ماذا يحدث في باب الدموع؟
بقلم / محمد أنعم
باب المندب.. جاءت هذه التسمية من أفواه عامة شعوب الحضارة القديمة من الفراعنة والاغريق الذين كانوا يبكون او يندبون حظ اهاليهم الذاهبين بسفن تجارية او عسكرية الى بلاد الشرق بحثاً عن كنوز وتوابل وبخور من اراضي تلك الشعوب.. فكانت تقيم مآتم جنائزية قبل أن تمخر تلك السفن عباب البحر لتوديعهم لانهم يدركون ان من كلفوا بهذه المهمة اغلبهم لن يعودوا سالمين من باب المندب أو “باب الدموع” كما يطلق عليه لكثرة الضحايا الذين ابتلعتهم مياهه.
عدو الامس الذي اثار ذعر ومخاوف شعوب العالم القديم كان عدواً طبيعياً كامناً في اعماق البحر ويتمثل بوجود شعب بركانية حادة في هذا الممر المائي المهم فما ان تصطدم بها السفن او المراكب حتى تشقها نصفين وتغرق بمن عليها في اعماق البحر الذي خيل لهم ان ثمة وحشاً أدمن على التهام جثث البشر واخشاب المراكب البحرية وماعليها..
لكن رغم تلك المآسي والاحزان والدماء والدموع والتي طواها ردح من الزمن، الا ان دول وشعوب العالم القديم وصفوا اليمن بـ(اليمن السعيد) ايماناً منهم بأن الشعب اليمني ليس بربرياً ولا همجياً ولا توجد فيه بيئة لظهور القراصنة او من يعتدون على الآخرين ..
على مدى قرون حفرت في ذاكرة البشرية مضيق “باب المندب” كممر بحري آمن لحركة الملاحة البحرية التي تمر عبر هذا المضيق المائي الحيوئي في التجارة العالمية، وفي هذا تأكيد على ان الشعب اليمني حتى في وقت الحروب يرفض رفضاً مطلقاً تعريض الملاحة الدولية للخطر .
لذا فإن ما يحدث اليوم من تصعيد عسكري خطير واعتداءات على اليمن واعتداء مزعوم على سفينة بحرية امريكية يكشف عن سيناريوهات خطيرة قد تجر شعوب المنطقة والعالم الى فترة النواح والعويل والبكاء من جديد بسبب السعودية التي تسعى إلى القيام بدور شرطي لخدمة امريكا من وراء عسكرة هذا الممر المائي في إطار الصراع بين الدول الكبرى.. وهو صراع يدار عبر حروب تخوضها السعودية بالوكالة في المنطقة.
منطقياً وبكل الحسابات والقراءات ليس من مصلحة اليمن- التي تتعرض لعدوان سعودي غاشم منذ 18 شهراً أودى بحياة قرابة خمسين الف قتيل وجريح وحصار بري وبحري وجوي- ان تفتح جبهة مواجهات بحرية ، خاصة وهي لم تعد تمتلك قارباً او سفينة حربية.. كما لايمتلك الجيش اليمني واللجان الشعبية قوات جوية او بحرية فقد دمر العدوان السعودي الغادر كل شيء..
فكيف يمكن لليمن وهي بهذا الوضع الصعب ان تجازف وتقدم على فتح مثل هذه الجبهة الخطيرة التي تستعدي العالم كله ضدها.. ان مناشدات المجلس السياسي والبرلمان اليمني قادة العالم ليل نهار للتدخل لوقف العدوان ورفع الحصار تعكس حقيقة عمق المعاناة وحجم المأساة حيث يعاني أكثر من 20 مليون من سكان اليمن البالغ تعدادهم 27 مليون مجاعة وامراضاً قاتلة وعدواناً همجياً يحرق الاخضر واليابس وحصاراً جائراً.. وهناك اربعة ملايين نازح ، كما تعد اليمن من افقر دول العالم بحسب المؤشرات الدولية ، ولا تمتلك قدرات وامكانات لخوض معركة كهذه على الاطلاق، وهذه الحقائق يدركها الجميع ..
فأي خطر تمثله اليمن على الملاحة الدولية وهي بوضع بائس كهذا..؟ لكن هذا لا يعني على الاطلاق ان الشعب اليمني يمكن ان يركع او يخضع او يقبل بغازٍ ومحتل يدنس أرضه ..
اذاً فهناك سيناريوهات خطيرة تهدد دول المنطقة والعالم وتعمل السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة على تنفيذها رغم الفضيحة المدوية لدول تحالف العدوان امام العالم بزعمها ان السفينة الاماراتية الحربية التي تم اغراقها بشاطئ المخا كانت تحمل مساعدات انسانية، الا ان الامم المتحدة وامريكا اكدتا ان السفينة المزعومة لا تحمل مساعدات انسانية وان ما حدث لها لا يعني بالمطلق تهديداً للملاحة البحرية، ومع ذلك لم تتراجع السعودية والامارات عن تهويل الخطر المزعوم من اليمن على الملاحة الدولية في باب المندب ، لنتفاجأ الاربعاء الماضي بترديد اكذوبة اطلاق صواريخ يمنية على سفينة بحرية أمريكية ..
وهنا يُطرح تساؤل: لماذا لم يتم الاعتداء على سفينة دولة اخرى.. مثلاً سفينة مصرية ..سودانية.. قطرية ..ارتيرية.. على افتراض ان هذه الدول تشارك في العدوان المباشر على اليمن.. ثم لماذا والبحر يكتض بمئات السفن تختار الصواريخ اليمنية المزعومة سفينة امريكية تحديداً.. اكيد هنا يكمن السر ومربط الفرس..؟
تُرى هل نحن امام سيناريو تأمري لا يختلف عن اكذوبة “اسلحة الدمار الشامل العراقية” التي اتخذتها دول الخليج وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها ذريعة لاحتلال العراق الشقيق وقتل أكثر من مليون ونصف شخص بدون حق.؟
ثم ماذا بعد قصف البوارج الامريكية للشواطئ اليمنية الخميس 13 أكتوبر ..؟
وهل يختلف هذا العدوان عما ترتكبه الطائرات الامريكية بدون طيار من جرائم بشكل مستمر بحق اليمنيين بدعوى مكافحة الارهاب ..؟ ام ان القصف الامريكي لشواطئ اليمن جاء بمثابة رسالة تطمين للسعودية تخفف من حالة الهلع والمخاوف التي تنتاب آل سعود، بعد اقرار قانون جوستا ؟
وقد يكون هذا العدوان رسالة ضغط امريكية لإجبار قيادتي المؤتمر الشعبي العام وانصار الله على القبول بتسوية بحسب الافكار التي طرحها جون كيري .. او ان ما حدث محاولة لوقف جنون السعودية والتي اصبحت تدرك انها اذا لم تنتحر في اليمن وتُبِدْ الشعب اليمني بشكل جماعي فإنها ستُشنق في ساحات العدالة في المحاكم الدولية.
ومع ذلك تبقى كل الاحتمالات مطروحة ، لكننا نستبعد ان تجازف امريكا في احتلال اليمن ، حتى وان مولت السعودية والامارات هذا العدوان ،لان مغامرة كهذه تعني تسليم اليمن وباب المندب للجماعات الارهابية كتنظيمي داعش والقاعدة التي ترعاها وتدعمها وتمولها السعودية وقطر والامارات ، ولا تريد امريكا ان تكرر اخطاء تدخلها الكارثي في العراق وافغانستان وليبيا وسوريا..
ولعل الايام القادمة تحمل في طيّاتها مفاجآت كثيرة.