الواقع الثقافي والاجتماعي في اليمن واثره في الصراعات الحالية
الواقع الثقافي وكذلك الواقع الاجتماعي العام في اليمن يتسمان بالتخلف بفعل الموروثات التاريخية المتخلفة التي لا تزال لها السيادة? يضاف اليها التراكمات الجديدة والتي هي الأخرى مستمدة من الماضي او اعيد انتاجها من التراث وهي ايضا تكرس التخلف في الواقع بدليل ان المجتمع اليمني اليوم اصبح اكثر محافظة مما كان عليه في الماضي قبل ان تجتاح بلادنا الثقافة الطارئة الوافدة من البيئة البدوية والسلفية التي احدثت بدورها تأثيرا سلبيا في الواقع الاجتماعي. فالواقع الثقافي تتجلى فيه مظاهر الخصوصية التي تثير النزعات العصبية بينما محتواها المنفتح والتقدمي تراجع الى الخلف كما هو الحال في الثقافة الوحدوية التي كانت تسود في عدن فتراجعت اليوم بل طمست تقريبا.. اما الواقع الاجتماعي فواضح للعيان اننا ما زلنا شعوبا وقبائل بالكاد تتعارف للأسف? لأن المؤسسات الثقافية الرسمية والنخب السياسية والثقافية لم تتبنى في أي وقت من الاوقات مشروعا يستهدف احداث اندماج اجتماعي بين مكونات الشعب اليمني? ولا تزال القبيلة تقدم نفسها كنظير للدولة? بل أن هذا الاندماج لم يحدث حتى داخل القبيلة الواحدة? بل أن ما يحدث هو العكس? فالقبيلة اصبحت منقسمة على نفسها وفي حالة صراع يتجاوز احيانا حدوده المقبولة الى الحالة الدموية خاصة بعد أن فقدت القبيلة هي الأخرى جزءا من موروثها الثقافي المحفز للسلوك الايجابي.
ومن المفارقات العجيبة ان التعددية السياسية في النظام الديمقراطي والتي كان يفترض أن تؤدي الى ذلك الاندماج وان تستثمر التنوع الثقافي والمذهبي والاجتماعي لإقامة مشروع التعددية في اطار الواحد الحضاري والمتسامح? فقد أدى الصراع بين الاحزاب الى مزيد من الانقسام الاجتماعي? ويتم الآن هتك ما تحقق من الاندماج الاجتماعي بفعل الوقت والحراك السكاني التلقائي.. الاحزاب تنحدر يوما بعد يوم نحو التحيزات الاجتماعية تماما كما في حالة القبيلة.
ومن يلقي نظرة سريعة على المسميات السياسية التي برزت الى الواقع مؤخرا على أسس مناطقية وقبلية ومذهبية سوف يجد نماذج فاقعة وبائسة تدل على اتساع الهوة بين المكونات الاجتماعية. لنأخذ على سبيل المثال كيانات او مسميات مثل تحالف قبائل مارب والجوف والمجلس الاعلى لحاشد ومثله لبكيل وكذلك حراك المناطق الوسطى والحراك الجنوبي والحوثية والسلفية ومسميات أخرى من هذا القبيل كلها تنطلق من الجهوية والعصبية والمذهبية ومثيرة للانقسام الاجتماعي… وبعد هذا تصوروا كيف يمكن ان تكون الصورة القادمة لليمن اذا استخدمنا هذا المركبات الخطرة كسلاح في المعارك السياسية?
إن الصراعات الحزبية بين الاحزاب المتنافرة ومتناقضة المصالح والايدلوجيات داخل هذا الواقع الثقافي والاجتماعي المعقد? والذي ساهمت الاحزاب السياسية في زيادة تعقيده عن طريق الاستخدام غير الرشيد للتناقضات الاجتماعية والخصوصيات الثقافية? سوف يقود الى صراعات دموية وحروبا أهلية ما لم تتنبه الاحزاب السياسية والقوى التقليدية الى ضرورة ادارة الصراع فيما بينها بطريقة تتجنب فيها استخدام التناقضات والتعقيدات الثقافية والاجتماعية القائمة كأسلحة في المعركة السياسية.. اذ ان كل المعطيات في هذا الجانب تشير بجلاء أن ذلك سوف يؤدي الى دمار حقيقي وسيضع نهاية محتومة للمشروع الوطني الديمقراطي. ولكي يتم تجنب هذا المصير يصبح من الواجب ادارة الصراعات السياسية في أطر مأمونة واساليب ديمقراطية والتي يعد الحوار افضلها.