اول من قال لا لمبارك.. المشع وطنية ونبلا?ٍ.. ضياء الدين داوود
لم يكن ضياء الدين داوود رفيقا?ٍ لجمال عبد الناصر في جماعة الضباط الأحرار التي فجر?ت ثورة 23 عام 1952? ولم يكن أكاديميا?ٍ لامعا?ٍ حملته كفاءاته وخبرته إلى أعلى المواقع في الحكومة المصرية كما كان التقليد السائد آنذاك? ومع ذلك نجح خيار ضياء الدين داوود أن يتقدم بسرعة? لا تتجاوز السنوات الأربع في مراتب القيادة السياسية المصرية حتى بات عشية وفاة ناصر عضوا?ٍ في اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي التي كانت يومها القيادة السياسية العليا في مصر? وكان أعضاؤها جميعا?ٍ من ضباط ثورة 23 يوليو ما عدا ذاك الشاب الصاعد من وهج التحسس بآلام الشعب في محافظة دمياط.
عام 1964? تقدم ضياء الدين داوود بالترشح لعضوية مجلس الشعب? بعد أن لمع اسمه في عدة مجالس محلية وتحركات شعبية في مسقط رأسه (الروضة) في محافظة دمياط? فإذ به يحقق فوزا?ٍ كاسحا?ٍ لفت انتباه جمال عبد الناصر? الذي كان يبحث عن قيادات شابة يجدد بها ومعها شباب الثورة في مواجهة التحديات.
شعر عبد الناصر يومها إن وصول هذا الشاب إلى المقعد النيابي لم يكن بفعل الاعتبارات والعوامل التقليدية التي كانت تدفع بأعضاء مجلس الشعب إلى مقاعدهم في أنظمة كنظام الرئيس عبد الناصر? بل كانت بفضل شعبية هذا الشاب وتعل?ق أبناء بلدته ومحافظته به لما عرف عنه من خلق عال?ُ? وشجاعة صادقة? ومن تفان في خدمة الناس والدفاع عن حقوقهم.
لذلك سرعان ما اختاره عبد الناصر وزيرا?ٍ للعمل والشؤون الاجتماعية ثم دعا إلى انتخابه في اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي? ودائما خارج الاعتبارات والمقاييس الحاكمة أو الناظمة حينها للاختيار لمثل هذه المواقع.
وهكذا بدأ ضياء الدين داوود حياته النضالية والسياسية متميزا?ٍ وبقي كذلك حتى رحيله وهو في الخامسة والثمانين من عمره.
ورغم أن ضياء الدين داوود لم يكن جزءا?ٍ من الصراعات الدائرة داخل ضباط قيادة الثورة وأجهزتها? والتي اتضحت بأقسى أشكالها في ما يسميه الناصريون والقوميون بردة 15 مايو (أيار) 1971 التي قام بها أنور السادات ضد رفاقه القدامى وزج بهم في السجن لسنوات طويلة تمهيدا?ٍ لخياراته السياسية الخطيرة بعد ذلك الحين? إلا ان داوود اختار معارضة السادات ونهجه منحازا إلى علي صبري? وشعراوي جمعة (رحمهما الله)? ومحمد فائق? وسامي شرف (امد الله بعمرهما) وغيرهم وغيرهم فدخل السجن معهم رغم أن السادات صر?ح لعدد من أصدقائه: “أنا نادم لأنني لم استطع أن أكسب ضياء الدين داوود”.
وبقي لداوود مكانته واحترامه حتى لدى الأوساط الحاكمة في عهد مبارك مما مكنه من الحصول على ترخيص للحزب العربي الديمقراطي الناصري (1992) بعد أن فشلت محاولات عدة لتأسيس أحزاب ناصرية أخرى أبرزها الحزب الاشتراكي العربي الناصري الذي كان وكيل مؤسسيه المناضل القومي الكبير الراحل فريد عبد الكريم.. وكان داوود احد مؤسسيه.
في تجربته الحزبية واجه ضياء الدين داوود عثرات وثغرات? كان أغلبها ذا طابع تنظيمي أو شخصي أو نتيجة تباين بين أجيال وبيئات متنوعة انخرطت في الحزب الناصري الوحيد المرخص رسميا? لكنه دائما?ٍ كان في خياراته الاساسية شجاعا?ٍ? سباقا?ٍ في اتخاذ المواقف? مبدئيا?ٍ مدافعا?ٍ بصلابة عما يعتقده حقا?ٍ.
لقد كان احد القلائل? وربما الوحيد بين قادة الأحزاب الرسمية في مصر? الذي قال بملء صوته في الانتخابات الرئاسية ما قبل الأخيرة: لا لمبارك? فغضب الرئيس الذي لم يكن قد تجرأ عليه أحد آنذاك? وصمم على الانتقام من المناضل الشجاع والجريء في القول والعمل? فعمد إلى إسقاطه مرتين في انتخابات مجلس الشعب في دائرته الانتخابية التي كان ينال أكثرية أصواتها بسهولة فائقة في دورات سابقة? كما عمد إلى إطلاق عمل الأجهزة ضده في حزبه? وضد الجريدة التي ترأس مجلس إدارتها? جريدة (العربي) التي كانت ترفع الصوت عاليا?ٍ? حين لم يكن يجرؤ الآخرون.
أما في قضايا الأمة? فلم تمنعه انشغالاته الانتخابية والسياسية والحزبية المصرية أن يكون ابرز المواكبين لها? بدءا?ٍ من معارضته القوية والعنيفة لاتفاقات (كمب ديفيد) وصولا?ٍ إلى مساندته للمقاومة الفلسطينية ودوره المميز في مواجهة الحصار والعدوان والاحتلال في العراق? وحرصه الدائم على وحدة القوى العروبية والتقدمية مما دفع المؤتمر القومي العربي إلى انتخابه أمينا?ٍ عاما?ٍ له عام 2000 خلال دورة انعقاده العاشرة في الجزائر? كما اختاره المؤتمر القومي الإسلامي عضوا?ٍ في لجنة المتابعة المنبثقة عنه لعدة دورات.
لقد مثل ضياء الدين داوود نموذجا?ٍ في النضال والعمل السياسي يستحق منا الوقوف عنده حيث جمع بين اله?م المحلي والوطني والقومي بشكل يستحق الإعجاب? وحيث جمع بين الصلابة في الموقف والدماثة في الخلق? والنبل في السلوك على نحو استحق معه احترام من يخالفه الرأي بقدر احترام وود من يوافقه الرأي.
ولعل التعويض الأكبر الذي ناله القائد الكبير قبل الرحيل انه لم يغمض عينيه إلا بعد أن رأى شعب مصر يتحرر من خوف كان ضياء الدين داوود من أوائل الذين تحرروا م