بن سلمان يستعرض طموحه في واشنطن.. والبيت الأبيض يتجاهله
شهارة نت – متابعات :
يوماً بعد يوم تتأكد مشكلات السعودية المستقبلية، والتي حدها الأدنى الصراع الداخلي بين أمراء البيت السعودي على الحكم، وهو الصراع الذي بدأ قبل وفاة الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، وأنتهى فصله الأول بتصعيد كل من الأميريين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان لمنصبي ولي العهد وولي ولي العهد بعد الإطاحة بمتعب نجل الملك السابق واحتوائه، وكذلك الإطاحة بولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز لتصعيد بن نايف ضمن خط الصعود المنطقي، وكذلك –وهو الأهم- بن سلمان لمنصب ولي ولي العهد بالإضافة لتوليه منصب وزير الدفاع وعدة مناصب أخرى جُلها اقتصادي وسيطرته على الإعلام وكذلك الدبلوماسية السعودية، وذلك في مقابل تهميش بن نايف الذي يمتلك خبرة أكثر في الحكم والسياسة ويمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، والذي كان قبل الطفرة التي شهدها بن سلمان -بحكم قوة علاقته بوالده- متوقع أن يكون ملك السعودية القادم، سواء لكونه ولي العهد، أو للمميزات التي يمتلكها، ولكن الأن وفي ظل سيطرة بن سلمان على والده الملك الحالي والذي يعاني بحسب تقارير طبية من اعتلال عقلي سمح لنجله بأن يسيطر عليه ويبدأ بالتمدد السريع بدافع الطموح إلى مسئوليات ومناصب كانت تاريخياً توكل إلى ولي العهد الذي يعاني حالياً من التهميش الممنهج.
وعلى صعيد تسويق محمد بن سلمان كملك السعودية القادم، فإن هناك ثغرة كبيرة في استراتيجيته التي تستهدف الوصول للعرش سريعاً، ألا وهي عدم ثقة الأميركيين به وتقديره على المستوى العملي والشخصي، بل واستنكافهم لسياساته خلال الثمانية عشر شهراً منذ أن تولى باقة مناصبه الجديدة، ومدى اعتمادهم عليه بدلا من بن نايف –رجلهم المفضل وشريكهم في الحرب على الإرهاب- في إدارة ملفات المنطقة التي تشهد تحولات درامية في الأعوام الأخيرة، والتي كان جزء معتبر منها يرد إلى سياسات الارتجال والعناد السعودي سواء في الداخل أو الخارج.
وتأتي زيارة محمد بن سلمان الحالية للولايات المتحدة كجزء من محاولة ضبط العلاقات مع واشنطن والتي كانت قد تدهورت –بخلاف ما سبق ذكره- على مستوى ثنائي متعلق بتخفيض أسعار النفط، أو اتهامها بالضلوع في دعم منفذي هجمات 11 سبتمبر 2001. والأهم من ذلك هو سد الثغرة سابقة الذكر في استراتيجية بن سلمان الذي يسعى إلى تأكيد جدارته بحكم المملكة وإعادة الثقة لدى واشنطن في التعاون المشترك بينهم حسب المصلحة الأميركية التي تتقاطع معها المصلحة السعودية.
في هذا السياق استعرض الباحث والخبير في الشأن السعودي ومدير برنامج سياسات الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، في مقال له زيارة بن سلمان الحالية للولايات المتحدة ودوافعها وأهدافها ومدى استجابة واشنطن لهذه الدوافع والأهداف. وفيما يلي نص المقال:
قبل يومين وصل ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة في زيارة من المحتمل أن تقتصر على نيويورك والساحل الغربي وواشنطن، ومن المتوقع أن تكون المحادثات التي سيعقدها مع أعضاء الكونجرس الأميركي وإدارة أوباما، أن تكون حاسمة في العلاقات الثنائية بين البلدين، وعلى الرغم أن ولي ولي العهد (30 عام) يشغل مناصب مختلفة (النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية)، ولكن الأكثر أهمية هو أنه الإبن المفضل للملك سلمان (80 عام)، وبذلك هو يمثل مستقبل المملكة خاصة بعد إطلاقه “برنامج التحول الوطني 2020” الذي يعد جزء من “رؤية 2030” والتي تستهدف اعتماد اقتصاد المملكة على مصادر أخرى دون احتياطات النفط.
