مصر العربية
بقلم / بشير العدل *
من بين الإشكاليات التى يعانى منها بعض الذين يعتبرون أنفسهم من النخب المصرية ، أو حتى العربية ، أنهم على غير إحاطة تامة بالشأن المصرى ، ولا يعرفون الكثير عن تاريخها ، ولم يحاولوا بالبحث والفحص والتمحيص ، معرفة ولو جزء عن تاريخ بلادى مصر وعن التطورات السياسية التى شهدتها ، وتشهدها ، وعن مواقفها الثابتة والراسخة تجاه قضايا أمتها العربية ، وتجاه المنطقة والعالم بأسره.
ويتصور هؤلاء خطأ ، أن مجرد المرور على صفحات التواصل الإجتماعى ، أو مشاهدة بعض الفضائيات ، أو متابعة أحد المذيعين أو المذيعات ، كفيل بمعرفة ما دار فى بلادى مصر، وما يدور فيها ، وعلى أساسه يطلق أحكامه عليها، ويسرف فى تقييم مواقفها تجاه الأزمات ، سواء كانت داخلية أو خارجية ، معتمدا على ذلك على أنها مصادر موثوق بها.
والحقيقة أن من يركن إلى معلومات من تلك المصادر ، لا يمكن إلا أن يكون قد أصابه مرض “الفيسبوك الهستيرى” ، الذى تظهر أعراضه فى الحديث ، بل والافتاء ، بغير علم وبناء مواقف على معلومات غير دقيقة، وهى فى أغلبها مزيفة ولا علاقة لها بالواقع.
ويتصور البعض ، أيضا خطأ ، أن الهجوم على مصر والنيل منها ومن مواقفها ، بناء على معلومات “فيسبوك” يزيدهم قوة ، ويمنحهم الشهرة على تلك المواقع الاجتماعية ، وبها يبلغون عنان السماء فى الشهرة والمجد والمال الوفير.
والواقع أن مثل هؤلاء أصابهم العطب الفكرى ، ومثلهم فى مصر وفى عالمنا العربى ، كالثمار المعطوبة، فى عالم النبات، والأجنة الشائهة فى عالم الحيوان ، ومثل هؤلاء لايرتكن إلى آرائهم.
فمصر العربية أكبر من ذلك بكثير، ومواقفها ثابتة وواضحة تجاه كل القضايا والأزمات ، وقرارها مستقل وبارادة شعبية ، ويكفى القول أن مصر هى الدولة العربية الوحيدة فى المنطقة التى خاضت أكثر من 5 حروب فى أقل من قرن من الزمان ، ومصر هى التى دفعت أرواح أبنائها ثمنا لاستقرار الأمة العربية ، فى اليمن، وفى فلسطين، وفى العراق، وفى سوريا ، وفى ليبيا ، وفى أغلب الدول العربية ، دفاعا عنها ، باعتبار مصر إلى العرب ومن العرب.
ومصر هى البلد العربى الوحيد الذى صدر الإسلام إلى العالم ، وهى التى تحتفظ بمنارته فى أزهرها الشريف.
ومصر هى التى منحت أغلب القادة والمواطنين العرب وغير العرب ، شهادات إما من جامعاتها أو أزهرها، وهى التى مكنتهم من تبوؤ مناصب عالية فى بلدانهم ، غير أن الجميل لمصر عاد بالهجوم عليها تارة ، والنيل منها تارة أخرى.
مصر هى صاحبة الحضارة والفائض الثقافى ، وهى التى صدرت المعرفة فى أغلب المجالات الثقافية والإعلامية والدينية والفنية وغيرها ، فلا توجد دولة فى المنطقة أو خارج المنطقة إلا وتقوم على جهود أبناء مصر ومعرفتهم وخبراتهم.
مصر العربية ليست فى حاجة إلى دعم ، فشعبها كفيل بالنهوض بها ، ومصر لم ولن تكن عاملا تابعا فى قراراتها ، فمصر هى التى قادت العرب ، ودورها لايمكن لأحد أن يقوم به بديلا عنها.
أراد البعض ممن يخدمون أهداف الأعداء لإحداث وقيعة فى مصر بين شعبها وقيادتها السياسية ، أراد البعض أن يوقع بينها وبين أشقائها العرب ، أراد الكثيرون أن يغيبوها عن دورها تجاه اشقائها العرب ، ولكن لم تكن مصر لتتأثر بمهاترات داخلية أو خارجية وتسير نحو البناء والتقدم ، بفضل شعبها العربى وإرادته التى لا تلين.
ومصر لن تتخلى عن دورها، ولن ينال منها حقد الحاقدين ، أو مكر الكارهين، ولن تتأثر بأى دعوات للفوضى، فقد عرف الشعب الحقائق ، واتضحت الرؤية ، ولن يسمح مرة أخرى بعودة مصر لما كانت عليه وقت حكم أنصار الإرهاب والتضليل.
لن تجدى دعوات اشاعة الفوضى ، ولن تجدى آلة الدعاية التابعة لأعداء الأمة نفعا ، سواء كانت فى شكل مواقع الكترونية أو كتائب على مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى فضائيات خارجية تخدم الأعداء.
لن تنال من مصر العربية العمليات الإرهابية الخسيسة التى تستهدف الأبطال من أبناء القوات المسلحة ورجال الشرطة ، ولن تزيدها تلك العمليات إلا إصرارا على ردع الإرهاب ، واجتثاثه من جذوره.
آن للذين يدعون المعرفة ، وهم يتطاولون على مصر ، والذين يدعون إعلاما وهم يخدمون الأعداء ، والذين يدعون وطنية وهم يساعدون فى محاولات هدم بلادى مصر ، والذين يدعون ممارسة حرية الرأى والتعبير، وهم يزيفون الحقائق ويخدعون الرأى العام ، آن لهؤلاء جميعا ، ولكل من على شاكلتهم ، أن يفيقوا من غفوتهم، وأن يعلموا أن أعمالهم مردودة عليهم ، وستكون حسرة عليهم فى الدنيا والآخرة ، وأن كيد من يريد لمصر السوء فى نحره ، وتدميره فى تدبيره ، وعليه دائرة السوء تدور.
مصر دائما لأبنائها ولعروبتها ، فهى للعرب ومن العرب.
* كاتب وصحفى مصرى
* مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة