نظام علي عبد الله صالح قاب قوسين
من الواضح لكل المتابعين والمراقبين للأحداث الجارية في اليمن? أن الأمور باتت ناضجة تماما أمام رحيل نظام الرئيس علي عبد الله صالح وحزبه الحاكم? حزب المؤتمر الشعبي العام? وهو حزب يتركب أساسا من تحالفات قبلية نفعية إلى جانب رجال الأعمال تماما كما كان حال حزب الرئيس المخلوع حسني مبارك المسمى بالحزب الوطني.
ويأتي هذا الأمر بعد أن وصل الغليان الشعبي إلى درجة غير مسبوقة? في ظل اختمارات روح الانتفاضة اليمنية على نظام أرهق اليمن في العقود الثلاثة الماضية? وأوصل البلاد إلى شفير وهاوية التقسيم في السنوات القليلة المنصرمة? في الوقت الذي مازال فيه الخطاب السياسي لرأس النظام الحاكم يتجاهل المعطيات الجديدة المرتسمة على أرض الواقع في بيئة اليمن الداخلية وفي البيئة الإقليمية المحيطة? وما أفرزته أحداث فوجئ بها حتى من كانوا لوقت قريب أقرب حلفاء الغرب الأوروبي والولايات المتحدة في المنطقة? فما كان من هذا الغرب ومن الإدارة الأميركية سوى التعاطي مع الواقع? وهو ما بان واضحا وصارخا في التجربتين المصرية والتونسية على الأقل.
فكيف تبدو الأمور الآن في المسرح اليمني? وهل اقتربت نهاية ورحيل نظام علي عبد الله صالح? أم أن الأمور ربما ستسير على سكة ثانية عنوانها (إحداث ترقيعات وتسويات داخلية) ترضي الناس وتهدئ من غليانهم? وتحيد عموم القوى المهمشة في المجتمع اليمني?
قضايا وعناوين متفجرة
في البداية? لا بد من القول بأن الحدث اليمني (المتفاعل وليس المنفعل) تأثر بشكل كبير برياح الانتصارات الشعبية التي هبت من تونس ومصر? والتي كان ومازال صداها مدويا على أرض اليمن وعموم المنطقة العربية? وفي استعارة شعبية يمنية مفعمة بروح التفاؤل لتجربة نهوض الناس في شوارع مصر وتونس من جهة? وبروح الإعجاب بالمنجزين المصري والتونسي من جهة ثانية.
ومع ذلك? لا بد من القول بأن المناخات العامة في بلاد اليمن السعيد? وفي تربته الداخلية? كانت تموج وتغلي في الأصل? وهي مهيأة تماما لاستقبال تلك الرياح العاتية التي جاءت لتعبر البحر الأحمر من شمال غرب اليمن من مصر وتونس.
فالأوضاع الداخلية في اليمن تعيش اضطرابات وقلاقل واهتزازات ليست بنت لحظتها? بل تعيشها منذ سنوات خلت على خلفية بروز ست قضايا رئيسة ومركزية في حياة الناس واليمن ككل:
أولها: بروز مسألة عدوى التوريث الذي انتقل إلى اليمن? وهو الأمر الذي سعى إليه نظام الرئيس علي عبد الله صالح? لنقل المركز القيادي في رئاسة الحزب الحاكم ورئاسة البلاد إلى نجله في المرحلة التالية? وهو ما كان قد عبر عنه أكثر من مرة في السنوات الماضية إلى حين إعلانه العزوف عن هذا الخيار مؤخرا بعد هبات الشارع اليمني.
وثانيها: اندلاع مشكلة الحوثيين في الشمال? وهي وإن دخلت عليها أطراف إقليمية بشكل مباشر أو غير مباشر? لكنها تلخص في جوهرها ومن حيث شرارتها الأولى? ولادة واتساع نطاق التمايزات والفوارق الطبقية الهائلة في اليمن عموما.
حيث حاولت القوات الحكومية إخماد التمرد الذي قاده عبد الملك الحوثي? الذي يسيطر رجاله على المناطق الجبلية في محافظة صعدة شمال غرب اليمن? والتي تقع قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية دون البحث في الخيارات البديلة التي كان لها أن تنزع فتيل الصراع الداخلي.
وثالثها: اتساع ظاهرة الفقر والإفقار والفساد والتجهيل? وتراجع مستويات المعيشة لعامة المواطنين على امتداد الأرض اليمنية? خصوصا في الجنوب? رغم مصادر الدخل المتنوعة التي تغذي الخزينة العامة للدولة اليمنية? وفي بلد متسع المساحات متسع الامتداد على البحر الأحمر وبحر العرب? وفي ظل وجود ثروات نفطية واعدة? لم توضع جميعها حتى الآن تحت قيد الاستثمار.
الأخطاء التي شابت الوحدة
ورابعها: الأخطاء التي شابت الوحدة? وتعاظم درجة الانقسام بين الشمال والجنوب? واتساع رقعة التمايز الاقتصادي والمؤسساتي? حين عملت الجهات المركزية في صنعاء على تحقيق الانتقال بالاقتصاد في الشطر الجنوبي? من “الاقتصاد الاشتراكي” إلى “اقتصاد السوق”? وتفكيك القطاع العام بطريقة غير منظمة افتقدت في تحقيق (الندية) والتكافؤ بين شطري اليمن? وهو ما دفع في نهاية المطاف لولادة ظاهرة (الحراك اليمني الجنوبي).
إضافة للسياسات الإقصائية التي اتبعها نظام صنعاء تجاه الجنوبيين عموما بعد جولات المعارك الطاحنة التي جرت عام 1994 وكادت تعصف بوحدة البلاد. كما وفي سياساته الاقصائيه تجاه الشريك الأساسي في الوحدة اليمنية? ونعني به الحزب الاشتراكي اليمني (الجنوبي المنشأ)? وهو الحزب الذي قاد معركة استقلال الجنوب وإنهاء الاستعمار البريطاني عام 1969 تحت عنوان (الجبهة القومية)? وكان في موقع قيادة السلطة والبلاد في اليمن الجنوبي? وقد قاد مع الشمال عملية إعادة توحيد اليمن بجزأيه الشمالي والجنوبي عام 1986? الذي بات معظم قياداته خارج اليمن منذ العام 1994 بمن فيهم رئيسه السابق نائب رئيس الجمهورية بعد توحيد شطري اليمن في حينها علي سالم البيض.
وخامسها: تحسس المجتمع وال