في العراق..الديمقراطية وهم و سراب أم حقيقة مغيبة و معلقة?!
من المؤكد ان ما حدث على العراق قبل أكثر من ثمان سنوات من غزوا?ٍ و إحتلال معترف به دوليا?ٍ كان مؤشر واضح على زيف أو عدم قدرة الاميركيون وحلفائهم الغرب على فهم واستيعاب حقيقة ان الديمقراطية كمفهوم ونظام سياسي وثقافة مجتمعية من المستحيل ان تفرض بالقوة العسكرية اطلاقا?ٍ على أي دولة ومجتمع في العالم ? خاصة الشعوب الشرقية الذي يتكون نسيجها الاجتماعي وبنائها الفكري خليط من المفاهيم والمعتقدات المحافظة ولا تزال تخضع لعادات وتقاليد دينية وقبلية عشائرية تتحكم الى يومنا هذا بتسيير مجتمعاتنا وفق ثقافة ضيقة ومتعصبة تتناقض في الغالب مع ثقافة الانفتاح والتحرر الفكري النابع عن الثقافة الديمقراطية وبناء مجتمعات مدنية فاعلة .
لذا فمن المؤكد ان التجربة الامريكية أثبتت فشلها الى حدا?ٍ ما بمفهوم نشر الثقافة الديمقراطية بالقوة ? كما ان هذه التجربة انتجت عن انعكاسات سلبية لدى مجتمعاتنا بتقبل الثقافة الديمقراطية وفق المفهوم الامريكي الغربي الذي تم تبنيه بالقوة العسكرية وإيجاد نموذج مشوه كما هو اليوم في العراق ? وهنا نقف عند جملة من التساؤلات التي قد لا تزال اجاباتها معلقة بعض الشيئ ? هل كان ضمن حسابات الامريكيون قبيل غزو العراق ما ستؤول اليه الامور من تدهور امني خطير بات يهدد حتى دول المنطقة حينما اصبح العراق محطة رئيسية لصناعة وتصدير الارهاب وتحفيز النزعات العرقية والدينية وتنشيط النعرات الطائفية والمذهبية الضيقة التي تتقاطع كليا?ٍ مع الثقافة الديمقراطية ناهيك عن التدمير الشامل لمفهوم الدولة المؤسساتية ومالحقها من تفكك مجتمعي يصعب في ضله الحديث عن البناء الديمقراطي الرصين .
وبعد ثمان سنوات هل لا يزال الامريكيون واثقون من جدوى فرض الديمقراطية بالقوة ? وهنا تكمن مشكلة اخرى حينما نتساءل هل ان الامريكيون يسعون فعلا لنشر الثقافة الديمقراطية في المنطقة أم كما يرى البعض من الساسة والمفكرين بأن المسألة لا تتجاوز الكم الهائل من الترويج والتسويق الاعلامي وان جوهر الامر لا يتخطى حدود المصالح الاستراتيجية لامريكا وحلفائها في المنطقة من خلال خلق حزمة من المبررات للتدخل بشتى الوسائل في شؤون دول الشرق ومنها العسكرية لاعادة رسم خارطة المنطقة الشرق أوسطية وفق الرؤية والمفهوم الاستراتيجي الامريكي لها .
ولتناول الشأن العراقي انطلاقا من هذه الناحية ومن زاوية اكثر دقة وتركيز ? نتساءل هل ان العراق اليوم يتمتع حقا?ٍ بالديمقراطية التي وعد بها الامريكيون قبيل الحرب وبعدها ? وان كان يتمتع بها ? فما هي أوجه تلك الديمقراطية في العراق ? سواءا?ٍ على مستوى الدولة ومؤسساتها أو على المستوى السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي ?
منطقيا?ٍ لو نتناول الحالة العراقية بالعودة الى ما كان عليه العراق قبل عقود من الزمن سنجد انه لا وجود لدولة مؤسسات وفق المعايير الديمقراطية المتعارف عليها وأنما دولة مؤسسات متحزبة منحازة بشكل كامل للحزب الواحد وم?ْسيره وفق الاهداف والبرامج للحزب الحاكم حصرا?ٍ سواءا?ٍ كان شيوعي ام قومي ام بعثي الامر الذي ادى لاتجاه الدولة نحو الدكتاتورية بإعتماد سياسة الاقصاء والتهميش والملاحقة بذريعة الخلاف او الاختلاف الفكري والسياسي ?اما التجربة المستوردة الى العراق بعد العام 2003 لم تؤسس اطلاقا?ٍ لدولة مؤسسات بالمفهوم المتعارف عليه نظريا?ٍ وعمليا?ٍ وقد يكون الجانب النضري للتجربة اكثر حضور من العملي ان لم نقل عن الاخير انه مغيب بشكل كامل ? فما انتجته تلك التجربة حكومات سلطوية تتضارب فيها الولاءات والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة وتتقاسم فيها الادوار وفق مبدأ المحاصصة في كل مفصل من مفاصلها السياسية والاقتصادية في البلاد وحتى في الزعامات السياسية والدينية والعشائرية ? الامر الذي زاد من حدة الصراعات بين الاطراف المتنافسة حتى اصبحت الخلافات الشخصية بين القادة والرموز لهذه القوى والاحزاب تتحول لصراع يأخذ اطار سياسي لغرض التبرير الامر الذي انعكس بشكل كارثي على وضع البلاد برمتها ? بمعنى اخر ان مكونات الحراك السياسي اليوم في العراق من حركات واحزاب سياسية كبيرة كلا?ٍ منها بمثابة حكومة مستقلة عن بعضها البعض لها قدراتها و كيانها الخاص وتتضارب وتتقاطع في الاهداف والاجندات في قلب النظام السياسي الواحد .
كما ان غياب النهج الديمقراطي والذي كان من المفترض ان يكون حاضر وبقوة في النظام السياسي الجديد من السلوك الحكومي والبرلماني في العراق واضح و واقع حال لا غبار عليه ويتمثل هذا الامر بتعطل اغلب القوانين المشرعة في مجلس النواب وعدم التزام الحكومة بتطبيقها على ارض الواقع مما ابقاها حبرا?ٍ على ورق وضمن نطاق خامل غير فعال فضلا?ٍ عن غياب أو ضعف الدور الرقابي من السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب على السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة واجهزتها بتطبيق القوانين .
ووفق النظام الديمقراطي المعمول به في دول العالم المتحضر يعتبر فصل السلطات التشريعية والتن