العدوان السعودی على اليمن والتحول الإعلامي الغربي
شهارة نت – تحليل / عبدالعزيز المكي
مما هو معروف، أن الإعلام الغربي، غالباً ما يتجنب الحديث عن النظام السعودي، انتقاداً أو فضحاً، الّا لماما، لان دوائر النظام أقامت شبكة من الاتصالات، والارتباطات مع مراكز إدارة هذا الإعلام، حيث نجحت هذه الشبكة أو الشبكات من شراء سكوت هذه الأوساط، لقاء أموال طائلة يدفعها أركان النظام لهذه المراكز الإعلامية المؤثرة، أكثر من ذلك، أن هذه الأوساط الإعلامية أو بعض منها، يتجاوز السكوت عن معايب آل سعود، إلى اختلاق محاسن لهم! ومكاسب يتحدث بها ويضخم منها، ويضلل الرأي العام العالمي، العربي والإسلامي بشكل خاص، مما يقوم به آل سعود من تآمر على هذه الأمة وعلى إسلامها !!
وظلت العلاقة بین النظام السعودی والأعلام الغربي محكومة بهذه المعادلة، طيلة العقود الماضية، حيث لم يعتريها التغيّر، الّا في السنوات الخمس الأخيرة، وبعد أن بدأ الإرهاب الوهابي التكفيري يضرب في عمق أوربا.
وحتى في البداية، كان التحول الإعلامي تجاه النظام السعودي خجولاً، لا يمتلك الجرأة على قول الحقيقة كاملة، إنما يكتفي بإشارات مبهمة وغير مفهومة، إذ يتحاشى خدش النظام السعودي بشكل مباشر، كما أن الأوساط الإعلامية الغربية التي بدأت بكسر المعادلة السابقة كانت أعدادها محدودة وتكتفي بنقل أو بالإشارة إلى التقارير أو المعلومات التي يوثقها بعض المنظمات الدولية الإنسانية أو غير الإنسانية.
العدوان السعودی على اليمن والتحول الإعلامي الغربي
ولقد ظل الإعلام الغربي في تحوله إزاء ما يقوم به النظام السعودي من سياسات تخريبية في المنطقة والعالم، ظل مبتسراً وعلى نطاق محدود جداً، حتى قيام هذا النظام بشن العدوان على الشعب اليمني قبل أكثر من عشرين شهراً، حيث انتقل هذا الإعلام إلى مرحلة جديدة، أصح فيها أكثر جرأة وتحدياً، وأكثر تناولاً لجرائم النظام السعودي التي ارتكبها ويرتكبها في اليمن، ولم يكتف بوصف هذه الجرائم وبيان دمويتها وبشاعتها، وفضح إجرامية النظام السعودي وحسب، وإنما انتقل هذا الأعلام إلى انتقاد الحكومات الغربية وتحليلها المسؤولية بالمشاركة في هذه الجرائم باعتبارها المزود الرئيس لهذا النظام بالأسلحة الفتاكة، ولقد تناول الكتاب والمتابعين هذا التحول الإعلامي، وسلطوا الأضواء عليه.
بيد أن استمرار النظام السعودي في سياساته الخاطئة، وفي ارتكابه الجرائم المروعة في اليمن وفرضه الحصار الظالم على الشعب اليمني، وفي تدخلاته السافرة في شؤون الدول الأخرى مثل العراق وسوريا وليبيا وو.. وفي مواصلته نشر ودعم الإرهاب الوهابي التكفيري وتمويله وتسليحه، في المنطقة والعالم، كل ذلك فرض على الإعلام الغربي الانتقال إلى مرحلة جديدة منذ شهرين أو أكثر، تميزت هذه المرحلة بالجرأة غير المعهودة، وبتناول قضايا كانت تعتبر من المحرمات فيما يخص النظام السعودي وسياساته، وفي هذه المرحلة الجديدة يجد المتابع و المراقب لتغطية وسائل الإعلام الغربية، أنها تركز على ثلاثة أمور أساسية وفي غاية الخطورة والحساسية بالنسبة لآل سعود هي ما يلي:
