مصيدة الحظر الجوي
لا يستطيع المرء وهو يتابع سقوط الصواريخ الأمريكية مثل المطر فوق مدن ومواقع ليبية? والحملة الدعائية المكثفة التي تصاحبها? الا ان يتذكر العراق والقصف الجوي ‘السجادي’ الذي استهدفه مرتين? الاولى تحت ذريعة تحرير الكويت في مطلع عام 1991 والثانية بحجة تدمير اسلحة الدمار الشامل في آذار (مارس) عام 2003? أي قبل ثماني سنوات بالتمام والكمال.
صحيح ان المجتمع الدولي لا يستطيع ان يقف موقف المتفرج? بينما يذبح الزعيم الليبي معمر القذافي وكتائب أبنائه الدموية الشعب الليبي دون رحمة? ولكن لا يسع المرء الا ان يتوقف عند الانتقائية الغربية في التدخل عسكريا لحماية ثورات عربية بعينها? وتجاهل أخرى بالكامل.
الولايات المتحدة الامريكية? وبدعم من بريطانيا وفرنسا? وبغطاء من الجامعة العربية? وبمشاركة دولتي قطر والامارات العربية المتحدة? اطلقت 112 صاروخ كروز كدفعة اولى من حاملات طائراتها في المتوسط تحت ذريعة حماية المدنيين الليبيين? ولكن ماذا عن المدنيين الذين قتلتهم هذه الصواريخ? اليسوا ليبيين أيضا? أم ان الذبح على أيدي عصابات القذافي حرام? بينما الذبح بالصواريخ الامريكية حلال?
قبل الاستطراد اكثر? ومنعا لسوء الفهم? نحب ان نؤكد اننا ومنذ اليوم الاول كنا مع الثورة الليبية? مثلما كنا? وما زلنا? مع كل الثورات العربية الاخرى? ونعتبر نظام العقيد القذافي الاسوأ في تاريخ ليبيا في كل عصوره? ونشعر بالغثيان كلما شاهدنا ابناءه الفاسدين المفسدين يتبجحون في تهديداتهم لأبناء شعبهم? وكأن هؤلاء عبيد? وليبيا مزرعة لهم? ينهـــبون ثرواتـــها مثلما وكيفما يشاؤون? ولكننا لا يمكن ان نقتنع للحظة واحدة? بأن هذا التدخل العسكري الغربي يأتي حرصا على الشعب الليبي? وانما على نفطه وخيراته? والا لماذا هذا الصمت المريب على المجازر التي يتعرض لها الشعب اليمني تحت سمع العالم وبصره? هل لأن اليمن لا يوجـــد فيه نفـــط? أم لأن الشــعب اليمــني? مثله مثل الشعبين الفلسطيني واللبناني لا يستحق الحماية أم الاثنين معا?
‘ ‘ ‘
نشعر بالحنق الممزوج بالمرارة? ونحن نرى السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية ‘يعترض’ على القصف الذي تقوم به قوات التحالف الغربي ضد الاراضي الليبية? مؤكدا ان هذا القصف يختلف عن الهدف من فرض الحظر الجوي? وهو حماية المدنيين? وليس قصف مدنيين اضافيين. فالسيد موسى الذي أيد التدخل الاجنبي حتى قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب لبحثه في مقر الجامعة? في حديث موثق أجرته معه مجلة ‘دير شبيغل’ الالمانية? يريد أن يتملص من التبعات الكارثية لموقفه هذا? الذي اتخذه في الوقت الضائع من فترة رئاسته للجامــعة? وعلى أمل الفوز في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة.
نعم الهدف من الحظر الجوي هو حماية المدنيين? كل المدنيين الليبيين دون استثناء? ومنع استخدام العقيد القذافي للطائرات لترويع شعبه وارتكاب مجازر في حقه? ولكننا نرى الانتقائية الغربية لا تتوقف عند الثورات العربية? وانما تمتد الى الشعب الليبي نفسه? فالليبيون الاسرى لدى النظام الليبي? باختيارهم او رغما عنهم? يعتبرون أشرارا في نظر التحالف الغربي وقادته? ويستحقون القتل.
نحن نعيش مرحلة من الكذب والتضليل لم نر مثلها الا قبل التدمير الامريكي للعراق? تشارك فيها مؤسسات اعلامية عربية وأجنبية عملاقة? وكان مفاجئا بالنسبة لنا? ونحن نقرأ ونسمع عن طـــائرات العقـــيد تقصف المدنييـــن الابرياء العزل في بنغازي والبيضاء وطبرق ومصراتة? ان نشاهد طائرة تابعة للثوار تسقط بصاروخ او بدفاعات ارضية فوق طرابلس? ولذلك من حقنا ان نتساءل عما اذا كان الحظر الجوي يشمل ايضا الطائرات التابعة للثوار الليبيين?
لا نعرف كم سيعمر العقيد معمر القذافي في السلطة? ولا نستطيع ان نتكهن بمدى قدرته على الصمود? لان الشعب الليبي اذا ما قاتل فعلا العدوان الاجنبي مثل اشقائه في العراق وافغانستان والصومال? فانه لن يقاتل من اجل ان يحكمه الزعيم الليبي? او من اجل توريث الحكم لابنائه? وانما لانه يملك تراثا عريقا ومشرفا في مقاومة المستعمرين الغزاة لارضه والمنتهكين لعرضه وكرامته الوطنية.
ما يجري حاليا في ليبيا هو غزو صريح لتغيير النظام الحاكم بالقوة المسلحة على طريقة المحافظين الجدد? ورئيسهم جورج بوش? لان الزعيم الليبي استنفد اغراض بقائه? وتم عصره حتى النقطة الاخيرة? وحان الوقت من وجهة نظر الغربيين الى التخلص منه مثل اي منديل مستعمل? ولهذا ركبوا الثورة الليبية وعملوا على استغلالها وتوظيفها لمصلحتهم.
الم يعد الغرب? وبريطانيا وامريكا بالذات? تأهيل النظام الليبي بعد دفعه التعويضات لضحايا لوكربي (ثلاثة مليارات دولار) وايداع كل فوائضه المالية (200 مليار دولار) في البنوك الاوروبية والامريكية? الم تفرج بريطانيا التي تقود حاليا العدوان على ليبيا عن عبد الباسط المقرحي المتهم بتفجير طائرة لوكربي مقابل عودة شركة ‘بريتش بتروليوم’ العملاقة للعمل بشكل اقوى في ليبيا وحصولها على عقود استكشا