة التي تشنّها دول إقليمية وغربية، »حرب النفط» والانخفاض المتلاحق في أسعار النفط، قد أضرّت بشكل واضح ببعض القطاعات الاقتصادية والمالية الإيرانية، إلّا أنّ المؤشرات الاقتصادية لعام 2017 تؤكّد أنّ الدولة الإيرانية قادرة على التكيّف مع المتغيّرات الجديدة، وخصوصاً بعد إنجازها الاتفاق مع مجموعة دول 5 + 1 على برنامجها النووي رغم محاولات الادارة الأمريكية الجديدة “ادارة ترامب ” التشويش على هذا الاتفاق، علماً أنّ جميع المؤشّرات تؤكّد أنّ أسعار النفط ستبدأ بالتعافي مطلع النصف الثاني من العام الحالي، ما يؤكّد قدرة طهران على تجاوز هذه المرحلة بثبات.
سياسياً وأمنياً، يعلم جميع المتابعين أنّ إيران تعرّضت منذ العام 1979، ولا تزال، لمجموعة مخططات ومشاريع خارجية تمثّلت في حرب الخليج الأولى المباشرة عليها، وتضرّرها بشكل شبه مباشر من تداعيات حرب الخليج الثانية، كما حاولت بعض هذه المخططات إثارة الفوضى في الداخل الإيراني من خلال تحريك بعض القوى المعارضة، والتي ركب الغرب موجها، وكانت هذه المخططات تستهدف ضرب الاستقرار والأمن. لكن إيران نجحت بفضل حكمة قائدها السيّد علي خامنئي وباقي المسؤولين في الدولة، في وأد هذه المخططات وإفشالها، بأقلّ الخسائر الممكنة، وفي الإطار نفسه، استطاعت أن ترسم إطاراً عادلاً لمسار الإصلاح المستقبلي.
أمّا من الناحية العسكرية، فمن الواضح للجميع حجم القوة العسكرية التي يملكها الإيرانيون، والتي ظهرت بشكلٍ واضحٍ مؤخّراً، بعد انطلاق مناورات عسكرية بحرية كبيرة حملت اسم «الولاية 94» وقبلها مناورة «الرسول الأعظم 9»، بالإضافة إلى مناورات أخرى جرت أواخر العام قبل الماضي في جنوب شرقي البلاد وبحر عُمان ومضيق هرمز حتى خليج عدن، تحت تسمية «محمد رسول الله»، والتي اختبر خلالها الجيش الإيراني أنواعاً من الصواريخ والطائرات من دون طيار، والتي شارك فيها الآلاف من الجنود، وامتدّت على مساحة ما بين 3 مليون كلم مربع و2.2 مليون كلم مربع، وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها إطلاق مناورات بهذا الحجم، ما يُثبت تطوّر القدرات العسكرية الإيرانية.
إقليمياً ودولياً، يلاحظ المتابع لمسار الفوضى التي تعيشها دولالإقليم، مدى الحكمة التي تتمتّع بها القيادة الإيرانية التي استطاعت أن تنأى بنفسها، نوعاً ما، عن الانزلاق في فوضى الإقليم، من خلال اتّباعها سياسة واضحة في التعاطي مع كلّ أزماته، كما كانت لها نظرة شمولية عقلانية لمسار الحلول، في خصوص ملفّي البحرين واليمن، بالإضافة إلى دورها الفاعل فيبناء وترتيب حلول لأزمات العراق وسورية، وبذلك استطاعت حكمة وسياسة ودبلوماسية الإيرانيين بناء وتأطير دور بارز على الساحة الدولية والإقليمية.
ومع حجم الإنجازات التي حقّقها الإيرانيون منذ العام 1979 في مختلف القطاعات، لا بدّ أن تبرز مجموعة من التحدّيات أمام الدولة الإيرانية، فقد احتفل الإيرانيون بذكرى انطلاق ثورتهم هذا العام وسط ظروف اقتصادية صعبة نوعاً ما، عاشتها طهران ولا تزال، بسبب «حرب النفط «وتداعياتها، بالتزامن مع انطلاق فصل جديد من التهديدات الأمريكية لإيران ولاتفاقها النووي مع القوى الكبرى، بالإضافة إلى مجموعة ظروف أخرى تعيشها المنطقة، كالصراع في سورية واليمن، وتهديدات الكيان الصهيوني وحلفائه العسكرية المتكرّرة، وعلاقات إيران مع بعض دول الإقليم العربي المتوترة في هذه الفترة.
ختاماً، هذه التحديات المذكورة عايشها الإيرانيون، وما زالوا يعيشون تداعياتها منذ أن قرّروا الخروج من تحت عباءة الغرب والتحرّر وبناء إيران الجديدة. إيران التطوّر الصناعي والديمقراطية. إيران ذات القوة العسكرية والتكنولوجية الهائلة ومحور القوة في الإقليم، فطموحات الإيرانيين هذه واجهتها آلة الحلف الغربي- الصهيوني- الإقليمي وحاولت هدمها على مرّ السنوات وبوسائل عديدة، من العقوبات الاقتصادية إلى التهديدات الأمنية والعسكرية إلى محاولة إثارة الفوضى في الداخل الايراني، لكن بحكمة القيادة ووعي الشعب لخطورة ما يُحاك له منذ انتصار الثورة، خرجت إيران منتصرة.