كلام لا بد منه في ثورة مصر
فيما أنظار الأمة كلها مشدودة إلى مصر تواكب ثورة شعبها التي يمكن تصنيفها في موقع الثورات التاريخية بكل المقاييس? وفيما يتفوق حسني مبارك ونظامه في فن الكشف عن الوجه الحقيقي لعهد أمسك بمصير المصريين لعقود ثلاثة مضيفا?ٍ إلى سياسات التبعية والخنوع وممارسات الاستبداد والفساد? بعدا?ٍ إضافيا?ٍ هو بعد الإجرام والإرهاب عبر ما شهدناه في ميدان التحرير يوم الأربعاء الماضي? نجد انه من الضروري ان نقف امام حصاد أولي للمكاسب الضخمة التي حققتها هذه الثورة حتى الآن.
1. لقد أسقطت هذه الثورة? وقبلها انتفاضة تونس المجيدة? كل محاولات التشكيك بدور الشعوب وقدراتها سواء من قبل حكام استمرأوا الاستبداد والإقصاء? أو حتى على يد “منظري” سلاطين الداخل والخارج ممن احترفوا نهج الاستخفاف والازدراء بالجماهير.
2. وأسقطت ثورة مصر الشعبية كذلك منظومة سياسية وإعلامية? وربما فكرية? تمادت على مدى عقود مهمتها التشكيك بدور مصر وشعبها وهويتها وقدرتها? وهو تشكيك ينضوي تحت لواء التشكيك الشامل بالعرب كلهم الذين طالموا جرى وصفهم أنهم “ظاهرة صوتية” او أمة “قابلة للاستبداد” في محاكاة سمجة لنظرية المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي حول “القابلية للاستعمار”.
3. وأسقط شباب مصر عبر ثورتهم الرائعة? وبسالتهم الاستثنائية? وصمودهم العظيم أيضا?ٍ? تلك النظرة الظالمة “الفوقية والمتعالية” التي تحكمت بكثيرين في نظرتهم للشباب? فتوغل في وصفهم بأنهم شباب غارق في الميوعة? ومنصرف عن هموم مجتمعه وقضايا أمته? وتقيم حفلات “الندب” على مستقبل الأوطان مع شباب مسكون بملذات الحاضر? فاذا بهؤلاء الشباب ينتفضون? ويقودون مجتمعاتهم? ويبتدعون وسائل تحركهم وأساليب صمودهم? ويتجاوزون كل المؤسسات التقليدية التي لم تجد مفرا?ٍ من اللهاث خلفهم.
4. وفي وقت ظن فيه النظام الرسمي العربي عموما?ٍ? والنظامان المصري والتونسي خصوصا?ٍ? أنه قد نجح في تدجين القوى السياسية? وتجويف الأحزاب وتشتيت الحركات? وتشويه النقابات? فإذا بالشباب عبر مواقع التواصل فيما بينهم? وعبر المبادرات الخلاقة التي يطلقونها? وعبر اللجان الشعبية التي يشكلونها? يفاجئون الجميع بقدراتهم على ملء فراغ أوجده استبداد الأنظمة وترهل التنظيمات? وهو فراغ تأباه الشعوب كما الطبيعة.
5. وفي وقت تباكى كثيرون? لاسي?ما على المستوى النظري من غياب المشروع العربي في منطقة تتقدم فيها مشاريع أخرى كالمشروع الإيراني والمشروع التركي? بل ان البعض حاول ان يعزو ذلك إلى مطامع ايرانية أو تركية دون ان يعتبر أنه نتيجة عجز أنظمتنا ورهن إرادتها للطغاة المستعمرين? تتصاعد اليوم الآمال بأن تقوم مصر الثائرة? ومعها كل مواقع المقاومة والممانعة في أمتنا العربية? بأحياء المشروع العربي المفقود? وهو المشروع المتكامل بالضرورة مع مشاريع الأمم التي تربطنا بها دائرة حضارية واحدة? كما تشدنا إليها مصالح ومصائر وتحديات مشتركة وفي مقدمها التحدي الاستعماري الصهيوني.
6. وفي وقت شكك فيه كثيرون بوحدة العرب ونعوا عروبتهم ومجدوا عصبيات ضيقة? إقليمية وطائفية ومذهبية? وروجوا لغزائز انقسامية بالمال والإعلام والتحريض بكل أنواعه? جاءت ثورتا مصر وتونس وما أطلقتاه من تداعيات وتوقعات وتطورات على مستوى الوطن العربي الكبير لتؤكد مرة جديدة ان هذه الأمة هي امة واحدة? وإنها وحدة سياسية اجتماعية تتأثر أجزاؤها كلها بما يواجهه أي جزء منها.
فالزلزال الذي ينطلق في قطر واحد تشمل ارتداداته كل الأقطار? والانتفاضة التي يشعلها شباب بلد ما تصبح انتفاضة الشباب على مستوى الأمة? فكيف اذا كان القطر هو مصر? والانتفاضة هي انتفاضة شباب مصر.
7. لقد رو?ج منظرو السلاطين “والقوارين” – نسبة إلى قارون – انه بعد سقوط الايديولوجيات? وسقوط الانظمة الشمولية? وسقوط الطبقات الاقطاعية القديمة? وسقوط الديكتاتورية العسكرية? وسقوط الاحزاب والقوى الشعبية? فإن منطقتنا – حسب هؤلاء – دخلت مرحلة حكم “رجال الاعمال” لانهم عصريون وناجحون ومتواصلون مع عالم تحكمه منذ نهاية القرن الماضي? الليبرالية الجديدة (النيوليرالية)? وانعقدت في ضوء تلك النظريات تحالفات غير مقدسة بين المال والسلطة? حيث يوصل المال اصحابه إلى السلطة? وحيث تمكن السلطة اصحابها الجدد من ان يغرفوا المزيد من الاموال من خزائن الشعوب وعلى حساب عرق المواطنين ودمائهم.
ما حصل في مصر ? وقبله في تونس? وبعده في غير قطر عربي? أظهر ان هذا الحلف غير المقدس قد بدأ ينهار? وان خلف اسوار القصور? “ووقار” الحكم وهيبته? تقطن مافيات? (اين منها المافيات المعروفة?)? مستعدة لأن تستخدم ابشع الاساليب والوسائل لكي تبقى حيث هي في مواقع مص دماء الشعوب وخيراتها. بل تمو?ل بلطجية يقتلون الناس بدم بارد في ما يمكن تسميته “بفوضى البلطجة الخ?لاقة” والتي سماها رئيس الوزراء الفريق احمد شفيق بانها “مجرد مشاغبة”? وربما “مداعبة”.
فليس من قبيل الصدف ان يكون مثلا اول “ضحايا” ثورة مصر احمد عز رمز الفساد والافساد والتزوير معا?ٍ”