ترامب .. واللجام الصهيوني
بقلم | حسن شقير *
لم يكن الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين ، دونالد ترامب بدعاً عن أسلافه الذين سبقوه في التأكيد على إلتزامهم السرمدي في حماية الكيان الصهيوني ، وتقديم شتى أنواع الدعم له ، لا بل أنه زايد عليهم في ذاك “ السخاء “ ، مردداً قبل انتخابه وبعده ، بأن أمن الكيان الصهيوني ومصالحه العليا هي في رأس أولوياته ، متعهداً بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس .
رافق ذاك الهدف الترامبي الإستراتيجي ، جملةً من التعهدات والوعود الإنتخابية ، والتي تُعنى بتقديم صورة ٍ أوليةٍ عن سياساته الخارجية المستقبلية ، وذلك فيما خص العديد من الملفات المحورية في منطقة الشرق الآوسط ، بدءً من محاربة الإرهاب ، وصولاً إلى نمط تفكيره الغريب في العلاقات الآمريكية الخارجية ، سواء مع خصوم أمريكا اللدودين ، أو حتى مع بعض من حلفائها التقليديين أيضاً .
سنتناول في هذه العجالة ، ثلاثٌ من التعهدات الترامبية ، والتي ما فتئ يكررها طوال حملاته الإنتخابية المتتالية ، أو حتى في بعضٍ من مناظراته التي تُعنى بالقضايا الخارجية في السياسة الأمريكية العتيدة .
تعهداتٌ ثلاث :
١- يتعلّق التعهد الترامبي الأول ، بملف الإرهاب الذي يمثل داعش ، عنواناً أمريكياً له في المنطقة ، متعهداً ، بآنه – وبعكس من أتهمهم من بعض خصومه بإيجاد البيئة الخصبة لولادته – سيحاربه ، وبقوة ، حتى القضاء عليه كلياً ، مستطرداً بأن الرئيس الأسد وروسيا ومحور الممانعة – خصوم أمريكا – ، هم جميعاً ، أطرافٌ أساسيين في الحرب عليه ، وصولا ً إلى تصريحه الشهير ، بأنه “ ليس من أولوياته تغيير النظام في سوريا” .
٢- أما التعهد الترامبي الثاني ، والذي شكّل صدمةً لكثيرين ، يتعلق بإسقاط نظريته الإقتصادية في كيفية جني الآرباح المادية ، وذلك على نمط العلاقات السياسية مع بعضٍ حلفائه الدولتيين ، وتحديداً الخليجيين منهم ، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ، وذلك عندما تحدث عن الثمن المادي المتوجب على هؤلاء دفعه ، وذلك مقابل نيل حظوة الرعاية والحماية الآمريكيتين لهم .. وإلا ٌ فلا !
٣- ثالث تلك التعهدات ، يتمحور حول نظرته اليمينية المتطرفة لإيران ، والتي تعهد مراراً ، بآنه سيعمل على تمزيق الإتفاق النووي معها ، وذلك في حال فوزه بالرئاسة ، مزايداً بذلك على غريمته الديمقراطية هيلاري كلينتون ، والتي أسهمت بشكل فعّال في وضع استراتيجية أمريكا في العهد الأوبامي الأول ، والمبنية على “ سياسة تجميع العالم ضد إيران “ ، وذلك في تعزيزٍ وتطويرٍ لإستراتيجية نظيرتها السابقة ، كونداليزا رايس ، والتي كانت تنادي بضرورة “ تفليس البنك المركزي للإرهاب في العالم “ .
تعهداتٌ ثلاث ، يقابلها ثلاث من الإشكاليات ، والتي تُعنى بفحصها وقياسها ، أمام الهدف الترامبي “ الأسمى “ أعلاه .
إشكالياتٌ ثلاث :
– في الإشكالية الأولى حول التعهد الآول ، وقياساً للهدف المشار إليه ، فإن هذا الأخير ، -وبدون أدنى شك – يُعتبر الناظم الأول لسياسات ترامب العامة في المنطقة ، وعليه ، فإن مضمون تعهده في ضرورة القضاء على الإرهاب في سوريا ، وتحديداً إرهاب داعش منه ، فإن ذلك ربما سيمثل ربحاً صافياً للدولة السورية ، وبناءً عليه ، ستعود هذه الأخيرة – ولو مثخنة بالجراح – ، وبقيادتها الحالية ، إلى مربع المقاومة من جديد ، وهذا بحد ذاته ، سيعتبره الكيان الصهيوني ، ضرباً لآمنه القومي من جهة ، ودوساً لبعضٍ من خطوط نتنياهو الحمراء في أية تسوية فيها ، وهذا ما لا يخفيه قادة الكيان السياسيين والبحثيين ، على حد سواء .
