رؤية الإسلاميين لشكل الدولة في مصر
منذ بدأت بشائر النصر تلوح على ثورة المصريين التي كان على رأس أهدافها الإطاحة بنظام الرئيس مبارك واستبداله بنظام جديد يرسخ لدولة القانون? وحقوق الإنسان? ويؤكد على الحريات العامة? أخذ الحديث يدور بقوة حول دور الإسلاميين في مستقبل البلاد وشكل الدولة التي ينشدها هذا المكون الهام من الطيف المصري.
لم تكن هذه التساؤلات بعيدة عن إثارة الهواجس من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم وما اصطلح على تسميته بـ “فزاعة الإسلاميين” التي استخدمها كثيرا النظام السابق سواء لدى القوى الدولية في الخارج أو تجاه بعض مكونات المجتمع المصري في الداخل خاصة الأقباط والقوى العلمانية واليسارية.. وهو ما حدا بالإسلاميين الإعلان في كثير من مواقفهم عن شكل الدولة الذي ينشدونه في مصر المستقبل وحقيقة مواقفهم من الهيمنة على صناعة القرار في البلاد.
فمن جهتهم? يؤكد الإخوان المسلمون دوم?ٍا أن الدولة التي يتطلعون إليها إنما هي “دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية”? جاء ذلك في العديد من بياناتهم ومنها البيان الصحفي حول الثورة الشعبية في 9 فبراير. وردا على اتهامات بسعيهم إلى “إقامة دولة دينية كالتي في إيران”? اعتبر البيان ذلك افتراء على الإخوان الذين كرروا كثيرا أن الدولة التي يريدونها الشعب فيها “مصدر السلطات وصاحب السيادة”.
وأكدوا أيضا على أنهم لا يتطلعون إلى السلطة ولا يريدون “الرئاسة? ولا المناصب”? ولا يسعون لكسب الأغلبية في البرلمان? بل يتطلعون إلى “الإصلاح الشامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والإعلامية وسائر جوانب الحياة”.
وحسب المصطلح اليوناني فالدولة الدينية أو “الثيوقراطية” هي التي تحكمها حكومة دينية? ويستمد الحاكم فيه سلطاته مباشرة من الإله? حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين? والحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أو على الأقل يسود رأي الكهنوت عليها. لكن يقول الإسلاميون إنهم لا يعرفون مطلقا هذا الشكل الذي ساد الغرب في القرون الوسطى المعروفة بالمظلمة.
فيقول الدكتور يوسف القرضاوي: الدولة الدينية “الثيوقراطية” التي عرفها الغرب في العصور الوسطى والتي يحكمها رجال الدين? الذين يتحك??ِمون في ر?قاب الناس ـ وضمائرهم أيض?ٍا ـ باسم “الحق الإلهي” (…) هي مرفوضة في الإسلام? وليس في الإسلام رجال دين بالمعنى الكهنوتي? إنما فيه علماء دين? يستطيع كل واحد منهم أن يقوم بالتعل??ْم والدراسة? وليس لهم سلطان على ضمائر الناس? ودخائل قلوبهم? وهم لا يزيدون عن غيرهم من الناس في الحقوق? بل كثير?ٍا ما ي?ْهض?ِمون وي?ْظل?ِمون.
ثم يعرج القرضاوي ليضع رؤيته للدولة? فهي “دولة م?ِد?ِن?ي??ِة? تقوم السلطة بها على الب?ِي?عة والاختيار والشورى والحاكم فيها وكيل عن الأمة أو أجير لها? ومن حق الأمة ـ م?ْمث??ِلة في أهل الحل?? والع?ِق?د فيها ـ أن ت?ْحاسبه وت?ْراقبه? وتأمره وتنهاه? وت?ْق?ِو??مه إن أعوج??ِ? وإلا عزلته? ومن حق كل مسلم? بل كل مواطن? أن ينكر على رئيس الدولة نفسه إذا رآه اقترف منكر?ٍا? أو ضي??ِع معروف?ٍا? بل على الشعب أن ي?ْعلن الثورة عليه إذا رأى كفر?ٍا ب?ِو?ِاح?ٍا عنده من الله برهان”.
وهو نفس ما يؤكد عليه الكاتب د.حلمي القاعود حيث يرى الفارق كبيرا بين الدولة الدينية بمفهومها الكاثوليكي? والدولة الإسلامية كما أرساها الإسلام? إذ إن الدولة الإسلامية هي أول دولة مدنية في التاريخ يخضع فيها الناس لسلطة النظام العام أو القانون? ولا تفتش في الضمائر? ولا تملك سلطة حرمان أو غفران لأن “كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ” ( الإسراء : 13) ? “ولا تزر وازرة وزر أخرى” (الإسراء : 15) . كما جاء في مقاله “الثورة بين الدولة الدينية والدولة المدنية”.
وفي عمومياتها تقترب هذه الرؤية التي يقدمها مفكرو الإخوان إلى حد كبير من الدستور المصري? الذي تنص المادة الثانية منه على أن “الإسلام دين الدولة? واللغة العربية لغتها الرسمية? ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”. لكن هذه المادة تجد ما يصفه الإسلاميون بـ “تحرش من قبل البعض” من وقت لآخر? خاصة من قبل بعض العلمانيين. إذ أعلن نشطاء ينتمون إلى أقليات مختلفة في مصر تأسيس ما سموه «الجبهة الوطنية المصرية للدفاع عن الأقليات والدولة المدنية» وضمت في عضويتها أقباط وبهائيين وشيعة ونوبيين وأمازيغ? وهي تهدف إلى صياغة رؤيتهم حول التعديلات الدستورية. وحددت شخصيات قبطية مطالبها في بيان أصدروه? في: أنه يجب أن تتبنى التعديلات الدستورية حذف أو تعديل أية مواد تتعارض مع المادة الأولى الخاصة بالمواطنة? والمادة رقم 40 الخاصة بالمساواة? والمادة رقم 46 الخاصة بحرية العقيدة. وقال البيان شارحا هذا المطلب: «ونقصد بذلك المادة الثانية تحديدا من الدستور»? كما طالبوا بإصدار قانون بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.
مدنية “الوسط” واقترابها من رؤية الإخوان
أيضا تتشابه الرؤية التي يقدمها الإخوان المسلمون مع رؤية