1- فضح النظام السعودي والتطاول على الأسرة الحاكمة، إذ كان التطاول على الأسرة السعودية من الخطوط الحمراء، ومن المحرمات عند هذه الأوساط لان النظام السعودي كما أشرنا فيما مر، كان قد عقد صفقات مع هذه الأوساط على عدم التعرض إلى القضايا الداخلية التي تخص الأسرة الحاكمة، أما اليوم فهذا الإعلام بات يتحدث عن خصوصيات بعض الأمراء والأميرات، وفسادهم واستبدادهم وطغيانهم، ولاحظنا كيف أن الصحف البريطانية ومنها الاندبندنت والغارديان، تناقلت الصراع المحتدم بين الأمراء، على خلفية تسلط بن سلمان، ولي ولي العهد، على مقاليد الحكم، وطموحاته للوصول إلى عرش المملكة عندما يموت والده أو يتقاعد، وكذا الأمر بالنسبة للصحف الأمريكية، فصحيفة نيويورك تايمز كانت قد نشرت تقريراً خلال زيارة بن سلمان لواشنطن قبل عدة أشهر واستمرت عدة أيام التقى خلالها عدد كبير من المسؤولين الأمريكيين، قالت الصحيفة في هذا التقرير مدعية أن محمد بن نايف ولي العهد الحالي والمنافس لمحمد بن سلمان، مريض ويعاني من آثار مرض مزمن ويمكن ان يتنحى عن ولاية العهد لمحمد بن سلمان، وهو تقرير تشحن بمعلومات كثيرة، كذبها مكتب بن نايف فيما بعد وقال عنها انها كلها مختلفة وغير واقعية ونفى المكتب أن يكون بن نايف قد أصيب أو جرح كما زعمت الصحيفة الأمريكية. أما المغرد السعودي “مجتهد ” الذي تجمع الصحف الغربية على انه أحد أمراء آل سعود المقيمين في الخارج، فالصحف الغربية تتابع تغريداته على توتير وتنشرها لحظة بلحظة حول ما يجري في دهاليز العائلة السعودية الحاكمة المظلمة والتي تجري وراء الأستار. وفيما تناولت الصحف الغربية فساد بعض الأميرات السعوديات وفساد بعض الأمراء، وتحدثت مطولاً عن ذلك، والمتابعون والمحققون يعرفون هذه الحقيقة، فأن هذه الصحف أو بعضها وصلت الى درجة أنها تعرضت إلى الملك نفسه سلمان بن عبد العزيز بالتجريح والانتقاد، فعلى سبيل المثال أن صحيفة الأندبندنت البريطانية قالت في عددها يوم 21/10/2016 أنه ” عندما توفي شقيق سلمان البالغ من العمر80 عاماً، الملك عبدالله في العالم الماضي، سارع سلمان السيطرة مقاليد الحكم، وارتكب العديد من الانتهاكات وأصدر قرارات إعدام ضد المعارضين”وتحدثت الصحيفة البريطانية مطولاً من الانتهاكات والممارسات البشعة التي يمارسها سلمان بحق هؤلاء المعارضين الذين قالت الصحيفة، أنهم لم يفعلوا شيئاً يهدد النظام سوى أنهم طالبوا بتعديلات دستورية وإصلاحات سياسية في ظل حكم الأسرة السعودية، واختتمت الصحيفة تقريرها قائلة ” إن حبس أعضاء لجنة بتهم واهية هي السخافة بعينها، وإذا كان هؤلاء الرجال وجهت لهم تهم الأضرار بسمعة البلاد فعلى حكام آل سعود أن يحاسبوا أنفسهم أيضاً على هذه التهمة، كما انه يتوجب عليهم أن يعلموا أن القمع لا يقتل الحرية ولا يسكت معارضة قوية “.
