“التكييف والتبريد”.. مهن ما بين الدراسة والإبداع وافتقاد للاهتمام المجتمعي
يتجاهل المجتمع في قطاع غزة أهمية المهن التقنية والصناعية, و إمكانية الفرد أن يتعلم المهنة على أيدي متخصصين بفترة زمنية محددة, حيث يوجد العديد من الأطفال لم يستطيعوا إكمال دراستهم, إما لضعف قدراتهم التعليمية أو لحاجة أسرهم إلى من يعيلهم من الناحية المادية.. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة هي التوجه إلى سوق العمل.
تحاول الأسرة توجيه أبنائها إلى اكتساب مهنة تقنية أو صناعية, لكن لا يتم توجيههم إلى مراكز أكاديمية مهتمة بهذه المهن, بل إرسالهم إلى إحدى ورش العمل حيث يتعلمون المهنة على أيدي أشخاص يعملون بها .
وفي أطار متابعتي للموضوع, ومن خلال توجهي إلى العديد من “الصبية ” العاملين في مواقع العمل لم أجد غير القليل منهم ممن تعلم خلال فترة وجيزة وتعلم في إحدى مراكز التدريب المهني, حيث استمر تعليمهم عدد من السنوات حتى استطاعوا أن يتعلموا “الصنعة “,إذ أن اغلبهم تعلمها من تلقاء نفسه من خلال الملاحظة أكثر مما تعلمها من صاحب الورشة أو “المعلم” كما يطلقون عليه.
الكثير من المتدربين عانى من عدم اهتمام المعلم بهم واستغلالهم فقط لتنظيف المكان أو متابعة موقع العمل أثناء عدم تواجدهم فيه, وكذلك للمساعدة في تناول أدوات العمل أثناء التصليح أي “العدة “.
ورغم وجود مراكز تساعد هؤلاء الفتية في تعلم المهنة على أيدي متخصصين, إلا أن المجتمع حتى يومنا هذا لم يهتم بهذه المراكز ولم يعط لها أهميتها.
قابلنا “رائد” 26سنة, يعمل كفني للتبريد والتكييف, و يقوم بإصلاح الثلاجات والمكيفات وجميع الأدوات التي تعتمد علي التبريد والتسخين, وقد تحدث لنا عن تجربته التي عاشها لأكثر من ثمان سنوات ليتعلم الصنعة و يقوم بتأسيس ورشة خاصة به بعد أن ترك الدراسة في سن 14 سنة.
فيقول “عملت لأكثر من ثمان سنوات عند عدد من أصحاب المحلات التي تقوم بتصليح الثلاجات والسخانات والمكيفات وغيرها, لم استطع أكمال الدراسة لعدم رغبتي بها, فأخرجني والدي بعد أن رسبت واخبرني بأن الأفضل أن أتعلم مهنة لأستطيع أن أعيش منها وأبني أسرة لي”.
ويذكر بأنه فكر في مهنة يمكن أن يتعلمها وان يستفيد منها وتحتاجها اغلب المنازل فوجد أنه لا استغناء عن الثلاجات وسخانات المياه بالإضافة إلى أن التغير في درجات الحرارة يسبب عطب لهذه الأجهزة لذلك قرر أن يتعلم هذه المهنة ,وحلم طوال الليل بأنه سيتعلم كل شيء من أول يوم يبدأ فيها دوامه في المحل الذي سيأخذه والده عليه في صباح اليوم التالي .
الصدمة أول يوم عمل
يكمل “أخذني والدي إلى احد أقربائنا بعد أن كان قد تحدث أليه وبالفعل بدأت بالعمل من أول يوم ولكن تفاجئت بأنه لم يعلمني أي شي بل طلب مني أن أنظف المحل و أرتبه وان أتبضع من البقالة وأرسلها إلى بيته “.
ويوضح بأن المعلم بدا في أعطائه الأوامر وعليه أن ينفذ وكلما سأله عن موعد التعليم يخبره بأن الوقت لم يحن واستمر هذا الحال لأكثر من 9 شهور ولم يتعلم رائد شيء غير أن يكون خادما له ولأسرته.
ويستطرد رائد ” أحسست بأنه لا يريد أن يعلمني شيء فقررت أن اعلم نفسي وان افرض هذا الأمر عليه,وبدأت أفك الأجهزة الموجودة في المحل واسأله عن كل قطعة أحيانا يجاوب لي وأحيانا أخري لا يرد علي سؤالي,استمر هذا الأمر سنة أو يزيد ,وفي يوم تعطلت ثلاجة بيتنا فحاولت أن أصلحها ونجحت بعد عدة ساعات من العمل “.
مشوار التعلم طويل
يؤكد هذه كانت البداية بأن يتابع مشوار العمل على نفسه من أجل أن يتعلم أصول المهنة واستمر بهذا الحال حتى استطاع أن يتقن مهنته وان يتعلم كل خفاياها,ولكن كان المشوار طويلا جدا أكثر من 8 سنوات وهو يتعلم عند أكثر من شخص حيث كان كل محل يعمل به ويجده صاحب العمل انه سيتقن المهنة يطالبه بالرحيل .
ويتمني رائد لو أنه استطاع أن يلتحق بأحد المراكز المهنية التي تساعده علي تخطي مرحلة السنين التي ضاعت وهو يتعلم المهنة, فهو يستقبل الطلاب المتخرجين من المراكز المهنية ويرى مدي معرفتهم بأصول المهنة رغم صغر سنهم وتجربتهم العملية القليلة لأن تعلمهم بالمراكز أفادهم كثيرا حيث استطاعوا بعد فترة وجيزة من التعامل مع سوق العمل أن يعتمدوا علي أنفسهم .
التعلم في المراكز
وتعقيبا علي هذه الحالة ممن يريدوا أن يتعلموا مهن تقنية وصناعية قال المدرب في مركز التدريب المهني في خانيونس قسم التبريد والتكيف أيمن أبو وطفة “إن المجتمع الغزي لا يهتم كثيرا في المهن الحرفية والتقنية والصناعية مثل اهتمامه بالمهن التعليمية ,نلاحظ أن أولياء الأمور يدفعون الكثير من المال مقابل أن يتعلم أبنائهم تخصصات تعليمية, ولا يستعدون أن يدفعوا شيء لأبنائهم الذين لم يستطيعوا أن يكملوا دراستهم من اجل أن يتعلموا مهنة تساعدهم في محاربة البطالة وليمتلك سلاحا يواجه به متطلبات العيش الكريم عن طريق توفير فرصة للعمل الشريف وبذلك يصنع مستقبلا أفضل للفرد وللوطن ”
وأفاد أبو وطفة بأن المشكلة تكمن في الأسر لأنها تتجه إلى سرعة التعلم باعتقادهم بأن من يتعلم المهن