الفنتازيا رداء?ٍ للتثوير في التجربة القصصية عند محيي الدين زنكنه
تمهيد:
يقد?م المبدع محيي الدين زنكنه في مسيرته القصصية الط?ويلة تجربة إبداعية مفتوحة على رصيد عملاق من التأويلات والانزياحات والرؤى التي تؤسس لطرح إشكالات فكرية تستفز? مخيال المبدع والمتلقي?وتتمخ?ض عن رؤية قصصية تدين لمعطيات واقع زنكنه?ولتجربته الإنسانية الخاصة التي تنبثق من ذاته?لتصبح امتدادا?ٍ لواقع الجماعة المعاش لعدد من عقود العذاب والحرمان والاستبداد.
والدعوة إلى الثورة على كل? قوى الظ?لم والاستبداد والش?ر والطغيان هي من أهم الثيمات الكبرى التي تنتظم وفقها تجربة زنكنه القصصية الذي يتدث?ر بالس?رد الفنتازي بشقي?ه الغرائبي والعجائبي من أجل الاضطلاع بعملية التنوير التثوير بغية الكشف عن سقوط الظلم وتهاويه وزيفه في إزاء عدالة البحث عن واقع ينبض بالحرية والإخاء والعدل الذي يقد?م الصورة المنشودة للوجود البشري في المعمورة.وهو يصر?ح في معرض حديثه عن ملابسات نشر قصته”اللات والعز?ى”عن اتجاهه للدعوة إلى الثورة?ومجافة الص?مت شأنه شأن الكثير من الكتاب العراقيين الذين لم يصمتوا على الر?غم من صرامة الظ?روف التي حاصرتهم إب?ان عد?ة عقود في العراق?إذ يقول في تعليله لنشر قصته بعد حبسها زمنا?ٍ طويلا?ٍ عن الن?شر:”فإن?ني لا أفعل ذلك حب?ا?ٍ في نشرها حسب?وإن?ما أيضا?ٍ دليلا?ٍ ووثيقة على أن? الأقلام العراقية?وبالر?غم من القسوة التي أحاطت بكل? شيء لم تركن إلى الس?كون?ولم تختبىء في الحيوب” (1)
إطلالة على الفنتازيا:
عندما نتكل?م عن الفنتازيا في الأدبيات الس?ردية ?فإن?نا نتكلم ابتداء عن حضور الس?ردين العجائبي والغرائبي في هذه الأنساق الإبداعية أكانت شفوية أو كتابية?وسواء أكانت ذات طابع ديني أو أدبي خالص.ووقفة سريعة على المعاجم العربية تقودنا إلى أن? من تلك العلائق التي يؤسسها المعجم بين كلمتي ( الغريب و العجيب ) وما يحاذي مدار فلكهما من كلمات مثل الخارق والمعجز والترد?د والش?ك والخوف ? تؤس?س هاتان الكلمتان شبكة دلالية واحدة تنبثق من الخروج عن المألوف والقاعد?ة ? واتب?اع الاستثنائي والشاذ في بنية تلو?ح إلى امتصاصهما من صيغة اللفظة المفردة والجملة ? وإفرازهما من جديد في بنية النص? المتكامل ? والحدث الذي يلد أحداث?ٍا من جلدته .(2)
ويشب?ه فورستر رواية الخوارق في بعدها عن الواقع بالطائر وظله . فكل?ما أرتفع الطائر إلى الأعلى قل? الشبه بينه وبين ظله ? كذلك مؤلف الر?واية ? كل?ما أفرط في الابتعاد عن الحقيقة ?والإفراط في الخيال?قل? التشابه بين ما يرويه وبين الواقع .(3)
والفرق بين رواية عادية وأخرى غرائبية أن? الروائي –من النوع الأو?ل – يكتب روايته ولسان حاله يقول :- هاهو ذا شيء قد يحدث في حياتكم ? في حين أن? كاتب النوع الثاني يكتب وكأن?ه يقول :- هذا شيء لا يمكن ان يحدث . ومع ذلك فهو يتوقع من القر?اء أن يتقب?لوا كتابه ويستقبلوه ? حتى لو تضم?ن أشياء?ٍ مستحيلة ? من نوع تأخر ميلاد طفل عددا?ٍ من الأشهر?أو مشاركة الأشباح للشخوص? أو ظهور ملاك بين الشخصيات ? أو أي شيء آخر .(4)
وهذا التضمين للأشياء المستحيلة يخل? بالعناصر الأساسية التقليدية المكو?نة للرواية أو القص?ة القص?يرة ? فيخرجها إلى جنس آخر وهو( العجائبي? والغرائبي? ) . وهذا الإخراج يعد? حسب الثقافات والعصور تقصيرا?ٍ مذموما?ٍ أو فضيلة يرحب بها(5) وان كان البعض يراه تأكيدا للقاعدة التي خرقها و خرج عليها ? لأن? ذلك الخروج يستدعي الانتباه إليها ويبرزها بكل? جلاء ويضع الإصبع عليها.(6)
وقد تسل?ل هذا النزوع إلى فنون الإنسان جمعاء من نحت ورسم و أساطير وحكايات.أم?ا الر?واية فقد غدا الخيال بها إلى عوالم أخرى ? “فهناك في الر?واية أكثر من الزمن أو الأشخاص أو المنطق أو أي من مشتقاتها وحتى أكثر من القدر . وبعبارة أدق لا أعني شيئ?ٍا يستثني هذه العوامل ولا حتى يضمها أو يحويها بل شيء يقطعها مثل شعاع الضوء الذي يرتبط معها في مكان واحد وبصبر يلغي كل? مشاكلهم ? وفي مكان آخر يقطعهم . شعاع الضوء هذا هو الخيال” (7)
وهذا الخيال يكاد لا يبرح أي عمل أدبي إذ إن? أي عمل أدبي هو بناء خيالي وإن اكتسب معطياته من الواقع . ولكن هذا الخيال ينـزع إلى أي نوع آخر عندما يفك? الع?ْرى بين الواقع واللاواقع ? ويشكل? عالما?ٍ مغايرا?ٍ أو مفارقا ?ٍللعالم الذي نعرفه ? عالما?ٍ عجائبيا?ٍ أو غرائبيا?ٍ أو مزيجا?ٍ مثيرا?ٍ من العالمين .
وهو من بداية القص?ة يتخلى عن عالمه الواقعي ويدخل عالما?ٍ آخر مسلما?ٍ بقوانينه ومنطقه . ففي حكايات الجن لا يثير حضور الجني وعمله وطاعته لمالك القمقم استغراب شخصيات القص?ة ولا قر?ائها?بسبب تواطؤ القارئ مع من يخالف منطقه ? وتخل?يه مؤقت?ٍا عن حس?ه النقدي ? وقبوله بدخول اللعبة الفنية . ومما يساعد على هذا التواطؤ أن? القارئ يستسيغ العودة إلى تصورات الطفولة التي سبقت اكتساب التفكير العقلاني.(8)
فجنس العجيب أو العجائبي? : يتحد?د إذا قر?ر القارئ أن?ه ينبغي