في عيد الأم : وفاء?ٍ لأم سمير القنطار بالتبني ..
تشرفت ذات مرة بلقاء ” أم سمير القنطار ” في بيتها بقرية عبية في الجنوب اللبناني ? كما وتشرفت بلقاء أم سمير بالتبني ” أم جبر وشاح ” مرارا?ٍ في قطاع غزة ? وما بين الإثنتين قواسم عديدة .
فالأولى وبصراحة فاجأتني حين لقائها ? بمعنوياتها العالية و بحجم الإرادة والعزيمة التي تتسلح بها ? و بكلماتها التي عكست قناعتها الراسخة بحتمية عودة سمير الى حضنها في أية لحظة .. قناعة تأكدت وأمل تحقق بعد انتظار امتد ثلاثين عاما?ٍ .
والثانية ” أم جبر وشاح ” لا تقل صلابة وعزيمة عن الأولى ? وهي ورغم ك?ْبر سنها تعكس صورة الفلسطيني ? بل العربي الواثق بحتمية الإنتصار والعودة الأكيدة ? الماضي بخطوات واثقة نحو المستقبل المشرق ? المؤمن بشمس الأسرى التي لابد وأن تشرق .
وما بين أم سمير وأم جبر ? ما بين لبنان وفلسطين ? و قرية عبية بالجنوب اللبناني ومخيم البريج بقطاع غزة ? التقت الأحبة وتلاحمت المشاعر وامتزجت الأحاسيس ? تلاقت التطلعات والأهداف ? وتشابكت الأحلام والآمال .
” أم جبر وشاح ” يصعب ايفائها حقها وي?ْستحال التوفيق في انتقاء الكلمات التي تستحقها .. فهي لم تكن أم لإبنها الأسير الرائع جبر الذي أمضى خمسة عشر عاما?ٍ في سجون الإحتلال ? وهي لم تقطع أواصر العلاقة مع الأسرى وجذور الإنتماء لقضيتهم بمجرد تحرر ابنها ” جبر ” منتصف التسعينيات ? ولا حتى بعد تحرر ابنها بالتبني ” سمير القنطار ” فانتمائها لقضية الأسرى فاق كل التوقعات ? فتجاوز حدود الخاص الى العام ? وانتقل من المرحلي الى الإستراتيجي ? فكان انتمائها أبدي ومصيري ? رغم تجاوزها السبعين عاما?ٍ من العمر ? لتؤكد حقيقة بأنها ليست أم لجبر وسمير فحسب ? بل هي أم لكل الأسرى الفلسطينيين والعرب …
واذا كان نائل البرغوثي ي?ْعتبر اليوم عميد الأسرى الفلسطينيين ? وصدقي المقت عميدا?ٍ للاسرى العرب والشهيدة دلال المغربي ” عميدة الشهيدات ” فان أم جبر وشاح هي عميدة أمهات الأسرى عموما?ٍ .
” عميدة أمهات الأسرى ” ? ” أم الأسرى ” ” ناطقة باسم الأسرى ” ? ألقاب كثيرة حصلت عليها ? ولم تنلها مجاملة لإبنيها جبر وسمير .. وانما لأنها استحقتها عن جدارة وتستحق أكثر من ذلك بكثير ? ومن حق أبنها التي أنجبته وأرضعته أن يفخر بها ? ومن حق سمير أن يفخر بأمه التي لم تلده ? فمن لم يعرف أم جبر ? لا يعرف ولم يسمع من قبل عن معاناة أمهات الأسرى ونضالاتهن وصمودهن وحكاياتهن المريرة ? ومن حق شعبنا بأن يفخر بأن لديه ” أم جبر ” والعشرات بل المئات من أمثالها ..
” أم جبر وشاح ” بدأت حكايتها مع السجون منذ قرابة ثلاثة عقود من الزمن ? ومن قبلها مع الثورة والثوار ? فتتقلت من هذا السجن الى ذاك ? تارة لزيارة ” جبر ” وتارة أخرى لزيارة ابنها بالتبني ” سمير ” ? وفي أحيان?ُ كثيرة الإثنين معا?ٍ ? وفي أحيان?ُ أخرى زيارة آخرين من الأسرى العرب ? وما يرافق تلك الزيارات من سفر شاق لمئات الكيلومترات وألم ومعاناة ? فانتمت بصدق وطواعية للحركة الأسيرة دون أن ت?ْعتقل ? والتحمت بقضية الأسرى دون تردد ? وعملت مرسالا?ٍ وساعي بريد للأسرى جميعا?ٍ ? وكانت سندا?ٍ قويا?ٍ لهم ? وأعطت ولا زالت تعطي الكثير دون أن تمتلك المؤهلات الأكاديمية أو الإمكانيات المادية أو حتى القدرات الصحية ? فلقد تعالت على أمراضها وهمومها وآلامها ? ولا زالت تعطي رغم هموم الحياة وقساوتها ? وك?ْبر سنها ? ففاقت بعطائها ونضالاتها مؤسسات كاملة .
وأنا أشهد على ذلك ? فكثيرا?ٍ ما ترددت الى وزارتنا وزارة الأسرى والمحررين لتتابع أوضاع الاسرى والكانتينا ولمعالجة بعض اشكاليات ومعاناة العديد من الأسرى العرب ? وكثيرا?ٍ ما التقيت بها في مكتب الأستاذ راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وهي تنقل له معاناة الأسرى والإنتهاكات الخطيرة التي يتعرضون لها ? طالبة منه التدخل لمساعدتهم ? وواظبت على المشاركة في الإعتصام الإسبوعي أمام مقر الصليب الأحمر الدولي بمدينة غزة ? ولم تتوان?ِ للحظة في المشاركة في الفعاليات والندوات واللقاءات المساندة لقضايا الأسرى ? وكانت خير المتحدثين عن الأسرى .
وبايجاز فأينما وجدت قضية الأسرى كانت ” أم جبر ” حاضرة ? وأينما وجدت ” أم جبر ” حضرت قضية الأسرى بكل ما يعني ذلك من معاني ? فهي خير من مث??ِل الأسرى وتحدث عنهم وعن معاناتهم ? بلغتها البسيطة ولهجتها العامية الأقرب والأسهل للوصول الى القلوب والعقول .
” أم جبر وشاح ” هي واحدة من الأمهات الفلسطينيات اللواتي تبنين الأسرى العرب في ظل حرمانهم من زيارات ذويهم ? وهذه شكلت ظاهرة على مدار العقود الماضية ? فلم تجد أسيرا عربيا في سجون الإحتلال ? إلا وقد تبنته أم فلسطينية تزوره وترعى شؤونه وتوفر له احتياجاته ? ليرسم الجميع صورة متكاملة من الوحدة العربية في مواجهة السجان والمحتل الغاصب … فكل عام وأنت يا أم جبر وأمهات الأسرى عموما?ٍ بألف خير .
أسير سابق ? وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأ