السياسية بين الجمعتين
مررنا في السعودية هذه الأيام بجولتين صاخبتين? جولة الجدل الذي احتدم حول المظاهرات في الداخل السعودي? ثم خبا بعد جمعة 11مارس (6ربيع الثاني)? وجولة الجدل الذي احتدم حول الأوامر الملكية الجديدة التي أ?ْعلنت في جمعة 18مارس (13ربيع الثاني)? في ظني أن هاتان الجولتان الساخنتان كشفتا للمراقب أجزاء?ٍ معتمة?ٍ من الخريطة السياسية السعودية? الواقع أنه ليس لدي فكرة إضافية على ماطرحت كافة الأصوات? وليس لدي رؤية فقهية أو فكرية حول ما جرى? وإنما أريد هاهنا فقط تسجيل بعض المشاهدات الشخصية للمشهد السياسي السعودي:
1-مولد الحلبتين السياسيتين:
لاحظت خلال الفترة الأخيرة بداية تخل?ْ?ق وتشك?َ?ل حلبتين سياسيتين متناقضتين كليا?ٍ? الأولى حلبة الصحافة السعودية? والثانية حلبة الإعلام الاجتماعي (تويتر? وفيسبوك? الخ) وتلاحظ في حلبة الصحافة السعودية تتابع الكت?اب على المديح والإطراء للنظام السياسي السعودي? بل ويصل الأمر إلى المزايدة على (الولاء) للدولة السعودية? بينما في حلبة الإعلام الاجتماعي (تويتر ورفاقه) تلاحظ ميول الكت?اب السعوديين للنقد الجذري للنظام السياسي السعودي? بل ويتسرب بين بعض الكت?اب المزايدة على المعارضة والنقد? وامتداد الأعناق إلى الصوت الأجرأ.
باختصار شديد: الصحافة السعودية صارت بلاط موالاة? والإعلام الاجتماعي صار ثكنة معارضة.
وتجد التعليق على الأحداث تابع لهذا المزاج السياسي الذي صار –وياللطرافة- يشيع على أساس (قالب إعلامي)? سأعرض هاهنا نموذجا?ٍ يوضح اختلاف طريقة التعاطي بين هاتين الجبهتين? وليكن المثال هو بحث فضيلة الشيخ سعود الفنيسان الذي كان بعنوان (نظرات شرعية في وسائل التعبير العصرية) وهو بحث عام غير مربوط بحدث معين تعرض فيه الشيخ لجواز “المظاهرات السلمية” بأربعة شروط ذكرها? هذا البحث اعتبره المعلقون في الإعلام الاجتماعي (تويتر ورفاقه) فتحا?ٍ عظيما?ٍ ودلالة?ٍ على فقه الشيخ وتميزه? ولكن في المقابل اعتبر بعض كتاب الصحافة السعودية الشيخ الفنيسان محرض وحاقد وله صفقة مع قناة العالم الإيرانية! (صحيفة الجزيرة? 13مارس).
يا ألله .. يا لحدة المفارقة!
والحقيقة أنني لاحظت –أيضا?ٍ- أن هذه التوزيع السياسي الجديد? أعني هذا الانقسام السياسي الحاد بين جبهتين إعلاميتين فاعلتين? وضع بعض الدعاة الإسلاميين في ورطة? فهم بين جبهتين? جبهة تزايد على الولاء? وجبهة تزايد على المعارضة? وهذا يعق??د آفاق الخطاب ومحترزاته? دعني أروي لك بعض حلقات هذه الورطة: حين يتهجم بعض الصحفيين على الدعاة باتهامهم بأن خطابهم هو الذي خر?ج الإرهابيين? وأنهم يغمغمون مواقفهم المؤيدة للعنف? وأنهم يشتركون مع الإرهابيين في المقدمات ويختلفون في النتائج? وأنهم يضخون مقدمات الخروج المسلح وينسحبون عن التصريح بنتائجها النهائية? وأنهم يروجون في دروسهم عدم شرعية الدولة? ونحو هذه الاسطوانة المعروفة? يحاول الدعاة ذبا?ٍ عن أنفسهم أن يبينوا مواقفهم الموالية ويظهروا بلغة انتماء سياسي? ردا?ٍ على هذا التشويه? فما إن يتكلم الداعية بمثل هذا الكلام الدفاعي إلا وتجد بعض كت?اب تويتر قد انتهوا من وجبة هاشتاجية غسلوا فيها هذا الشيخ المسكين وأنه متملق ومتزلف ومنخرط في صفقة ملوثة الخ!
فصار بعض المشايخ في حيص بيص!
وأما الشرائح التي تتواصل مع هذين المجالين? فقد لاحظت أن عامة الناس? وخصوصا?ٍ قطاع موظفي الحكومة? يستهلكون الخطاب الصحفي? ويتشكلون تدريجيا?ٍ بمفاهيمه وتقييماته ومعاييره الضمنية. بينما الإعلام الاجتماعي (تويتر ورفاقه) فإنني لاحظت شباب الداخل الإسلامي أكثر اتصالا?ٍ به? وأكثر تساؤلا?ٍ عما يطرحه من أسئلة ورهانات.
أي الجبهتين الإعلاميتين تعبر عن نبض الشارع? من المتعارف عليه منذ زمن بعيد أن الصحافة الليبرالية/المتملقة لا تعبر عن اتجاه الشارع? وهذا المعطى صار اليوم مسلمة?ٍ وتجاوز مرحلة الاستنتاج والبرهنة? ولكن السؤال المطروح اليوم: هل يعبر الإعلام الاجتماعي (تويتر ورفاقه) عن هموم وتطلعات رجل الشارع في السعودية?
الحقيقة أنني كنت أميل قبل فترة وجيزة إلى أن الإعلام الاجتماعي هو الذي يعكس توجهات ومطالب رجل الشارع في السعودية? لكن الأحداث الأخيرة هزت كثيرا?ٍ هذه القناعة? وأعني بالضبط جولتي المظاهرات والأوامر الملكية? سأحاول هاهنا إيضاح ما أعنيه:
ففي جولة المظاهرات نشط كثير من كت?اب تويتر في التعبئة للمظاهرات? (وخصوصا?ٍ في أواخر فبراير وأوائل شهر مارس)? وانتقدوا بشكل لاذع ومنظم أي شخصية دينية طرحت موقفا?ٍ سلبيا?ٍ من المظاهرات? فكنت إذا قرأت أو نقل لي أحد المتابعين مايدور أشعر أن مئات الآلاف من السعوديين يجهزون راياتهم وشعاراتهم للبدء بالمسيرات? لا أعرف أحدا?ٍ إلا وتوقع أن يحدث شئ ما نتيجة هذه التعبئة التويترية للمظاهرات? وكنت تلك الأيام إذا ذهبت لمجالس الناس وسمعت تعليقاتهم رأيتهم يتحدثون بشكل مختلف كليا?ٍ? رأيتهم يتحدثون بوجل ويرددون “الله يستر لايحوسونا? ما نبي مظاهرات ولا