( العالم العربي بين نوعين من الثورات)
عندما انهزمت( الدولة العثمانية)والتي كانت تفرد جناحيها على القارات الثلاث( أسيا وإفريقيا وأوروبا)وتفككت وانهارت على أيدي الغزو الصليبي بعد(الحرب العالمية الأولى)والتي كانت تشكل (الإطار السياسي الجامع لآمة الإسلام)فأول ما قام به هؤلاء الغزاة الصليبيون هو شق الأمة الإسلامية الواحدة إلى أمتين,فصرنا (الأمة العربية)و(الأمة الإسلامية) ومن اجل تثبيت هذا الشق في جسد الأمة الواحدة أنشئوا(القومية العربية) لتكون في مواجهة الإسلام وبديلا عنه وكإطار سياسي بديل للدولة الإسلامية,وشقوا العالم الإسلامي إلى عالمين(عالم عربي)و(عالم إسلامي)وذلك لمنع وحدة المسلمين من جديد,وبعد ذلك قاموا بما هو اشد حقدا وخطورة حيث قاموا بتفتيت ما عرف بالعالم العربي بعد(الحرب العالمية الأولى)وتحويل هذه الفتات إلى دول ودويلات ومشيخات وإمارات منزوعة الإرادة لا يرقى بعضها إلى مستوى الحارات في بعض المدن في العالم الإسلامي,ورسموا لها بالفرجار والمسطرة والقلم حدودا,ووضع على كل حدود راية وعلامة س?ْميت ب(علم الاستقلال) لتميز الفتات عن بعضه,وعين على هذا الفتات قادة وزعماء وحكام أطلقوا عليهم ألقاب ومسميات مختلفة,وأنشئوا جامعة تحفظ هذا الفتات وتمنع توحده سموها(جامعة الدول العربية)وما هي إلا مفرقة للأمة العربية,وأوكلوا لها مهمة الحفاظ على هذا التفتيت والتقسيم والانشطار,والعمل على إجهاض ومحاربة أي محاولة لإعادة تجميع هذا الفتات وإعادته إلى ما كان عليه,والعمل على ترسيخ التفرقة بين أبناء الأمة الواحدة وتجذ ير مفهوم الهويات القطرية التي تعبر عن هذا الفتات المبعثر وإغراء العداوة والبغضاء بين من يحملونها من اجل أن لا تقوم للأمة قائمة ومن أجل أن يتهيأ المناخ المناسب والواقع النتن والقذر لنشوء الكيان اليهودي في فلسطين,فبدون هكذا واقع سياسي وجغرافي وديمغرافي كان لا يمكن لهذا المشروع أن ينجح أو يستمر,فكان هذا الواقع بجميع أبعاده هو الذي وفر لهذا المشروع مقومات الوجود,وهذه الدول الفتات ذات الأشكال المنتظمة وغير المنتظمة أصبحت تشكل خارطة عالمنا العربي التي رسمها(سايكس الإنجليزي وبيكو الفرنسي)حيث اقتسمتا بريطانيا وفرنسا بموجب ما عرف(باتفاقية سايكس بيكو)هذه الخارطة بعد(الحرب العالمية الأولى)فكانت بريطانيا صاحبة النصيب الأكبر من العالم العربي,لذلك كانت معظم الدول في العالم العربي خاضعة وتابعة للإرادة البريطانية وتسيرها كيف تشاء.
واستمر هذا الحال إلى أن جاءت( الحرب العالمية الثانية) التي استمرت ما بين عامي 1939- 1945 والتي كانت من نتائجها انهيار(النظام الدولي القديم)الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى والذي تزعمته بريطانيا وفرنسا ونشوء نظام دولي جديد كان من ابرز نتائجه ظهور الولايات الأمريكية والإتحاد السوفيتي على مسرح الأحداث الدولي,واحتلت الولايات المتحدة دور اللاعب الرئيسي في صناعة وإدارة الأحداث وتراجع دور بريطانيا وفرنسا إلى الخلف,والذي مكن الولايات المتحدة من لعب هذا الدور هو أن بريطانيا وفرنسا خرجتا من الحرب مهلهلتين مترنحتين مفلستين وخصوصا فرنسا التي ه?ْزمت في بداية الحرب واحتلها(هتلر)من البداية ولم تتحرر من ألمانيا إلا والحرب على وشك الانتهاء,وان الولايات المتحدة الأمريكية كان لها الجهد الأكبر في دحر قوات دول المحور(ألمانيا واليابان وإيطاليا)ولولا هذا الدور لكان من الصعب تحقيق الانتصار,ونتيجة لهذا الدور وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في المكان والزمان والقدرة على فرض إرادتها على بريطانيا وفرنسا وإجبارهما على التنازل عن مناطق نفوذهما في العالم وخصوصا في العالم العربي, ومن أجل هذا الهدف ع?ْقد(مؤتمر يالطا)الشهير على البحر الأسود في عام 1945 والذي حضره رئيس الوزراء البريطاني( تشرشل) ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية( فرانكلين روزفلت)ورئيس الاتحاد السوفيتي(ستالين)وكانت نتيجة هذا المؤتمر هو إعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم بين هذه الدول الثلاث وحصلت الولايات المتحدة على النصيب الأكبر.
وما أن انتهت(الحرب العالمية الثانية)وبعد عدة سنوات وفي نهاية عقد الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي حتى بدأ تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في(مؤتمر يالطا)وهو إعادة توزيع النفوذ بين(دول الحلفاء)المنتصرة في الحرب,والسؤال المطروح في هذه الحالة كيف ستقوم الولايات المتحدة بنقل مناطق النفوذ البريطاني والفرنسي إلى نفوذها وسيطرتها??هل بالاحتلال العسكري المباشر كما فعلت بريطانيا وفرنسا??? أم هل بالسيطرة غير المباشرة وذلك عن طريق تعين حكام جدد في هذه المناطق يقومون بالدور المطلوب منهم وبما يخدم مصالح الولايات المتحدة وبما ينوب عن الاحتلال العسكري المباشر???فتفتق ذهنها الشيطاني عن وسيلة خبيثة وآمنة وممكن أن تخدع بها الشعوب بسهولة وتغطي على حقيقتها,وهذه الوسيلة هي(الانقلابات العسكرية المغلفة بغلاف ثوري)وكان هناك ثلاثة أشخاص في الإدارة الأمريكية مشهورين حينذاك ينفذون الإستراتيجية الأمريك