لومبرغ: القيادة السعودية لا تنام بعض الليالي بسبب جحيم اليمن
شهارة نت – استطلاع :
لدى المملكة العربية السعودية ترسانة أسلحة أكبر مما لدى خصومهم في اليمن وهذا ليس غريبا في حرب تشنها أغنى دولة على أفقر دولة. ولا يزال السعوديون يجتهدون في فرض قدراتهم.
بعد أشهر من إعلان رؤسائه السياسيين أن الحملة في اليمن قد انتهت، تعرض حرس الحدود التابع للعقيد مسعود علي الشواف للهجوم الاعتيادي الذي يشنه الحوثيون. والشواف هو مسئول عن العمليات على طول الخط الحدودي في نجران التي تشكل وديانها وصحاريها تحدي لمنع التسلل والتهريب. ويواجه الان بـ “متمردين” يمنيين يطلقون الصواريخ من قواعد محمولة ثم يدفنونها تحت الصخور خوفا من الرد.
ويتحدث العقيد من قاعدة بئر عسكر، التي تبعد حوالي عشرة أميال عن الحدود:” تحدث الاشتباكات دائما،” مضيفا أن قواته قد صدت هجوما عبر الحدود اليوم الأول. ويقول الشواف:” يتغير الخطر ويتزايد منذ بداية الحرب ولدينا إصابات تدل على ذلك.”
ويتمثل التحدي الأكبر للمملكة العربية السعودية في ترجمة الثروة النفطية إلى نفوذ إقليمي أكبر، وهو الشيء الذي تعهدت بالقيام به القيادات الشابة. وكان هناك مؤشرات قليلة على نجاح شامل العام الماضي. حيث لا تزال الحرب اليمنية مستعرة وفي سوريا دحر المقاتلون الذين تدعمهم السعودية خارج معقلهم في حلب، وتبدو مصر التي تغمرها السعودية بالدولارات مترددة أحيانا في مسايرة سياستها الخارجية.
حرب باهظة الثمن:
وبالفعل لتلك السياسة ثمن باهض عندما تفرض المملكة تقشفا على مواطنيها من أجل إجراء توازن في الاعتماد على الطاقة من أجل الاقتصاد عقب تدهور أسعار النفط. بيد ان لم تكشف الحكومة عن فاتورة حربها في اليمن، أو عن مدى دعمها للمقاتلين في سوريا. لكن يضل الصراع عبئا متناميا في الوقت الذي انحسرت فيه عائدات النفط إلى 200 مليار دولار من الأصول الخارجية للسعودية في العامين الماضيين. وهو الموضوع الذي لم ترد الخارجية السعودية على طلب للتعليق عليه.
ويقول جيمس دورسي، وهو مختص في شئون السعودية وزميل كبير في الدراسات الدولية في جامعة نانيانج التقنية في سنغافورة “تكلفهم الحرب نقدا كبيرا في الوقت الذي يحتاجون فيه التركيز على إعادة هيكلة اقتصادهم وتنويعه.”
الصراع في اليمن لا يفترض أن يطول:
تدخلت السعودية في مارس عام 2015 في اليمن وقادت تحالف شنت من خلاله ضربات جوية مكثفة ونشرت عدد محدودا من الجنود على الأرض. وتحاول إعادة الحكومة اليمنية التي تتمتع باعتراف دولي رغم أنها فقدت معظم البلاد لصالح “المتمردين الشيعة” المعروفون بالحوثيين ويقول السعوديون عنهم أن لديهم علاقات مع الشيعة التي تحكم إيران والتي تعد العدو اللدود للمملكة.
دمار هائل:
قال ولي ولي العهد السعودي ومهندس التحول في الخطط السعودية محمد بن سلمان في مقابلة أجريت له في مارس أن طرفي الصراع في اليمن ” أجروا تقدما كبيرا” في حل صراعهما. ومنذ ذلك الوقت انهارت محادثات السلام مرارا.
ويقول السفير الأمريكي السابق لليمن ستيفن سيتش وهو نائب رئيس تنفيذي لمعهد دول الخليج العربي في واشنطن:” من الصعب أن نصف هذا التدخل السعودي بالناجح.” حيث لم تحقق حملة القصف السعودية هدفها في إركاع الحوثيين. بل سببت دمارا هائلا على البنى التحتية في اليمن ومعاناة كبيرة على الشعب.
وقتل وجرح أكثر من 10،000 يمني، حسب الأمم المتحدة، وقالت اليونسيف الشهر الماضي أن 2.2 مليون طفل يمني يعانون نقص حاد في التغذية.
وفي مقارنتها باليمن، يعتبر أثر الحرب على الجارة السعودية قليل. لكن يتجلى أثرها في محافظة نجران. حيث يظل المطار مغلقا وتتعرض لقصف مدفعي بشكل منتظم وأغلقت المدارس. وتقصف الصواريخ الحوثية مركز المدينة بانتظام حسب زعمه.
