لعبة أميركية خطيرة في اليمن
منذ اليوم الأول في الرئاسة? اعتبر الرئيس أوباما ومستشاره في مجال مكافحة الإرهاب جون برينان أن الشأن اليمني هو على رأس الأولويات الأميركية بسبب وجود ‘القاعدة في شبه الجزيرة العربية’… صحيح أن صالح كان يعمد إلى المناورة وإطلاق بعض الأكاذيب في تعامله مع الولايات المتحدة? لكن يصعب تخيل قائد أكثر مرونة منه في تلك المنطقة.
قبل يوم من بدء عمليات قصف الصواريخ الأميركية على ليبيا? أقدمت قوى الأمن المحلية في اليمن- على ب?ْعد مئات الأميال من ليبيا- بقيادة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح المدعوم من الولايات المتحدة? على قتل ما يفوق الخمسين شخصا?ٍ ممن كانوا يشاركون في احتجاج سلمي حاشد في العاصمة صنعاء? حيث تعرض بعض الضحايا إلى إصابات طلقات الرصاص في الرأس على يد قناصة.
منذ أشهر? ينزل آلاف اليمنيين إلى الشوارع للمطالبة بتنحي صالح? وقد كان رد النظام يحمل دائما?ٍ معنى التحدي ويلجأ إلى استعمال القوة? لكن في 21 مارس? تعر?ض صالح لضربة قاسية قد تكون السبب في تصدع سلطته? الأمر الذي سيؤدي إلى إسقاط نظامه في نهاية المطاف. في ذلك اليوم? أعلن أقوى مسؤول عسكري في الجيش اليمني? الجنرال علي محسن الأحمر? قائد الفرقة المدرعة الأولى? دعمه للمحتجين وتعهد بالدفاع عن ‘ثورة الشباب السلمية’ في اليمن? وسرعان ما حذت كبار الشخصيات العسكرية الأخرى حذوه? فأعلن كبار المسؤولين المدنيين? بمن فيهم مجموعة من السفراء والدبلوماسيين? استقالتهم? وكذلك? انضم أهم قادة القبائل إلى المعارضة? علما?ٍ أنهم كانوا ي?ْعتبرون عاملا?ٍ حاسما?ٍ لبقاء صالح في السلطة.
أصبح صالح? المعروف في اليمن بلقب ‘الرئيس الصالح’? قائد البلاد في عام 1990 غداة توحيد الشمال الذي حكمه منذ السبعينيات? ثم عاد ليحكم الجنوب بعد أن كان تحت سلطة حكومة ماركسية مركزها عدن. ي?ْعتبر صالح أحد الصامدين في وجه أحداث تاريخية كبرى? فهو تخطى زمن الحرب الباردة والانقسامات القبلية العميقة و’الحرب العالمية على الإرهاب’? وفي عهد إدارة أوباما? التزمت الولايات المتحدة بزيادة حجم التمويل العسكري لنظامه… صحيح أن صالح كان عميلا?ٍ مزدوجا?ٍ? إلا أنه ي?ْعتبر ضمنا?ٍ رجل واشنطن الأمين في شبه الجزيرة العربية.
كان صالح? طوال فترة حكمه? يعتبر حركة تمرد الحوثيين في الشمال والحركة الانفصالية في الجنوب من أكبر التهديدات التي تواجهه? وبالنسبة إلى الولايات المتحدة? كانت ‘القاعدة’ هي مصدر القلق الأساسي? لكن في النهاية? تبين أن حشدا?ٍ مستقلا?ٍ من المحتجين الشباب هو الذي يطرح أكبر خطر على نفوذ صالح.
يعتبر احتمال تنحي صالح مصدر قلق شديد بالنسبة إلى البيت الأبيض? لكن الولايات المتحدة أدت? عن غير قصد? دورا?ٍ مهما?ٍ في إضعاف نظامه? فخلال فترة تفوق العشر سنوات? لطالما أهملت السياسة الأميركية المجتمع المدني والتنمية في اليمن? فركزت على الاستراتيجية العسكرية الرامية إلى مطاردة الإرهابيين? ولم تؤد?? هذه العمليات إلى مقتل عشرات المدنيين وتأجيج الغضب الشعبي ضد صالح بسبب سماحه للجيش الأميركي بتنفيذ تلك العمليات فحسب? بل أدت أيضا?ٍ إلى تعزيز فساد الحكم في عهد صالح من دون بذل أي جهد لمواجهة وضع اليمن التي ت?ْعتبر أفقر بلد في العالم العربي? الأمر الذي شكل دافعا?ٍ قويا?ٍ لإطلاق الثورة.
يمكن اعتبار أن المجازفة في اليمن أكبر مما هي عليه في ليبيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة? لكن جاءت ردة فعلها تجاه قمع المحتجين في البلدين مختلفة تماما?ٍ? ففي حين أدانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وغيرها من المسؤولين الأميركيين أعمال العنف في اليمن? امتنعوا عن الدعوة إلى إسقاط النظام أو إلى تطبيق تحرك عسكري دولي? وبدل ذلك? دعا الأميركيون إلى إيجاد ‘حل سياسي’.
بعد أيام قليلة على المجزرة في صنعاء? س?ْئل وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس? خلال زيارة?ُ له إلى موسكو? عما إذا كانت الولايات المتحدة تتابع دعمها لصالح? فأجاب غايتس: ‘لا أظن أنني مخول للتحدث عن الشؤون اليمنية الداخلية’? لكن ما قاله بعد ذلك يوضح جليا?ٍ طبيعة الأولويات الأميركية: ‘نحن قلقون طبعا?ٍ بشأن زعزعة الاستقرار في اليمن? ونعتبر أن ‘القاعدة في شبه الجزيرة العربية’? المتمركزة في اليمن? تطرح الآن أكبر خطر علينا من بين جميع فروع «القاعدة» الأخرى? لذا أكثر ما يقلقني في الوضع اليمني هو زعزعة الاستقرار والالتهاء عن التعاطي مع مشكلة «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية’.
كانت «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية هي الجماعة التي أرسلت ‘مفخخ السروال الداخلي’ إلى الولايات المتحدة? في ديسمبر 2009? وكانت أيضا?ٍ وراء حوادث ‘الطرود المفخخة’ في أكتوبر 2010? وهي تضم في صفوفها رجل الدين المتطرف أنور العولقي? ففي شهر فبراير? طرح مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب? مايكل ليتير? أبرز التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة في أنحاء العالم أمام الكونغرس? وأعلن أمام لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب: ‘ت?ْعتبر ال