الفيسبوك وتقنيات ثورة الإعلام الجديد
جاء انتصار الانتفاضة التونسية محمولا?ٍ على عدة روافع وأسانيد أساسية? ساعدت على انتصارها وفوزها بإنهاء وخلع النظام السابق وفرار رأسه القيادي الأول? ويتقدم تلك الروافع الإعلام الجديد? وثورة الاتصالات وتقنياتها المختلفة? التي جعلت من الحدث التونسي حدثا?ٍ نوعيا?ٍ وملفتا?ٍ لشعوب العالم? ودفعت به ليقرع كل أبواب المعمورة لحظة بلحظة.
ففي الحدث التونسي? مث?لت وسائل الإعلام والاتصال المتطورة? سلاحا?ٍ هاما?ٍ في يد المنتفضين من عامة الشعب? وجعلت كل مواطن صحافيا متجولا? ومع تقد?م مسار الأحداث أخذ دور تقنيات الإعلام الجديدة ومنها الـ«الفيسبوك»? يت?سع شيئا فشيئا حتى تحو?ل إلى وكالة أنباء مباشرة? سه?لت تواصل المتظاهرين مع بعضهم البعض? وقر?بت المسافات بين ما يحدث في مختلف الجهات التونسية? كما اختصرت آلاف الأميال التي تفصل تونس عن أطراف العالم? حتى أصبح بإمكان المواطن التونسي نقل الحدث بالكلمة المكتوبة أو المسموعة? وبالصوت والصورة? إلى كل أصقاع الأرض? ولم يستطع النظام المخلوع أن يواجه كل تلك التقنيات بالأساليب التي دأبت عليها الأنظمة الديكتاتورية في محاصرة هبات الشعوب وسحقها بالدبابات وإخمادها? ومنع وصول صوتها إلى خارج دائرة الحدث? حتى في البلد ذاته.
كانت تقنيات الإعلام ووسائل الاتصال المتطورة مثل «يوتيوب» و«ديلي موشن» وفي المقد?مة تقنية الـ«فيسبوك»? التي أبدع شبان تونس المنتفضون في استثمارها? سلاحا?ٍ فعالا?ٍ في اختراق الحصار الإعلامي وفي تنفيذ أمرين:
أولهما? التواصل بين المنتفضين أنفسهم? وفي تحركاتهم في الشارع? وفي تبادل المعلومات والخبرات السريعة? وفي نشر أسماء المعتقلين والشهداء والجرحى? وفي العمل على خلق حالة احتقان شعبي ضد نظام بن علي? وتشج?يع الناس على النزول للشارع وكسر حاجز «عمار 404»? وهو الاسم الذي ابتدعه التونسيون ليرمزوا به إلى الرقابة التي كانت مفروضة على العشرات من المواقع والمدونات الالكترونية. ومن هنا بات موقعا «تويتر» و«فيسبوك»? أداتين رئيسيتين لحشد الناس والإعلان عن أماكن التجمعات ومواعيدها.. الخ.
وثانيهما? في الاتصال مع العالم الخارجي? ونقل صورة الحدث التونسي لوسائل الإعلام ولمنظمات حقوق الإنسان وللمهتمين وللرأي العام الدولي بشكل عام أولا?ٍ بأول? ليجعل منهم ومن ثورتهم وانتفاضتهم ثورة عابرة للحدود. وساعد على ذلك وجود نسبة مرتفعة من التونسيين مستعملي الانترنت? والتي تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل نحو 3,6 ملايين مواطن? بنسبة تعادل 36٪ من مواطني تونس? إضافة لوجود مليون ونصف المليون من المشتركين في «الفيسبوك»? وهي نسبة متقدمة جدا مقارنة ببقية الدول الإفريقية والعربية? وحتى الدول الأوروبية المتوسطية.
هذا الوعي المعلوماتي أدى إلى إشعال ثورة سلمية نموذجية? عصفت بعرش نظام بن علي? وإلى توليد تغيير سلمي وحضاري في تونس? دون اللجوء لدبابات وانقلابات عسكرية أو سفك مرعب للدماء.
وعليه? فإن ثورة الإعلام الجديد? التي يقودها الآن شبان محترفون من بين جموع المنتفضين ضد الأنظمة الديكتاتورية والتسلطية في العالم? باتت تقض مضاجع تلك الأنظمة? التي أصبحت هي وتقنيات الفيسبوك? وأداة الانترنت بشكل عام? على تضاد وعداء مستديم? فقد انتهى اليوم الذي كانت فيه تلك الأنظمة تستفرد وتفتك بشعوبها? دون أن ينتبه إليها أحد من العالم? أو أي من مؤسسات حقوق الإنسان.
إن ثورة الانترنت وتقنياتها? تشكل الآن مصدر إلهام لشعوب العالم? وللساعين نحو حرية شعوبهم وخلاصها من أنظمة القمع والفساد? فقد تراجعت تقديرات البعض التي طالما كرروها? بشأن مثالب وتأثيرات تلك التقنيات على العادات والتقاليد والقيم في المجتمعات (وهو أمر يمكن أن يقع)? ليبرز الوجه الإيجابي الآخر لتلك التقنيات? وهو الوجه الحضاري الذي يساعد ويعمل على تحرير الشعوب وعلى خلاصها من القمع والفساد? وعلى رقيها وصعودها العلمي.
إن ثورة وسائل الاتصال والإعلام المتطورة وتقنياتها المتجددة كل يوم? ومنها ثورة الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي? أصبحت في الدول البوليسية ملجأ للتواصل الاجتماعي بوصفه ملاذا?ٍ آمنا?ٍ? يمك?ن الناس في تلك الدول من التواصل ومن تبادل الخبرات والتأسيس لأعمال هامة? من خلال التعبير عن آرائهم بحرية. كما أن العديد من حركات المعارضة في أكثر من بلد عربي وغير عربي? ظهرت ونمت بشكل ملحوظ على «الفيسبوك» في مناطق وبلاد تتعرض فيها حقوق الإنسان للقمع والاضطهاد? وفي بلاد يستشري فيها أخطبوط الفساد.
إننا الآن? وأمام ثورة الإعلام الجديد وشبان الانترنت? نحن أمام ظاهرة ستكون لها انعكاساتها على العالم العربي بشكل غير مسبوق? حيث ستحول العالم الافتراضي على الحاسوب وعلى الشاشة الصغيرة للهاتف الجوال المحمول? من عالم وهمي لا يأخذ على محمل الجد حركة الناس واحتجاجاتهم? إلى عالم حقيقي له مفاعيله على الساحة السياسية وعلى أرض الواقع? ليصبح الشباب الناشط على الانترنت وتقنياته المختلفة? قوة مؤثرة وف