و يزعم قائد حرس الحدود محمد القحطاني، الذي نقل أسرته من المدينة من أجل سلامتها” تسبب صواريخهم اضرار على الأحياء السكنية وليس على أهداف.”
صورة عامة:
صرفت السعودية أموالا على طرق جديدة من أجل السماح للجنود التحرك للجبهة سريعا وعلى قواعد جديدة من أجل منع الحوثيين من قصف الأراضي السعودية.
وتغيرت الصورة العامة للحرب أيضا. حيث بدأت فقط عندما ظهر الأمير محمد كأقوى مسئول في الأسرة المالكة وحظي على دعم قوي بين السعوديين الذين سعدوا في أن تلعب دولتهم دورا قويا. ولعبت دعاية الحكومة في الملصقات على المقاتلات والمنتشرة في شوارع الرياض وهي حاملة صور الأمير البالغ من العمر 31 عاما و بث التلفزيون الرسمي للمناورات العسكرية. لكن مثل هذه الصور أصبحت نادرة الان.
يقول فهد ناصر، المستشار السياسي في السفارة السعودية في واشنطن رغم أنه لم يتحدث نيابة عن نفسه:” يبقى الدعم للتدخل السعودي والحرب عموما قويا في الرأي العام.” بينما يوجد” مواساة كبيرة” للمحنة الانسانية في اليمن. ويقول ناصر هناك شعورا أيضا في أن هناك تجاهل بارد فيما يفعله الحوثيون بالمدنيين في المملكة واليمن نفسها ويتطلب ردا قويا حسب زعمه.
وتقول السعودية أن قتالها هو من أجل كبح النفوذ الإيراني. ومع ذلك يظل “المتمردون” في اليمن الذين لا يزال ارتباطهم بإيران محل خلاف يسيطرون على معظم البلاد. وكذلك يستعيد الرئيس السوري الحليف مع إيران بشار الأسد محافظة حلب من الجماعات المسلحة المدعومة من السعودية. وتبقى مصر غير واضحة فيما يخص الأسد. وبالرغم من أنها عضو في الأوبك، فإن التحول السعودي الكبير في نوفمبر الماضي والمتمثل في موافقتها على تخفيض الانتاج لن تلتزم به إيران التي ٌسمح لها في تعزيز انتاجها تحت الصفقة النووية.
مقاتلي الجبال:
لا تقاتل السعودية الأعداء الحوثيين فقط في اليمن، بل وايضا فصائل من الجيش اليمني التي تتلقى أوامرها من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي شكل تحالفا مع الحوثيين، وليس من خلفه المدعوم سعوديا. ويقول القحطاني، بعض هؤلاء الجنود تلقوا تدريبات على أيادي أمريكيين من أجل قتال القاعدة ويستخدموا الان في عمليات خاصة ضد السعوديين.
الحوثيون هم خصوم أقوياء أيضا حيث ينظر إليهم على أنهم مدربون على قتال الجبال، ينشطون عادة تحت تأثير تخدير أوراق القات أما في الأجزاء التي يسيطر عليها عملاء السعودية، تشكل داعش والقاعدة خطرا متزايدا. حيث قتل انتحاري ينتمي لداعش أكثر من 50 جنديا في المدينة الجنوبية عدن.
يعبر حلفاء السعودية عن امتعاضهم من سير الحرب وعن قلق من قتل المدنيين. وعقب عرض محامون بريطانيون عن تجارة الأسلحة مع السعوديين، أعلنت المملكة الشهر الماضي أنها ستوقف استخدام القنابل العنقودية المصنوعة في بريطانيا. وفي شهر ديسمبر الماضي، أوقفت الولايات المتحدة بعض صفقات الأسلحة وبدلا من تصدير صواريخ تعمل بأنظمة الريثيون، سيدرب الأمريكيون على تطوير مهارات الاستهداف السعودية. وفي كندا يخضع رئيس الوزراء جاستينتروديو لضغوط من أجل إلغاء صفقة بقيمة 11 مليار لبيع عربات مقاتلات للمملكة.
قال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري الشهر الماضي في السعودية من الضرورة أيقاف الحرب اليمنية. ولهذا هناك جهود دولية نسبية من أجل هذا المنحى على غرار محاولات السلام المتعددة والفاشلة من أجل سوريا. وهذا يجعل السعودية عرضة للمساءلة.
ويقول سوليفان وهو استاذ أمن في جامعة جورجتاون في واشنطن:” أنا متأكد من أن القيادة السعودية لا تنام بعض الليالي بسبب اليمن.” ويضيف:” والأمور الأكثر سوءا هي تلك القادمة والتي لها أثمان باهظة وليس لها حل واضحا أو نهاية. فالحرب هي نار واليمن هي الجحيم.”
بانوراما الشرق الاوسط