قراءة في رواية ” كائنات من غبار” لهشام بن الشاوي
ربما كانت العلاقة بين الإنسان وتجذر شعوره بالاغتراب والاستلاب بشقيه المادي والمعنوي ـ من خلال العلاقات المتشابكة لفعاليات الحياة ـ التي تعانق سمة التشظي التي يحفل بها الواقع المرئي المشحون? دافعا لسبر أغوار تلك الإحداثيات المنبثقة من العالم الذي يتشكل من لحمة مكان متشظ?ُ وزمان أكثر تشظيا?ٍ وإقصاء?ٍ عن خريطة الوعي الإنساني? ذلك الوعي الذي يراهن عليه الأدب من خلال علاقاته العكسية الدالة على وجوب فعل المقاومة من أجل الحياة? والحياة فقط? والتي تنبثق من خلالها هذه الرؤية المتسمة بالسديمية والإغراق في الشعور بالعدم الذي ربما حول كل شيء إلى غبار? والذي قد تعمل على إنتاجه دلاليا مجموعة من الإحداثيات الجديدة التي تخرج أيضا من الواقع المادي الملموس والمحسوس معا? إلى الواقع الافتراضي أو عالم الشبكة العنكبوتية الأكثر إيغالا في التغييب والاغتراب? والتكريس لهما? والذي فرض على واقعنا المادي بتفاصيل أكثر غرائبية والتباسا? ليضع إطارا جديدا لتشابكات الحياة? وربما أدى إلى أنساق قد تخلق حالات جديدة مشوهة? تطرح علاقات لا إنسانية أكثر تشوها.
ومن هنا ربما أتي هذا التعانق الذي أحدثته رؤية الكاتب المغربي هشام بن الشاوي? في روايته “كائنات من غبار” بين تيمة الاغتراب النفسي التي تفرض أبعادها هذه الحالة من التوحد الذي ترسمه الخطوات الأولى لسرده الموجه بضمير المخاطب? والذي يمثل الشاهد على مدى التحولات النفسية في ذات السارد أو الموجه إليه الخطاب الذاتي? تكريسا لمفهوم وقوع المخاطب في دائرة الحصار الذاتي الذي يفرضه الخارج بتداعياته وأموره المتناقضة التي تفرض عليه هذه الحال التي تبدأ بها الرواية? وربما تنتهي بها:
“كما يجدر برجل وحيد وبائس تغفو إرهاقا? والحافلة تمخر عباب الإسفلت? في ظلمة المغيب الشاحبة..”(ص3)
حيث تمثل الحافلة هنا بداية ?ٍ معادلا للحياة التي تسير بالشخصية المأزومة في جو ممهور بالسديمية ومغلف بها? معطيا دلالات الجو النفسي ومنطلقا من هذا المكان المغلق الذي تنحصر فيه النفس? ويتحرك بها في حيز من الأماكن الخارجية التي تلقي بظلال قاتمة تسهم في التكريس لهذه السديمية? مختلطة بغبار الشخوص من حوله في واقع ذهني يتلقف الإشارات لينطلق منها إلى معانقة هذه الأطياف أو الكائنات التي تحولت في ضميره إلى غبار? فتتعدد تلك الأماكن مع الشخوص? وتتناثر في متن النص الروائي الذي يكسبها هذه الشرعية في كونها علامات فارقة في تشكيل الواقع المحيط بهذه الشخصية المأزومة المخاطبة? كما في قوله:
“بجوار ضريح “للا عائشة البحرية”? نصبت خيام مهترئة? على شكل مطاعم? ومزارات دجالين وعرافات? وعبر ممر ضئيل يتدفق جدول ماء عكر? وقدر كبير مفحم? ملئ ماء تغتسل به زائرات الضريح للتبرك. بعضهم يبيع شموع?ٍا وبخور?ٍا. يثير انتباهك اللون الأخضر لمناديل وأعلام تبيع الوهم…”(ص10)
هنا يبدو الوعي الخارجي للمجتمع من حوله? في هذه الصورة الممجوجة التي تطرحها هذه الرؤية المضببة التي ترتبط هنا بالوهم? كأحد مترادفات التغييب الذي يمارسه الواقع على وعي الشخصية? والتي ترفضها الشخصية أو تناوئها على نحو من تأصيل علاقة التنافر التي تشير إليها تفاصيل الصورة أو المشهد السردي الدال? الكاشف عن مفردات الواقع المتأثر إلى حد التشبع بهذا الجو الموغل في الخرافة والدجل.. والذي يسهم بلا شك في رسم الخريطة الخارجية للمكان? الذي تتنقل فيه الشخصية منقادة? تحت تأثير هذا الشعور الإنساني الذي يبرزه النص بالتعاطف مع المكان? كعنصر دال على مدى الارتباط بالمكان بالرغم مما فيه وما حوله:
“تلفظك حافلة أزمور? تحس بألفة غريبة حين تطأ قدماك أرصفة مدينتك? تدرك بأنك تحبها? رغم كل عيوبها? يهتف قلبك: ما أغرب الطبيعة الإنسانية!.
يتضاعف تعبك? تمني النفس ألا تتأخر الحافلة رقم 3? تلمح تجمهر?ٍا بشري??ٍا? وسيارة الشرطة عند مدخل أحد الأزقة? يلتهمك الفضول..”(ص13)
تبدو الشخصية دوما في موقع المفعول به الذي يتلاعب به واقعه على نحو من العديد من الأفعال الدالة على وقوع تلك الشخصية تحت تأثير قوى خارجية تضغطها في هذا الحيز الضيق? بالرغم من إمكانية التحرك في مساحات مادية واسعة? أو فضاء (زمكاني)? إلا أن المساحات النفسية تكاد تنغلق على هذا الحيز الضيق الذي يمثله فضاء الحافلة? التي تلتهم الزمان وتختزله في صور تتداعى على خاطر هذه الشخصية المأزومة? والتي ما تكاد تلفظها حتى تستعيدها في مناطق أخرى من النص ومن خارطة المكان? الذي لم ينسلخ عنه هذا الذي مضت به أحداث النص بلا اسم? وهو ما يدلل على تلاشي وذوبان العنصر القيمي للشخصية? من ناحية? ومن أخرى إسقاطها على الجميع ? وبيان مدى ذوبان هذه الشخصية ماديا في أتون واقعها المحيط? فهو حي بداخل جماعته? شاخص بوجود شخوصه وعلاماته وما يجبله عليه من عاطفة حميمة? حتى تستعيده لتلقي به في مكان آخر.
كما يلج السرد الموجه في مناطق العتمة التي تعد من قبيل المسكوت عنه من خلال هذا التطواف الداخلي بالذات التي تستجلب التا