وهذه هي الزيارة الثالثة التي يقوم بها بن سلمان إلى واشنطن خلال مدة تزيد قليلاً عن عام واحد. ففي مايو 2015، رافق ابن عمه الأكبر سناً، ولي العهد الأمير محمد بن نايف، للمشاركة في قمة زعماء دول الخليج في كامب ديفيد، عندما حاول الرئيس أوباما تهدئة المخاوف بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وفي سبتمبر، عاد إلى واشنطن مع والده الذي سمح له بإدارة غالبية المحادثات في الاجتماع الذي عُقد مع الرئيس الأمريكي في المكتب البيضاوي.
ومن البديهي أن هذه الرحلة الفردية التي يقوم بها بن سلمان هذا الأسبوع سوف تباركه في الواقع كشخصية رئيسية في الاتصال بين الرياض وواشنطن، وتهميش الوريث الأكيد محمد بن نايف، الذي كان يعتبر من قبل مسئولين أمريكيين بأنه “أمير مكافحة الإرهاب” و “السعودي المفضل لدى واشنطن”. فخلال الزيارتين التي قام بهما الأمير بن نايف إلى البيت الأبيض في ديسمبر 2014، وفي مايو 2015، تم تكريمه من قبل الرئيس الأمريكي وكبار مسئولي الأمن. إلا أن ذلك الشرف يعود الآن إلى الأمير محمد بن سلمان، الذي سيعقد اجتماعات في البيت الأبيض والكونجرس – من بينها مع مسئولين ولجان تشرف على قضايا الأمن الداخلي والاستخبارات، والتي عادة ما تعتبر جزءاً من دائرة نفوذ بن نايف.
واعتماداً على التقارير ]الإعلامية السعودية[ التي توصف الزيارة الحالية لأمير الأصغر سناً على أنها الأولية التي تصوّر الزيارة الحالية للأمير الأصغر سناً على أنها محاولة لعرض رؤيته على الشركات والبنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة، وعن “رؤية 2030″، إلا أن الجزء الأول من الرحلة سيركز على ما يبدو على توفير الدعم السياسي، والذي قد يكون صعباً، فحالياً هناك شعور بالقلق في دوائر الكونجرس تجاه الرياض مما قد تتضمنه الصفحات الثمانية والعشرين التي استُبعدت من التقرير العلني المتعلق بهجمات 11سبتمبر. ويقال إن الصفحات الناقصة تحتوي على مزيد من التفاصيل حول التدخل السعودي المحتمل في تلك الهجمات، على الرغم من أن رئيس “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية جون برينان كان قد أكد في مقابلة أجراها مع قناة “العربية” في 12 يونيو بأنه “ليس هناك أي دليل على أن السعودية دعمت منفذي الهجمات”.
وفي أثناء ذلك، توقف البيت الأبيض عن تقديم القنابل العنقودية إلى الرياض الشهر الماضي بسبب المخاوف من تساقط من الضحايا بين المدنيين في اليمن، حيث يحارب تحالف بقيادة السعودية لإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور، وفي الأسبوع الماضي، عكس الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قرار إدانة العمليات السعودية في اليمن الذي كانت قد اتخذته إحدى اللجان، بعد أن هددت الرياض بقطع جميع معوناتها المالية لبرامج المساعدات التابع للأمم المتحدة وقد تذمر كي مون من الضغوط “غير المقبولة” التي تمارسها الرياض.
وبمعزل هذه الخلفيات الدبلوماسية المشحونة بالشك، فإن زيارة بن سلمان سوف تعطي فرصة للساسة والمسئولين في الولايات المتحدة لتقييمه شخصياً، فعلى الرغم من سنة الصغير وعدم خبرته النسبية، إلا أنه يتمتع بسمعة جيدة كمسئول حكومي يعمل بجد وذو شخصية صارمة، ولكن على صعيد أخر تطارده قصص وحوادث منذ أن كان رجل أعمال، مثل تهديده لقاض سعودي بإطلاق الرصاص عليه لرفضه الحكم له بخصوص قطعة أرض أراد الاستحواذ عليها، وبخلاف ذلك فإن المسئولين في السعودية يروجوا أن بن سلمان على علاقة عمل جيدة مع بن نايف، ولكن على مستوى واسع هذا يعتبر أمر خاطئ، ويشاع أن بعض أمراء العائلة وأبناء عمومته من آل سعود يتبعوا خطاه انتظاراً لأن يفشل، ولهذا يجب النظر إلى زيارة بن سلمان بأن الهدف منها تأكده من عدم عرقلة مسار تقدمه ]نحو العرش[.
نقلا عن موقع البديل