خطاب الرحيل ….!!
عندما تنحى الرئيس التونسي كان يعرف جيدا أنهم في بلاده لن يقبلوه بعدها .. ولم يعد لديه مايخاف عليه في تلك البلاد … وخرج من بيته كولد عاق ..تائها .. لا يعرف إلى أين يذهب ?
وحسني مبارك يترك قصره الفخم .. ليختار شرم الشيخ .. مقرا لحكمه الأخير على عائلة مصرية صغيرة متمثلة في أسرته …وإن كان قد إنفرط عقدها من بين يديه كما انفرط عقد نظامه …
ومعمر يرفض المغادرة .. معتمدا على قوة ضاربة وقرارات دولية لم تحزم أمرها إلا بعد أن يكون قد أحرق ليبيا عن بكرة أبيها .. إلا إن كانت إرادة الله – وهي الغالبة – ترجح الكفة لصالح ثوار ليبيا …!!!
وعلي عبد الله صالح .. الذي لا ترجح كفتي الميزان بقاءه أو رحيله .. ماذا يتوقع الراغبون في مغادرته .. حول مكان مغادرته .. وهل سيغادر نحو جدة ويلتقي ” بن علي ” أم سيبقى .. ولكن في مكان يفضله ويختاره .. فأين ?!!!!
الإنصاف يستدعي أن نقول أن صالح ليس مكروها من كل شعبه .. فهناك من الشعب من لايهتم بتاتا بالسياسة .. ولا بالمظاهرات .. ولا بمن يحكم أو من يذهب .. وهناك من لايريده في اليمن بكلها .. وحجتهم في ذلك أنهم يرونه سبب كل الخراب الموجود في البلاد.. وأن البطالة والفقر وجدا وتزايدا منذ بدأ يقدم وعودا بإنهاء البطالة والقضاء على الفقر .. وأنه سمح لأمريكا بضرب أبناء البلد وقتما شآءت وفي أي مكان .. كما أدخل البلد في حرب ضروس مع الحوثيين .. لاطائل منها ولا هدف .. غير أنها أكلت الأخضر واليابس ..!!!
كما أنه قدم الوعود تلو الوعود .. لمحاربة الفاسدين ومقارعة الظالمين .. وإدخال البلاد في نهضة عمرانية وإقتصادية خلال أعوام من إنزال برنامجه الإنتخابي .. ولم يحقق منها شيئا .. ناهيك عن الجرع .. وقد سئموا من كل تلك الوعود !!
كما أنهم لن ينسوا له قيامه بتقليد أبنائه وأقاربه مناصب قيادية عليا .. لايستثنى منها أبناء مديريته .. بينما كان هناك من هم أكفأ منهم وأجدر بتولي تلك المناصب …!!
يحدثني أحدهم قائلا ” أبناؤه يدرسون في أرقى المدارس والمعاهد والجامعات .. ويحق لهم الذهاب لأمريكا وبريطانيا لتحصيل العلم وحتى السياحة والسفر .. والفقراء لايستطيعون حتى دخول مدرسة أو جامعة حكومية .. وإن دخلوها سيكون بالدين ..!!”
وهناك من لايرى رئيسا للبلاد غير صالح .. من باب ” إنه من وجدناه أمامنا ” .. ومن باب أن كل من في اليمن ليسوا رجالا – مع تقديري – وهو الرجل الوحيد المحنك في البلاد .. ومن باب أنه قدم الكثير والكثير .. وحد اليمن .. وحافظ على وحدته في 94 م .. وجعل الفضاء رحبا لأرباب الطوائف الدينية المختلفة .. وفتح البلاد على مصراعيها .. للعفو عن كل من أخطأ في حقه وحق البلاد .. وأمن الحدود .. وصالح الجيران .. ودافع عن علماء اليمن ضد الإتهامات الأمريكية بالإرهاب ..!!!
والآن المشهد يكاد يبلغ من السخونة مبلغه .. ففي ساحة التغيير ” شباب الثورة ” يرون أنه لم يعد هناك مجال للحوار .. وأنه لابد ل”صالح ” من الرحيل .. ويقصدون منه مغادرة الحكم .. وله كل الحقوق التي هي لبقية أفراد الشعب .. وسيذكرون له كلما قدمه من أجل البلاد .. كما سيذكره له التاريخ .. والتاريخ لايظلم أحدا ..!!
وأخشى ما أخشاه .. أن يبلغ المشهد حد الدموية .. فالشعب مسلح .. وغالبيته قبلي .. والقوات المسلحه يكاد يمسك بزمام الأمور فيها أبناء وأقارب الرئيس .. مع أن هناك قنوات فضائية بثت أخبارا عن ثورة قام بها أفراد من الأمن المركزي .. تجمهروا داخل ساحة المعسكر .. يهتفون ” الشعب يريد إسقاط النظام ” أمام ناظري أركان حرب الأمن المركزي ” يحيى محمد عبد الله صالح ” .. الذي اضطر لمغادرة معسكره غاضبا .. !!
فهل يعقل أن نشهد ثورة شعبية داخل المعسكرات على قادتها ..?!!
والآن .. لنتخيل لبرهة ماذا سيحصل في حال قرر صالح التنحي .. كيف سيكون خطاب التنحي .. ومن سيلقيه .. وأين سيكون ساعتها .. وأين سيذهب بعد التنحي .. وكيف سيكون حال البلاد بعد التنحي ?!!
طبيعة صالح تحتم عليه أن يلقي خطابه بنفسه .. لا لشيء .. إلا لأنه لايثق بتاتا بالمحيطين به وبحنكتهم .. حتى وإن تعلق الأمر بخطاب الرحيل .. !!
في بث مباشرتذيعه كل القنوات والإذاعات الرسمية والخاصة .. يقف بأناقته المعتادة ” ياشعبي العزيز … لقد أتيت إلى السلطة ليس على ظهر دبابة ولابالمدفع والرشاش .. وحملت كفني .. وبذلت جهدي لخدمة بلادي .. حتى حققت الوحدة في زمن كانت فيه المتغيرات السياسية ثمثل خطرا على أي تفكير جدي نحو توحد قطري أووطني .. ودافعت معكم وبكم عن الوحدة من شر الإنفصال وخطر الإشتراكية في 94م .. وسعيت لتعميق التجربة الديمقراطية واللا مركزية في الحكم… الفساد موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها .. وكانت الظروف الإقتصادية أقوى من الجميع .. والآن وأنا اتخذ هذا القرار التاريخي .. أرجو أن يظل اليمن آمنا مستقرا .. وان تهدأ نار الفتنة بمجرد رحيل علي عبد الله صالح …!!”
فهل يعتبر هذا بالفعل خطاب رحيل .. أم خ