– في الإشكالية الثانية ، حول التعهد الثاني ، والذي يتوجه فيه خليجياً ، وتحديداً نحو السعودية ، ومعها باقي دول الخليج ، مطالباً إياهم – وبدون مواربةٍ – ، بالرضوخ للإبتزاز الحمائي الباهض الثمن ، ولفترة زمنيةٍ ، قد لا تستطيع المملكة على حملها، وذلك بسبب المخاض الإقتصادي العسير ، الذي تعانيه هذه الأيام .. الأمر الذي سيفرض عليها ، بأن تسلك إحدى من المسارات الثلاث الأتي ذكرها ، والتي سيكون بعضها ممنوعاً من الصرف ، كمسار المملكة في اللجوء إلى التصالح مع إيران ، وذلك تدعيماً للحماية ، والذي سيلامس ساعتئذٍ الخطوط الحمراء الصهيوأمريكية معاً ، والسبب بسيط ، كون ذلك الخيار المستحيل ، سيجعله متضاداً مع أحد أهداف ترامب، في عداوته الشديدة لإيران ، وبالإضافة إلى تضاربه أيضاً ، مع مصالح الكيان الصهيوني في سعيه الدؤوب “ للإنفتاح “ على عرب الإعتدال ، ومتابعة سياسة فرّق تسد ، والتي تنتهجها الصهيونية على مر تاريخا ، فضلاً عن أن هذا الخيار- المستحيل ، سيدحض نظرية نتنياهو بأن “ فلسطين ليست ممراً إلزامياً للتطبيع مع العرب . ..أما المسار السعودي الثاني من هذا الموقف الترامبي تجاهها ، فلربما ، سيدفع بالمملكة إلى تسريع عملية إرتمائها الكلي ، ومن معها من باقي دول الخليج في الحضن الصهيوني .. وهذا بحد ذاته مطلباً صهيونياً صافياً.
–
أما في الإشكالية الثالثة ، والتي تُعنى بالتعهد الترامبي الثالث ، فإنه ، وحتى لو استطاع ترامب ، التملص من بنود الإتفاق النووي ، فإن ذلك سيقدم – بتقديري – مزايا استراتيجية للجمهورية الإسلامية ، وذلك سيجعلها أولاً أمام الرأي العام العالمي ، بأنها ضحيةً ومعتدىً عليها ، وثانياً ، سيعزز من الرأي العام الداخلي الإيراني ، والذي يعتبر بأن أمريكا كاذبة في تعهداتها ، وأنه لا فائدة من الإنفتاح عليها ، وهذا الآمر لا أعتقد بأنه يخدم المصالح العليا لأمريكا آو حتى للكيان الصهيوني ، والسبب يعود ، إلى أن سياسة نزع الشرعية ، والتي يجهد الكيان عن دفعها عنه ، وإلصاقها بإيران ، سترتد حينها حتماً على أصحابها ، وإن ذلك سيؤدي أيضاً ، إلى خلع الأختام واللجام عن مستويات التخصيب النووية الإيرانية إلى نسبٍ قد تكون خطرة ، مما سيفرض على أمريكا والكيان معاً ، للعودة مجدداً إلى ما يحاولا الهروب منه ، طوال كل تلك السنوات المنصرمة ، وذلك من ناحية العودة المبغوضة إلى زمن الحروب البوشية الإستباقية ، والمتعارضة مع ما أعلنه ترامب نفسه ، حول التزامه بمبدأ عدم التدخل المباشر في الخارج ، فضلا ً عن ذلك أنه قد يؤدي إلى حربٍ ، لا يستطيع ترامب أو نتنياهو التنبؤ بمداها الحيوي ، أو حتى أمدها الزمني .
خلاصة الأمر ، وفي العشرين من كانون الثاني يناير المقبل ، سيكون اللجام الصهيوني ، حاضراً أمام ترامب ، وذلك كضرورةٍ في تغليبٍ للهدف الترامبي أعلاه على تلك التعهدات الغوغائية ، والتي دغدغ بها ترامب بعضُ من في الداخل أو حتى في الخارج ، وعليه فإن الرئيس الجديد هذا ، سيتحتم عليه – وبدون أدنى شك – القراءة في بعض ما سلف من تاريخ أقرانه الآقربين ، من بيل كلينتون وفضيحته المدوية مع مونيكا لونسكي .. إلى جورج دبليو بوش وحذاء منتظر الزيدي الشهير ، ولربما حينها يمتطي ترامب “الجواد الصهيوني الأصيل” فضلا ً عن تناول لجامه !
*باحث وكاتب سياسي