أرَادُونا لمِدى الدَّهرِ أسْرى يا سلمى ..
خطها/ جميل أنعم
إليكِ لجأتُ أداوي شظايا البُّن واحتسيْ قهوَة الزمان ..
يا سلمى ..
يا طِفلة الطينِ عند هَذيان الشُطْئان ..
هل لي من قَدميكِ هامشٌ مِن مَساحات النِّهايات ؟..
فالرِّمال المتساقطة من خطواتكِ ستكتب على جُدران الغدِ ما أريد اخفائه من مُكعبات الأحرف..
لقومٍ أرَادُونا لمِدى الدَّهرِ أسْرى يا سلمى ..
لَمْ يتركوا فِينا هَامِشٌ للإختيار .. وخَيرُونا بَينَ الإنهِيار.. أو الدَّمار !؟
وعَلى المَلأ ذَاعُو البشارة.. بِكُل حَقارة ..
للرَّاغبين بِدخول المُعتَقَلْ .. للمُتَنافِسين بِدون خَجلْ .. والبَاحِثين عَن الدَّجلْ ..
تَفضَّلوا إلى الزِّنزانة .. حَللتم تحتنا نَعلاً .. ووطأتم بعضَكُم قَملاً .. بينهم مِنَّا جِيراناً وأَهلاً .. كَهلاً .. طفلاً .. وعَدَدَ شِيوخ ونِساءْ .. لبُّوا النِّداء .. وأَصبحوا أَسرى لأَعدى العِدا ..
يا سلمى .. لا أعرف كمْ صَهواتٍ للقهرِ يجب أن أمتَطي حتى أُتمّ الفنجَان وأنتهي .. مِن وضعِ مكعَّبات الأحرف في قَدمَيكِ لأتوارى عن ناظريكِ بعدها وأختَفي ..
ياسلمى ..
لا رأيتِ القَوم الخَانعينَ الخاضعينْ .. الباحثينَ في أكوامِ الوهمِ عَن قطراتْ السرابْ !
لا رأيتِ الغَارقين في مُستنقعاتِ الغَباء والجِّنون عَن نَعيمِ الزَّنازِين والسِّجُون ؛ لنَا يَشرَحُون ..
وعن أحقية أبناء البِريطانيات والأمريكياتْ في تحريرِ أرضنا مِنّا ؛ لنَا يُحاضِرون ..
عنْ جَمال الإحتلالِ .. وَ روعةِ الفوضَى .. وشمُوخ الإنهيارْ ؛ بأغلظ الأيمانِ لنَا يحلِفون !
يا سلمى … عَن الحُريَّةِ والكَرامةِ لنَا يُعايِرون ..
التَّدمير يَعني التَحرير … والوطَنية تَعني الإبادة والحِصار … والشَرعية تَعني الخِيانة والتَّسوُّل … والحِوار يَعني الإقصَاء ومِن الإتفاقات التَنصُّل …
إغْتَالُوا المُصطلَحات .. نَكَّلُوا بالكَلِمات يا سَلمى !
نحنُ ثُلَّة مجَانين للهِيروين مُدمِنين ..!
ومن تحت نَعلِ الأمير عند مِحراب الدَّنانير ؛ نحنُ يا سلمى قالوا الخَائنين !
رفضُ فوضاهم فوضَى .. رفضُ تمزِّيقهم تمزيق .. رفضُ العبودية إنقلاب !
أنتم في عَرش مُلوك الخمَّارة.. جبِال من الوَهم.. مُسطّحات مِنَ الدَّعَارَة
مَمنُوعِينَ مِن البكَاء.. مَقطوعين مِن الكَهرباء.. محظوظٌ من وجد مِنكُم الماء.. وإكْراماً لكُم .. هَنيئاً لكُم مَجَّانَيةَ الهَواء..
نضّحَكُ فَقطْ لتَقسيمنا وتَمزيقنا.. ونُصفّقْ لصبِّ الفَقرِ عَلينا.. ونُباركْ قَطع رواتِبنا.. ولا نُمانع نَهب كُنوزنا وسلب ثَرواتنا.. واغتِصَاب شَوارِعنا وحَارَاتنا !
أرادونا لِمدى الدَّهرِ أسرى يا سلمى..
أرادونا أشلاءاً على مِحراب مَسجِد.. رؤوساً مَذبُوحَة.. دَجاجاً مَسلُوخة مِن الشَّرَف خَاليَة ومَنزوعَةِ..
أَتَعلمينَ يا سلمى ؟؟…
لماذا يَقومُون بإغماء عَينا الصَّقر أو رَتقِ جفونها عِندَ أَسرِها ؟!
لأنَّها تَنتحرُ يا سلمى ..
تظلُّ تُرفرف مَكانها وتكسر جِناحَها حَتى الموت إن عَلِمتْ بِأسرها يا سلمى !!
نُحَلِّقُ للمنَايا كالصُّقور يا سلمى ..
وكَـ أُم تجَرَّدت مِن مَلابِسها، تحتَ التهدِيد بِذبح أطفالِها .. تجرَّدنا أَرواحنا يا سلمى ..
أَرادونا لِمدى الدَّهرِ أسرى يا سلمى..
نحنُ هُجِّرنا .. نَزحنا يَا سلمى .. نحنُ للأشواكِ أكلنا وارتَدينا !!
نُقاوِم أسر الدَّهر يا سلمى أو نَموت ..
نَبحثُ عن أملٍ .. في بِطنِ الحُوت ..
عَن حُطام مَبنى تملئهُ خيوطِ العنكبُوت ..
نتَوسد زَاوية خَاوية إلَّا مِن السّكُوت..
قبل أن يَغزو الرُّكام هُنا ويملئَ المَكان .. كانتْ ضَحكاتُ الأطفال تُحاكي ثَنايا الجُدران .. لَعمّرُكِ يا سلمى إن الإنصَات لبَقايا تِلك الضَّحكات والنَّزيف بجانِبها حتَّى المَوت .. أَحبُّ على قَلبي من دِخول المُعتَقل ..
يا سلمى إن للكَرامةِ مَواطِنٌ تقطرُ دَماً مِن كفوف الأمَّهات المَجروحات بأشواكِ الحَطب ..
يا سلمى إن للعزِّة والشَّمُوخ مَخازنٌ .. تَقينا الحرَّ والبردَ معاً .. تَكفينا طوال الليالي في الظَّلام ..
يا سلمى رفاهية الكون وجدناها بضعة خيوطٍ لإمراة تطعم أيتامها من الخياطة …
وجدناها عرقاً مالحاً لأسرةٍ إمتنهت بَيعِ الحَطبْ بَعدَ النزوحِ ..
وجدناها شهدٌ يَقطرُ مِن أنف يَتيمٍ يَلعبُ حيثُ استُشهِدَ والِديه وأخاه ..
لَعمّرِكِ يا سلمى إن إِحتساء كأس من الشاي من مَوقد الحَطب ..
أو يَتيمٍ الأبوين والأخوين والأختين يُسامر بندقيته سِفُوحَ الجِبال بإنتِظار القَصاص أو الخَلاص ..
أو استِماع زاملٍ من شَدو جَريحٍ بُترتْ سَاقيه ..
أو الإنصاتِ لوَشْوَشة مِذياع يتقاذَف أنصاف الكَلمات يُخبركِ أن الأبطال كَسروا زَحفاً دَمرواً حشداً واحرَقو مِن آليات السجَّانين عدداً ..
لأشْهى مِما يُسعِد العَالم أجْمع ..
يا سَلمى كَانت تُرسل الوَجبات إلى الجَبهات حتى أستُشهدَ أبنائها وزُوجها… وما زالتْ ترسلُ إلى اليَوم ..
يا سَلمى مُجاهدٍ في كُل رصاصةٍ يَهذيْ إسماء رفاقه الشُّهداء .. تمرُّ الرصاصاتِِ به بلا ألمٌ ولا جُرح.. ليَجد نفسهُ مُتوسداً أكتاف رِفاقِه فَجر اليَوم ..
سئَمتُ صَهوتَي وما سئمتُ يوماً مُسامَرة المُرِّ الحَنّظـلِ .. يَكْفِي ويَكفيكِ وبِما تَركتهُ في قَدمَيك سَأكفيكِ .. سَأتوَارَى عَنكِ وعَنّي سأَخفيكِ ..!
وأنتِ..
أركضِي وامرَحَي في كُل الإتجاهات .. نَعمْ ليس عليها مايستحقُّ الحَياة
دَعي كَعبك يَرسمُ هاءات التأنيْث بِمُكَعّبات الأحرُف يَحكِيها ويَبنِيها
الأرضُ لِمَن يحرِّرها …. يا سلمى
الأرضُ لِمَن يَحمِيها ….. يا سلمى
يا سلمى …. الأرضُ لا تَعشَق من أحرقَها ودَمَّرها
الأرض فاتنةٌ حَسناء تَسكَرُ حباً من بِدمَائِه يَسقِيهَا.. تُعَانِقُ أقْداماً وَثَبَتْ عن العِدا تُخفِيها..
الأرْض يا سَلمى الأَرض ..
نَصْطَحِبُ الشَّظَايا زاداً .. نُسايرُ الموتْ دَلِيلاً ..
ثِقِي مَا زَالَتْ.. ترفضُ القَوَامِيسِ للأَسرِ ضَماً واعْترافاً ..
… يَا سلمى !
———————-
معَ الإعتذار للأديب اليمني الرَّاحل مُحمَّد عَبدالوَلي – صَاحب رِواية الأرض يا سلمى.