ترامب وخلع قناع المحارب “المُخَلْص” القادم من الغرب.. النفط العراقي نموذجاً!
رأي في الاحداث :
كثيرة هي الخطابات والوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي الجديد إبان حملته الانتخابية للوصول إلى سدة الحكم في أمريكا، وليس بالمبالغة القول أن كل تلك التصريحات والوعود وبلا استثناء كانت مثيرة للجدل وللتساؤلات حول حقيقتها والهدف منها
ذهب البعض في حينها للقول أنها ليست سوى فقاعات إعلامية انتخابية لا تغير بالمعادلة شيء، خاصة أن التوقعات والإحصاءات (المثيرة للجدل أيضا) كانت تشير إلى الفوز الحتمي لمنافسته، أما بعد فوز ترامب (الغير متوقع) فلم يعد من الممكن حصر تلك الخطابات في إطارها الانتخابي الضيّق. فاليوم ترامب هو الرئيس الفعلي لأمريكا وقد يكون هذا الأمر هو السبب وراء الجواب الحاسم لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أكد فيه أن النفط العراقي هو للعراقيين، مؤكدا عكس ما صرح به ترامب حول العراق ونفطه وهذا ما سنحاول في سياق عرضنا الإضاءة عليه حتى لا يلتبس لترامب وغيره الموقف، إذ يصدق على ما نطق به خلال المرحلة الانحطاط الغير مسبوق في مستوى الخطاب، على أقلّ تعبير. وبالعودة إلى رئيس الوزراء العراقي فقد أكد خلال الأيام الماضية في لقاء صحفي وجوابا على سؤال حول تصريحات دونالد ترامب أن النفط العراقي ليس سوى للعراقيين، وأضاف العبادي أنه ومن خلال مكالمة هاتفية بينه وبين ترامب ومن قنوات أخرى رسمية تم التأكيد على استمرار الدعم الأمريكي للعراق أكثر من ذي قبل في مكافحة الإرهاب على كافة الأصعدة.
هذا وكان ترامب قد ألمح في وقت سابق من هذا الأسبوع وفي حديث له مع مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية، إلى أنه كان حري بواشنطن الاستحواذ على النفط العراقي إبان غزو العراق عام 2003. طبعا كلامه هذا كان قد كرره مرارا وتكرارا خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية، على اعتبار أن تحرير العراق (كما يسميه) قد كلف المليارات، لذلك من الطبيعي الاستحواذ على احتياطات النفط العراقي لتسديد فاتورة التحرير المزعوم.
إزاء هذا الكلام، لا بد لنا من البحث عن السبب الذي يدفع ترامب إلى هذا الاعتقاد، وغالب الظنّ أنّه من السهل الجواب على هذا السؤال إذا ما راجعنا الخلفية السياسية والثقافية للمواطن الأمريكي “دونالد ترامب”، فيمكن لنا هنا أن نبرر للرئيس الأمريكي الجديد هذه الخطابات، على قاعدة أنها ناتجة من الضعف في الثقافة السياسية التي يتمتع بها. مثله كمثل الكثير من أفراد الشعب الأمريكي (المخدوع) الذي رسمت له الإدارات الأمريكية المتعاقبة صورة “هوليوودية” في ذهنه للمحارب الأمريكي الذي لا يُقهر، والذي يجول العالم لإرساء الأمن والسلام، طبعا كل ذلك ليس سوى بهدف تحقيق الرسالة التي يحملها هذا المحارب، وهي نشر الديمقراطية والأمان ومكافحة الفقر والفساد، وكل ذلك مدفوع التكاليف من جيب المواطن الأمريكي، ومن يقول أن أمريكا إنما غزت العراق من أجل النفط فهو ساذج، ومن يقول أن أمريكا قتلت وشردت مئات الآلاف من العراقيين إبان نشرها غزوها العراق فهو لا يعرف قيمة الديمقراطية ولم يتذوق طعم الحرية يوما. كذلك، من يفكر بمخالفة العم سام ولو بالفكر فهو خارج عن القانون الدولي، معاد للقيم الديمقراطية ومجحف بحق من يقدم الغالي والرخيص في سبيل نشر السلام في العالم.
مهلاً مهلا، أوليس ترامب من المستثمرين في هوليوود؟ بلى. إذاً كيف لترامب أن يُخدع بأسطورة المحارب الأمريكي القادم من الغرب، وهو من الشركاء في صناعة هذا النموذج الذهني للأمريكيين، فالمسألة تختلف هنا، فهو ليس مواطنا عاديا، بل هو خلاصة سلالة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تمخضت بالنهاية عن هذا النموذج الذي يشكل الوجه الحقيقي لأمريكا. أمريكا التي تعتقد أن الاقتصاد العالمي إنما بُني ليخدم اقتصادها، بما في ذلك الاقتصاد الأوروبي والصيني واقتصاد الطاقة العالمي، ومن ضمنه نفط الشرق الأوسط، الذي ولو كلف وصول المحارب الأمريكي إليه إحراق شعوب المنطقة بكاملها لفعل.
ختاما وللتأكيد، ليس الأمر هو تلك الصورة الأسطورية للمحارب القادم من الغرب لتخليص البشرية هي السبب وراء ما قاله وسيقوله ترامب وغيره، بل السبب هو حس التفوق والنرجسية الأمريكية التي تطبع أداء وسلوك الإدارات المتتالية منذ تأسيس أمريكا إلى اليوم، دولة أسست على قاعدة تفريق عرق على آخر ولون على آخر، لا يمكن لها إلا أن تحكم العالم بهذا الأسلوب. الفرق الوحيد اليوم والذي يميّز ترامب عن أسلافه، أنه قرر نزع القناع عن الوجه الأمريكي الذي كان للأمس القريب يتلبس بلباس المحارب المخلص. وللتهكم فقط، من حسن حظنا اليوم أن الوجه الأمريكي بدأ بإشهار أنيابه بوجه حلفاء الأمس من دول أوروبية وعربيّة تدور في فلكه منذ عقود.