2- المساواة بين النظام السعودي والإرهاب، واعتبار ان هذه النظام مصدر والحاضنة الفكرية للإرهابيين، وبالتالي تحميل هذا النظام المسؤولية عن كل الجرائم والمذابح التي ترتكبها قطعان الوهابية التكفيريين في العالم. وذلك ما يشكل تطور في غاية الخطورة بنظر آل سعود، إذ لم يجرأ قبل ذلك أي من وسائل الإعلام الغربية، على الخوض في مثل هذا الأمور، وللإشارة على سبيل المثال لا الحصر، أشار رئيس حزب الحرية والديمقراطية المباشرة والنائب في البرلمان التشيكي توميواوكامورا، في حديث لموقع (أوراق برلمانية) التشيكي ، يوم28/12/2016 إلى ” أن النظام السعودي يمول الإرهابيين والمتطرفين ويثير الحروب ويمارس القتل والتعذيب ومع ذلك يتم التغاضي عن جرائمه، لأنه يسير وفقاً للسياسات الغربية بينما تعتبر سورية فقارنه به رائدة في الديمقراطية والحريات المدنية والدينية ومع ذلك يتم فرض إجراءات قسرية أحادية الجانب عليها وتعكير الاستقرار فيها “. في السياق ذاته… أكدت صحيفة لوفيفا والفرنسية يوم 19/12/2016، أن فرانسوا فيون مرشح حزب (الجمهوريين) اليمني للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة كان قد رفض مقابلة محمد بن سلمان، ونقلت الصحيفة عن المحيطين بالمرشح المذكور قولهم ” تلقينا بالفعل عدة طلبات من عدة مصادر لمقابلة فرانسوا فيون، ولكننا لم نرد حتى الوقت الراهن”. وكان فيون قد قال في اكتوبر2016 “السعودية ليست بالتأكيد حليفتنا “.وذكرت صحيفة لوفيغارد أيضاً أن فيون ” يحمّل في خطاباته السعودية المسؤولية عن تمدد الإسلام المتطرف في العالم وبخاصة في فرنسا، ويخشى السعوديون من أن يعين فيون في حال وصل إلى الاليزية، برونو لومار كوزير للخارجية، والأخير لا يخفي توجهه بإعادة النظر في العلاقات الفرنسية – الخليجية وبخاصة مع السعودية “.والى ذلك وصف موقع (مينت بريس نيوز) الأمريكي في 19/12/2016 السعودية بأنها اكبر راعٍ للإرهاب في العالم، مشيراً إلى أن هذه الدولة الخليجية تعتبر من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وان واشنطن ستدفع ثمناً باهضاً لهذا التحالف، نتيجة تزايد العواقب الدموية من السياسة التي تتبعها الرياض. وأكد موقع (مينت بريس) ان استراتيجية السعودية ساهمت في توسيع الحروب بالوكالة (السنية) ضد الشيعة والعلمانيين في مختلف أنحاء المنطقة، لافتاً أي الموقع الأمريكي، إلى أن التجربة الأفغانية باعتراف وكالة المخابرات السعودية كانت تقوم على استخدام المتعصبين الأصوليين السنة في الحروب ضد العلمانيين بالشرق الأوسط والشيعة. ولفت الموقع الأمريكي أيضاً إلى أنه شملت الوثائق السرية التي قدمت الى ويكيليكس من برقيات دبلوماسية لوزير الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وكبار المستشارين الأمريكيين أن الجماعات الجهادية تتلقى ملايين الدولارات من المملكة العربية السعودية.
3- دعوة بعض الأوساط الإعلامية وحتى بعض الأوساط السياسية الغربية إلى تقليم أظافر هذا النظام أو حتى إسقاطه، باعتباره المصدر الأساسي والحمول للارهاب العالمي، وباعتباره نظام يرتكب الجرائم المروعة في اليمن ضد الشعب اليمني المحروم، وضد شعوب المنطقة مهدداً بذلك استقرار الدول والشعوب في تلك المنطقة… وفي هذا السياق. قالت صحيفة الغارديان البريطانية يوم 12/12/2016 ” أن المملكة السعودية تخوض في الشرق الأوسط حروباً بالوكالة، فضلاً عن مساعيها لتغزير شكل معين للإسلام في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وقد كان النفط مربحاً ومعاوناً قوياً لها في تحقيق استراتيجيتها …” وأضافت الصحيفة البريطانية قائلة انه ” الآن يمكن توقع أن كل هذا سينتهي وربما قريباً وان الأمور ستتجه نحو الأسوأ كارثية في المنطقة . والمملكة السعودية تواجه اليوم نفاذ المال، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمنع ذلك، فإن الزخم نحو إفلاس يبدو انه لا يمكن وقفه “. واعتبرت الصحفية البريطانية أن آل سعود قد يسقطون من الحكم فجأة كما حدث مع شاه إيران، وربما تحدث الثورة الدينية ويقع تصادم مع السلطة ويتم الاستيلاء على المخزون الضخم من الأسلحة في البلاد.
الأكثر من ذلك، والأخطر، أن الكونكرس الأمريكي صوت على قانو جاستا، أي قانون معاقبة النظام السعودي باعتباره راعياً للإرهاب ومسؤولاً عن الأحداث التي حصلت مبنيي التجارة الدولية بنيويورك عام 2001م، وبموجب هذا القانون يمكن لذوي الضحايا الأمريكيين مقاضاة النظام السعودي ومعاقبته وتجريمه بدفع غرامات وتعويضات مالية هائلة لذوي الضحايا هؤلاء. ولا تكمن خطورة هذا القانون في انه قد يكون السبب في ابتلاع كل الاحتياطي النقدي السعودي في الولايات المتحدة والذي يبلغ مئات البلايين من الدولارات وحسب، وإنما أكد وكرس إرهابية ودعم النظام السعودي للإرهاب، حيث لا يستبعد المراقبون أن توظف الإدارات الأمريكية ذلك بتجريم النظام السعودي، أو بإسقاطه، أو ابتزازه كلما رأت حاجة في ذلك، أو حتى ما رأت أن الوقت قد حان التخلص منه.
