اليمن: تغيير حكومة ام رئيس?
تتعرض الثورة الشعبية المطالبة بالاصلاح ورحيل النظام للتصفية بطريقة دموية من قبل قوات الامن الحكومية? وما حدث يوم الجمعة الماضي من مجازر استهدفت معتصمين في احد المساجد القريبة من ساحة التغيير في صنعاء راح ضحيتها اكثر من خمسين شخصا? علاوة على مئات الجرحى ضاقت بهم مستشفيات العاصمة ضعيفة التجهيز في المعدات والطاقم الطبي.
الثورة الشعبية في اليمن سلمية? حيث حرص المشاركون فيها على عدم التجاوب مع استفزازات النظام واللجوء الى السلاح? وظلوا طوال الاسابيع الماضية يعبرون عن مطالبهم المشروعة بالاصلاح بطرق حضارية صرفة? الامر الذي اثار اعجاب الجميع وتعاطفهم داخل الوطن العربي والعالم الاسلامي? ولكن لم يكن الحال كذلك في المجتمع الدولي.
بالامس اقدم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على حل مجلس الوزراء في محاولة من جانبه لامتصاص الغضبة الشعبية المتصاعدة اثر مجزرة الجمعة? ولكن مثل هذه الخطوة على اهميتها لن تنجح في تهدئة المشاعر الغاضبة? وهي المشاعر التي تجسدت من خلال مشاركة ما يقرب المليون شخص في تشييع الضحايا الى مثواهم الاخير في احدى مقابر العاصمة.
تتضارب الآراء حول حل الحكومة? فهناك من يقول بان الرئيس يريد ضخ دماء جديدة نظيفة في صفوفها? خاصة ان عددا كبيرا من الوزراء متهم بالفساد? ولكن هناك رأيا آخر منتشرا في صفوف المعارضة يقول بان الرئيس صالح اضطر الى حل الحكومة كخطوة استباقية بعد تردد انباء عن عزم عدد كبير من الوزراء تقديم استقالاتهم احتجاجا على المجازر التي ترتكبها قوات الامن في حق المتظاهرين.
الشعب اليمني لا يريد تغيير رئيس الوزراء وانما رئيس الجمهورية? وهذا واضح من الشعارات التي رددها المحتجون منذ اللحظة الاولى لنزولهم الى شوارع المدن الرئيسية اليمنية? ويبدو ان الرئيس فهم الرسالة خطأ عندما قال انه لن يرحل قبل الانتخابات الرئاسية بعد ثلاث سنوات? حيث لا يعتزم ترشيح نفسه فيها.
الرئيس علي عبدالله صالح يتمتع بدهاء فطري خارق مكنه من البقاء في السلطة لأكثر من ثلاثين عاما? نجح خلالها في تجاوز العديد من الازمات والانقلابات التي هددت حكمه? بما في ذلك حرب الانفصال منتصف التسعينات? ولكن يبدو ان مساحة المناورة امامه تضيق يوما بعد يوم? حيث فرغت جعبته من اي حيل جديدة تمكنه من تجاوز الثورة الشعبية الحالية.
وربما يفيد التذكير بأن الرئيسين المخلوعين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي أقدما على الخطوة نفسها? اي حل الوزارة على أمل استرضاء المحتجين? والايحاء بأن الاصلاح ممكن? ولكن الشعبين التونسي والمصري لم يقتنعا بنواياهما? واصرا على رحيل الرئيسين ونظاميهما? وهذا ما حدث فعلا.
الرئيس اليمني يتشبث بالسلطة بأظافره واسنانه? ويبدو انه لا يريد الانضمام الى قائمة الرؤساء المخلوعين? ولكن ما يريده شيء? وما يريده المتظاهرون شيء آخر? وأثبتت التجارب الاخيرة في تونس ومصر ان ما يريده المتظاهرون هو غالبا ما يتحقق في نهاية المطاف? أي رحيل النظام الحاكم برمته.
القدس العربي