الإمام علي والتآمر الاقتصادي
بقلم / د. أحمد صالح النهمي
سيظل الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ واحدا من أهم أفذاذ الإنسانية القلائل، وعظماء الإسلام المخلصين الذين جسدوا القيم الرفيعة والمثل العليا في حياتهم العملية وسلوكهم التطبيقي حاكما عادلا، ومعارضا شجاعا، وقائدا حربيا، وفقيها مستنيرا، وتقيا زاهدا وخطيبا وشاعرا، وإنسانا على نحو يجعل منه مدرسة عظيمة للقيم والمبادئ، التي تجمع شمائل الدين وفضائل الأخلاق.
وبعيدا عن التوظيف السياسي والجدل المذهبي ، فإن تولي الإمام علي لا يمكن أن يختزل في إثبات النصوص دون الانتقال إلى الوقوف على الممارسة العملية في حياته ومحاولة الإفادة منها قدر الإمكان لا سيما في ما نواجهه اليوم في حياتنا المعاصرة من إشكالات على المستويات المختلفة، ولعل التآمر الاقتصادي الذي تتعرض له بلادنا اليوم في ظل الحرب العدوانية التي تقودها عربان الهمجية هو حديث الساعة، فما الذي يمكن أن تقدمه لنا حياة الإمام العملية في مواجهة التآمر الاقتصادي ؟
منذ الأيام الأولى التي أصبح فيها الإمام علي أميرا للمؤمنين وقفت في وجه الإصلاحات المالية التي سعى إلى تطبيقها قوى النفوذ الاقتصادي، وأرباب الثروات، التي تكدست الأموال في أيديهم بطرق غير مشروعة على حساب عامة المسلمين وضعفائهم، بيد أن الإمام علي لم يخضع لهؤلاء ، وسعى إلى إرساء نظام الأمة من خلال ثلاث خطوات رئيسية جديرة بالتأمل :
الخطوة الأولى :إقصاء الفاسدين ومحاسبتهم، واستبدالهم بكفاءات مهنية:
لقد عمل عليه السلام منذ الأيام الأولى لولايته على إقصاء أولئك الذين ثبت تورطهم في الفساد والثراء غير المشروع وأغلبهم من الأمويين وبني معيط، وأسند الولايات إلى كفاءات نزيهة بدون النظر إلى العصبية القبلية ، وبغض النظر عن القرشية، وكان أغلبيتهم من الأنصار ، فأرسل إلى البصرة عثمان بن حنيف، وأخاه سهيل بن حنيف إلى الشام ، وقيس بن سعد ين عبادة إلى مصر، وأبقى أبا موسى على الكوفة.
الخطوة الثانية : عودة المنهوبات إلى بيت المال/البنك المركزي:
ثم جاءت الخطوة الثانية بعد إقصاء الفاسدين وإسناد العمل إلى كفاءات بعيدا عن العصبية والقرابة ، وتمثلت في استعادة الأموال المنهوبة إلى بيت مال المسلمين، فقد أمر الإمام علي عليه السلام أن تسترجع الأموال التي أجاز بها عثمان دون وجه حق على أي صورة وجدت، يقول كرم الله وجهه “ألا وأن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود في بيت المال فإن الحق القديم لا يبطله شيء…إن في العدل سعة، ومن ضاق عنه العدل فالجور عنه أضيق”
الخطوة الثالثة : تقليص الإنفاق:
وكانت الخطوة الثالثة متمثلة في تقليص الإنفاق ، فلم يكن عليه السلام يقطع أحدا من بيت مال المسلمين ، بل كان كما يقول الدكتور طه حسين “لا يستبيح لنفسه أن يأخذ من بيت مال المسلمين لنفسه وأهله إلا ما يقيم الأود، لا يزيد عليه ، وإن استطاع أن ينقص فعل…”
وبالموازاة مع هذه الخطوات العملية الثلاث عمل الإمام كرم الله وجهه على نشر مبادئ العدل
وإنصاف الناس جاء في رسالته إلى الأشتر النخعي “انصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك فإنك ألا تفعل تظلم…” وعمل على إلغاء التفرقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الناس بشكل قاطع، ووضع قانون المواطنة العالمية موضع التنفيذ فالناس صنفان” إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق” والأخذ بأيدي الأهل والأقارب: يقول الإمام علي للأشتر ” ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وحامتك (قرابتك) قطيعة”
الخلاصة ، المطلوب اليوم في مواجهة التآمر الاقتصادي إقصاء الفاسدين القدامى والفاسدين الجدد القادمين من داخل المكونات الثورية واستبدالهم بكفاءات مهنية لا علاقة لتعييناتهم بالقرابة والشللية والمناطقية والحزبية ، وإعادة الأموال المنهوبة عند الفاسدين وعند الثوريين من أولياء الله، وترشيد الإنفاق …وهكذا نفهم في التطبيق العملي معنى تولي الإمام علي كرم الله وجهه .
من وحي قراءة في:
كتاب (علي وبنوه) للدكتور طه حسين.
كتاب (الفردية) للأستاذ زيد الوزير
منشور لصديقي الأستاذ أحمد جابر