ليس هذا وحسب، وإنما تنصلت الإدارتان الأمريكية والبريطانية من جرائم النظام السعودية التي يرتكبها في اليمن وأيضاً استخدامه الأسلحة المحرمة دولياً مثل الأسلحة والصواريخ العنقودية، ذلك على الرغم من أن هاتين الإدارتين هما من دفعته أي النظام السعودي إلى شن الحرب وهما إلى جانب بعض الحكومات الغربية من مدة، بالصواريخ والقنابل العنقودية، لكنها اليوم يقرران باحتمالات وقف تزويده بهذه الأسلحة، وتأكيدهما انه استخدمها ضد اليمنيين ما يؤشر ذلك إلى دلالات سياسية وحتى عسكرية يعرفها النظام السعودي جيداً.
خطر النظام السعودي على العالم
ما تقدم يؤشر إلى عدة أمور في غاية الأهمية، نشير إلى بعض منها بما يلي:
1- بدأت الأوساط الغربية، أوساط الصحافة والرأي العام، خصوصاً نستشعر بأن الحليف السعودي بات يشكل خطراً على الاستقرار العالمي وعلى الغرب بشكل خاص باعتباره الحاضن والمحمول والراعي والناشر للإرهاب في العالم، وبات هذا الرأي يضغط على الحكومات الغربية من أجل مراجعة سياساتها تجاه العلاقة مع هذا الحليف الخطر، فصحيفة الغارديان البريطانية تساءلت في تقرير لها عن العلاقة البريطانية مع نظام آل سعود والمكاسب التي تحصل عليها الحكومة البريطانية وأجابت الصحيفة، بأن المكاسب تنحصر في عقود بيع الأسلحة وتصدير العمالة، وفي التعاون لمكافحة الإرهاب، وبخصوص القضية الأخيرة، مكافحة الإرهاب، طرحت الصحيفة البريطانية إشكالية كبيرة بالقول ” أنه إذا كان من الضروري قبل احد عشر عاماً التصدي للتطرف، فأنه من الأجدر اليوم تقليم أظافره، فكيف يتم ذلك وبريطانيا تتعاون مع السعودية مصنع التطرف والوهابية ؟!”. وأضافت الصحيفة قائلة ” إننا فقدنا بعض المصداقية، ويمكن أنه نعتقد سلامتنا الخاصة وهناك الكثير أسوأ من ذلك، حيث لا يصح أن نقول إننا نحقن استخدام الأسلحة ضد المدنيين في حلب ونورد هذه الأسلحة لاستخدامها ضد المدنيين في اليمن”؟
2- قد تكون تلك الإنذارات وقصص فضح النظام السعودي مقدمة لإسقاطه أو تقليم أظافرة، ما يعزز هذه الرؤية، هي تواتر الأخبار المنقولة عن متنبأين ومحللين غربيين حول سقوط النظام السعودي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت صحيفة الديل ميل البريطانية ابرز توقعاتها لعام2017 من خلال تنبؤات الصحفي البريطاني المعروف بيتر أوبورن، بينها الإطاحة بالملك السعودي الحالي الملك سلمان. وقد تكون تلك الإشارات، هي بمثابة أجراس إنذار لأسياد آل سعود، لحملهم على اتخاذ الحيطة والحذر من احتمالات سقوط هذا النظام الذي بات وشيكاً بسبب فشلة في حرب اليمن وبسبب تدخلاته الإجرامية في سوريا والعراق ودول عربية أخرى.
3- واناصح الرأي بأن تركيز بعض وسائل الإعلام الغربية على النتائج والحالات غير السارة لآل سعود بسبب عقم عدوانهم على اليمن وبسبب تدخلاتهم، فأنه يمكن القول، أن ذلك يشكل مقدمة لتقسيم السعودية، ومن الجدير الإشارة إلى أن تقسيم السعودية يشكل مفردة من مفردات المشروع الأمريكي الصهيوني الغربي في المنطقة، وهذا ما صرح به أكثر من محلل وخبير سياسي وأمين غربي أو أمريكي.